لطيفة أمزوغ فنانة مغربية من مواليد مدينة الصويرة ، تشبعت بفن الحضرة منذ نعومة أظافرها وورثت هذا التراث «أما عن جدة» واعتنقته لحد الهوس، و هي مؤسسة لمهرجان الحضرة النسائية و موسيقى الحال الذي ينظم من طرف جمعية الحضارات الصويريات، كل شهر غشت بمدينة الصويرة قبل حلول أزمة كورونا وما تطلبتها من إجراءات احترازية .
سبق لجريدة الإتحاد الإشتراكي و أجرت معها حوارا بمناسبة تنظيم الدورة السادسة لمهرجان الحضرة النسائية و موسيقى الحال بمدينة الصويرة، لكن غياب هاته التظاهرة جعل منبرنا يتساءل هن السبب، كما المهتمين بفن الحضرة الصويرية.
الحوار التالي يقدم نبذة عن نشأة الفنانة لطيفة أمزوغ و جديدها وحول فن الحضرة الصويرية وطقوسها كما أسباب تأخر تنظيم الدورة ال7 لمهرجان الحضرة.
– سبق لجريدتنا و أجرت معكم حوارا بمناسبة تنظيم الدورة السادسة لمهرجان الحضرة النسائية و موسيقى الحال الذي ينظم من طرف جمعيتكم: جمعية الحضارات الصويريات ، ومنذ ذلك الحين أصبح تواجدكم نادرا فأين هذا الغياب؟
– ليست هاته الدورة الوحيدة للمهرجان التي توقفت بمناسبة كورونا، فقد سبق واستعددنا للمهرجان سنة 2020، وفكرنا ، كمنظمين، أن نبرمجه في شهر غشت، كما جرت بذلك العادة، أي بمناسبة ثورة الملك والشعب ، وبعد ذلك وبسبب ظروف الحجرالصحي، مددنا لغاية تاريخ 8 مارس بمناسبة عيد المرأة.
و قمنا بالفعل بكل الإجراءات الخاصة بنا كمنظمين، من إعلام لرجال الإعلام و دعوة الضيوف إلخ، غير أنه للأسف، وفي آخر لحظة ، تمت الإجابة بالرفض من طرف السلطات، والمسؤولين بالعمالة بسبب حجم التظاهرة الكبي، ولو أنني اقترحت تنظيمه في دار الصويري وعلى مستوى ضيق .
بعدها ومنذ شهر ماي بدأت للإعداد لتظاهرة سنة 2022 ، وتواصلت مع المسؤولين بالسلطات المحلية و بوزارة الثقافة…و الجهة والمجلس البلدي والمجلس الإقليمي..و كل من باستطاعته الترخيص أو إعطاء يد المساعدة لهذا المهرجان، خاصة و أنها ستكون الدورة السابعة و كنت أنوي أن تتزامن مع عيد ميلاد الملك وثورة الملك والشعب من 16 إلى 20 غشت و قمت بعدة إجراءات والتحركات لكن لم أجد من يجيبنا باستثناء مسؤولي الجهة، الذين ابرموا معنا اتفاقية شراكة و وعدونا بدعم المهرجان لكن لحد الساعة لم نتوصل كمنظمين بأي دعم .
-من هي لطيفة وكيف كانت النشأة؟
– ازددت سنة 1954 بمدينة الصويرة، و أذكر وأناطفلة لا أتجاوز ال5 سنين،أنني تأثرت بوالدة جدتي وتدعى فاطمة تمعيت، التي كانت فنانة الحضرة (مقدمة الحضارات) ،و بعد وفاة أم جدتي أخذت جدتي عائشة تمعيت المشعل هيالأخرى.
ولي صورة في مخيالي لأم جدتي وهي مقعدة ،تضرب على الدف بعض إيقاعات الحضرة و أنا أرقص، و لم أكن أتجاوز حينها الخمس سنوات، ثم أتذكر أنني كنت أرافقها بمناسبة الأمسيات التي كانت تحييها، ومن بينها ليالي الحضرة بمناسبة موسم الهادي بنعيسى في الصويرة، الذي كان ينظم مرة في السنة ،أحمل لها آلة «البندير» وهي أمامي مرتدية الزي التقليدي التي ترتديه نساء الصويرة ،و كنت أتأمل الأجواء والديكورات التي كان يتسم بها هذا الموسم، ولدي نوستالجيا لتلك الأيام : كان الفضاء مؤتث بالوود وأواني الفضة والنساء متزينات بأحلى الأثواب و يحضرن معهن أشهى أنواع المأكولات، بهاته الزاوية التي نمكث فيها منذ صلاة العصر إلى غاية حلول موعد صلاة العشاء. أذكر أن «معلمة الحضارات» تعلن الإنطلاقة ويتبعنها السيدات المرافقات لها في» الحضرة» وهذا يعني: نعل إبليس اولا وبعدها ذكر الله والأنبياء والصالحين و كل ما هو كلام جميل يدخل السكينة على القلب. تعاد الكرة اليوم التالي في الزاوية في نفس الأجواء مدة ثلاثة أيام، الزمن التي يدوم فيه الموسم. و من بين ذكرياتي، أيضا، أن جدتي رحمها الله، كانت تنظم في «سيدي مكدول»، وهو ولي صالح، نفس أمسيات الحضرة، إذ يقام به موسما ضخما ،وأم جدتي تقدم أضحية أو ما يسمى «معروفا» عبارة عن ثور يتم يذبحه، كما كان كل واحد من زوار الزاوية، يجلبون الهدايا يستفيد منها فقراء ومساكين المنطقة ،أي»يطعمونهم» في الموسم ، وبالموازاة تنظم أمسيات الحضرة.
بعدها شاء الله وتزوجت في سن السابعة عشر، بالفنان الصديق الصديقي أخو الفنان الطيب الصديقي رحمة الله عليهما. وسافرت إلى مدينة الدارالبضاء، التي تميزت فترة تواجدي بها بأجواء مختلفة ، إذ ترعرعت في أحضان «الدار الكبيرة» كما نقول بالمغربية ، وحيث كانت تقطن امي زينب التي هي للإشارة أم زوجي وعمتي في نفس الوقت و تحمل لقب بومازوغ مثلي، ويقطن الفنان الكبير الطيب الصديقي ، الذي للتذكير قد وصل لأوج عطائه خلال سنوات السبعينات، وكان منزل العائلة الذي في منطقة لارميطاج بالدارالبيضاء حينها قبلة لكل الفنانين والمثقفين، ويوم السبت تنظم خلاله مايشبه مهرجانا، وسبق والتقيت فيه بكل من :عبد الوهاب الدكالي، مجموعة تكادة ، ناس الغيوان جيل جيلالة المشاهب الصحراويات وممثلين ومشاهير آخرين.
و بالتالي فتحت عيني وأنا في سني الصغيرة تلك، على أجواء الفن والتظاهرات الثقافية، فراكمت تجربتي بالدارالبضاء على ما شعرته بمدينة الصويرة .
– أمن هنا اهتدت الفنانة لطيفة إلى تنظيم التظاهرات؟
– ابتدأ الأمر صدفة، عندما عدت للصويرة بعد قرار اتخذه المرحوم زوجي على إثر شرائه لمنزل «رياضا» بمدينة الصويرة التي أصلا مسقط رأسه و أغلبية إخوته من بينهم الفنان الطيب الصديقي، فاستقرينا بها وأنعم علينا الله بأبنائنا ، وذات يوم سمعت بتنظيم ما يسمى ب «شريب أتاي» من طرف إحدى الجمعيات ، وهي عادة صويرية تنظم بمناسبة عاشوراء، لم أحضرها لكن هناك من سجل فيديو وأراني إياه ، فانتبهت إلى كون من يتقدم السهرة مجموعة محسوبة على فن كناوة مع أن السهرة خصصت لفن الحضرة، و حز في نفسي ذلك لأنني أعرف الفرق ما بين التراثين الموسيقيين ، فاتصلت ب»الحضارات» اللواتي كن خلال تلك المناسبة وتم تهميشهن وشرحت لهن بأن الموروث الثقافي سوف يضيع و اتفقنا على إنشاء جمعية ، وبعدها قدمنا طلب للإشتراك في موسم الهادي بن عيسى الذي عرفت فيه أولى خطواتي في هذا المجال، وقمنا بالتداريب هناك واستقطبنا عدة شابات ، فامتلأت الزاوية وأصبح عليها الإقبال، لكن بعد حين، طرأ مشكل ما بين أصحاب الزاوية ، منعنا من استكمال تداريبنا، واستبدلنا ذلك المكان بالمطعم الذي أمتلكه و هذا أثار اهتمام السياح الذين بدأوا يحضرون ومن بينها سيدة تهتم بكل ما يخص الروحانيات، وطلبت مني بمعية صديقاتها، اللواتي كن يقمن بأحد فنادق الصويرة، أن أنظم لهن أمسية من تنشيط مجموعتي للترويح عن أنفسهن، ودامت تلك الامسيات عدة مرات. وعندما رغبن في العودة لفرنسا طلبن منا السفر معهن و بالفعل تم تنظيم جولة لفرنسا، بعدها نظمت هي رحلة لفرقة من فرنسا وتبادلنا الزيارات مما جعلني أفكر في مدى أهمية عملي أكثر، ووعيت بضرورة الإستمرار على هذا المنوال والتفكير في من يمكنه تشجيعي على هاته الإمكانية.
شاءت الأقدار أن تقترح علي نفس السيدة الفرنسية التي تعرفنا عليها، بأن نؤسس مركزا ثقافيا، فأخبرتها بأن لدي قطعة أرضية خارج مدينة الصويرة بنحو 30 كلم، فزرنا الأرض، وكانت رفقة تلك السيدة، مجموعة تتكون من 29 أمرأة، وهن نساء من مختلف الشرائح الثقافية، منهن الطبيبات والباحثات الأركولوجيات والأستاذات..، وعندما تفحصن البقعة الأرضية أخبرنني بأن المكان به طاقة كبيرة وسيصلح لتحقيق مشروعنا وهو عبارة عن مركز للعلاج بالموسيقى Centre de de Musicothérapie
– و قمنا بالإجراءات الإدارية ، لكن لم يتمكن من العودة للمغرب في الفترة التي تم الإتفاق عليها بدأ العمل، بسبب ظروفهن كعضوات في جمعيات يضطرن للتنقل عبر ربوع العالم، مثل البريزيل والبيرو..
– فقررت أن آخذ المبادرة وأن أسس المركب لوحدي، فاقترضت مبلغا ماليا من البنك وبنيته، إلى أن مرت سنة على ذلك وعادت السيدة الفرنسية للصويرة فوجدت المركز اصبح جاهزا وبدأت تشتغل به بصفتها معالجة و جرت معها مجموعة من النساء المهتمات أيضا بالمعالجة.
– هل فن الحضرة خاص بمدينة الصويرة وكيف كانت نشأته؟
– حول الحضرة الصويرية، ورجوعا للتاريخ، فعندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة تم استقباله من طرف نساء ورجال، بالدف و غناء كلمات»طلع البدر علينا» الشهيرة ، ومن هناك جاء منبت تراث الحضرة ، وأنا شخصيا فتحت أعيني على هاته الطقوس ومعرفتي بها كان من خلال النشأة والممارسة لا غير، فضلا عن كوني كلما أتيحت لي فرصة التواجد مع أساتذة مطلعين ،أكاديميا، بهذا الموضوع أعرف عنها أكثر. و أذكر أنه في سنة 2009، كان لنا الحظ، أنا ومجموعتي، أن مررنا في البرنامج التلفزي «شدى الألحان» لماجدة اليحياوي، بحضور أحد الأساتذة الباحثين والمتخصصين في التصوف، و عند ما شاهد هذا الأخير جزءا مما قدمناه من فن، صرح بأنه يأمل أن ينتشر هذا التراث لأنه عبارة عن أذكار ربانية ومديح للرسول ويدفع للتشبت بالدين الإسلامي.
الحضرة تدخل في ثقافة التصوف كما أن الحضرة الصويرية تختلف عن الحضرة الشفشاونية، وخلال الحضرة الصويرية نلاحظ أن المستمتعين يذكرون الله مع الفرقة إلى أن يغمى عليهم، وهذا من كثرة الإيمان وحب الله وهاته مسألة روحية ،لا علاقة لها بالشعودة .
من جهة أخرى فأمسيات الحضرة الصويرية مختلفة عن أمسيات كناوة المعروفة أكثربالصويرة، وتنظم أمسيات فن الحضرة، ولو أن الأمر بدأ ينقرض، لصالح الخواص أيضا، بحيث يتم استدعاء الفرقة عندما تحتاج سيدة ما إلى الترويح عن النفس وتحس بكونها متعبة نفسيا ، وتعد كل ما تحتاجه الطقوس خلال تلك الأمسة التي تكون فيها الزغاريد وذكر النبي والدعاء واستحضار أعمال الأولياء الصالحين..وبعدها يتم الشفاء بإذن الله وقدرته فهو الشافي الكافي المعافي
– بماذا تتعيش الفنانة لطيفة أمزوغ، أهذا هو المصدر الوحيد للعيش ؟
– هذا الفن ورثناه من الأجداد مرورا من الآباء، إلينا نحن الأبناء، ، وأنا شخصيا لا أسعى للحصول على مال من خلاله بل حدث و انني ولمرات عديدة مولت الأيام الأخيرة للمهرجان من مالي الخاص ، وكان بإمكاني أن أحصل على أموال كثيرة بحكم تجوالي وسفري،وفرقتي، عبر العالم: إيطاليا و الهند مرتين، فرنسا 7 مرات، ، والدنمارك 4 مرات إلخ. والهدف الوحيد الذي كان نصب عيني هو التعريف بفن الحضرة والإحتفاظ به عبر الأجيال، كما تركوه لنا أجدادنا.
– اهي حالة روحية أم هو فن؟
– أنا تشبعت بحب الحضرة الصويرية ربما لحد الهوس (ضاحكة)، لا أكف عن التحدث عن هذا الفن، وأمنع نفسي من السفر خارج المغرب دون فرقتي، وإذا لم يكن الأمر من أجل العمل. فكم من مرة دعتني أختي لزيارتها بكندا دون جدوى.
– ما هي رسالتكم؟
– رجائي أن أتوفق إلى تنظيم الدورة ال7 للمهرجان، قبل خروج سنة 2022. و أتمنى من خلال منبركم الإعلامي، أن يبلغ نداءنا لكل المسؤولين و أن يتم دعمنا من طرف و المعنيين بالأمر والسلطات المحلية ووزارة الثقافة .. لأننا لا نطمح لشيء سوى تنمية بلادنا والحفاظ على هذا الموروث الثقافي من الضياع، خاصة أنه إبن مدينة الصويرة وأحبه أن يبقى كذلك .
اتصل بي العديد من محبي هذا الفن ومن متتبعي هذا المرجان، خلال الموعدالعادي لتنظيه، ليسألونني عن التاريخ المحدد ، لكن لا يجدون إجابة لدي، فكما يقول المثل ا»العين بصيرة واليد قصيرة»، وأنا صراحة أثقلت كاهلاي بالتمويل الذاتي وأخذ سلف لكي في الأخير أجد عوائق تحول دون تنظيمي للمهرجان. خاصة كوني كنت أستقبل ضيوفي في «الرياض» الذي أمتلكه والذي يعد مصدر عيشي و عيش أبنائي ، في شهر غشت، حيث تكون السياحة مزدهرة في مدينة الصويرة، و أنا للإشارة لا أمانع بل فقط للتوضيح، بل شرف لي أن أستقبل نوعية الضيوف هاته في «رياضي» بمدينة الصويرة لثقلهم الثقافي و الفني، استقبلت شخصيات من مختلف الجنسيات والمدن المغربية و أسعد بذلك، هم شخصيات يزرن مدينة الصويرة ليحضرن فعاليات مهرجان فن الحضرة و دون أن يكونوا تحت الأضواء الذي يستحقونه مع أن لهم أهميتهم .أستضيفهم بمجموعاتهم المتمرسة والمهنية ، منهم على سبيل المثال لا الحصر: المنشد والفنان عامر التونى وفرقة المولوية، الذي أتى ومجموعته من مصر خلال دورات متعددة لحضور المهرجان، ومجموعة أخرى من جزر القمر و مجموعة لالة منانة للحضرة العرائشية ، و كذلك الفرقة الصحراوية القادمة من مدينة الداخلة التي تترأسها الفنانة “فنينة” ، وبالتالي لا نسعى إلا أن يفتح لنا باب الإشتغال فلدينا أفكار عدة. والكثير من المحبين سواء الأجانب أو المغاربة يحضنوننا على قدر استطاعتهم فمثلا لدي صديقة ألمانية بمدينة الصويرة عرضت علي أن تقدم لي مكانا تمتلكه بالمدينة للكراء، قصد القيام بالتداريب قبل حلول المهرجان، وبالفعل بعد كورونا، قمنا بإصلاحه وإعداده وقمنا بتداريب هناك أنا ومجموعتي المكونة من فتيات من مختلف الأعمار ويهوين هذا الفن، استعدادا للمهرجان، لكن للأسف لم يتم الأمر
– حاليا ما هو جديد الفنانة لطيفة بومازوغ؟
– بمناسبة عيد المولد النبوي نظم يوم الأحد 9 أكتوبرالماضي أمسية في رياض «الخنساء بمدينة الصويرة، من تنشيط مجموعة حضارات (نساء الحضرة) الصويرة ، الهدف منه التذكير بغنى فن الحضرة وطقوسه ، خاصة أنه لأكثر من سنتين لم ينظم بعدما كان سنويا في الصويرة ، وفي انتظار كما سبقت وصرحت، أن تهل علينا التفاتة من السلطات المحلية ووزارة الثقافة، وتسعدنا، ونستمر في تنظيمه.
في قرارة نفسي أتساءل عن سبب هذا الإقصاء، بينما تسمح للكثير من المهرجانات من الإنعقاد سواء داخل المغرب ككل أو مدينة الصويرة كما هو الحال بالنسبة لمهرجان كناوة ومهرجان موكا المخصص للشباب، ألأننا نساء ؟