لغة الألوان

«الألوان هي لغة الروح…»
كاندينسكي

الفنان مريد عبد الهادي فنان عصامي من مواليد1979 بالدار البيضاء.هو عضو في جمعية الفنون التشكيلية «الأفق الأزرق»أكادير، وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين جنوب المغرب، وعضو مرسم «فلور- دارالفنون».
2023ساهم في المعرض الجماعي بالطان طان»جماليات من الصحراء». 2022أقام معرضا بمؤسسة محمد السادس بالرباط تحت عنوان»أطياف راقصة».ثم ساهم في معرض جماعي بقاعة نظر بالبيضاء.
2020 «رؤى معاصرة»بمتحف التراث الأمازيغي أكادير.
2018 عرض بقاعة آرابيسك ( أكادير) ثم له تظاهرات عدة بالخارج: بيرشلونة، مدريد ،أمستردام، إيطاليا، تونس.

ينتمي عبد الهادي مريد إلى جماعة من الفنانين المغاربة يجمعهم التيار التجريدي الموغل في تجريديته.أذكر منهم على سبيل المثال الفنان محمد الإدريسي المنصوري والفنان أناس البوعناني والفنان الشيخ زيدور….فضلا عن الغرباوي والشرقاوي بطبيعة الحال.هذا على مستوى الوطن أما على مستوى العالم فهناك تماثلات وتصاديات مع شقائق الفنان ـ أو النعمان ـ مثلا في منجز.. سترايت فايا وهنري بلويت (فرنسا) وأوليا كارتارفايا (روسيا).
طبعا، لكل واحد من هؤلاء أسلوبه الخاص ولمسته المميزة.
ضمن هؤلاء يمتاز الفنان عبد الهادي مريد، وانطلاقا من لوحتين عرضهما بالمعرض الجماعي، ضمن فعاليات جمعية أصدقاء متحف الطان طان في نشاطها السنوي الرابع تحت شعار «جماليات من الصحراء» وبمناسبة موسم المدينة في نسخته السادسة عشرة 2023… يمتاز بأسلوب تجريدي يعتمد أساسا على الألوان، وعلى تشكّلاتها دون خطوط أو أشكال هندسية ، أو غيرها.فاللون في تماسه بالألوان الأخرى يرسم حدوده بذاته ويتحكم في مداه. فهو قائم بذاته إلى أن يلتقي أو يحاذي لونا آخر.هي ألوان عديدة في لوحة واحدة: اللون الأبيض الشفاف والأسود المائي وبينهما ألوان أخرى…الأزرق والأحمر والأخضر الباهت والرمادي..والكل يجسّد أمام أعين المشاهد أشكالا مختلفة يمكن أن يخالها رموزا أو هيئات مقصودة تدفعه إلى استعمال واستغلال جموح الخيال لرؤية أشباح أو كما سماها الفنان في معرض له بمؤسسة محمد السادس. أطياف..»أطياف راقصة» .. سوداء تبدو شريرة في هيئتها (اللون هيئة الأشياء) وهيبتها وأطياف خيرية في بياض صفحتها واستقامتها «الأبيض يجسد الميلاد أما الأسود فيسجل النهاية، نهاية الممكنات إنه الموت.»(فيليب سير). بينهما مضغة الموت والحياة أي عالم الكون والفساد وما دون القمر. أكثر من خمس عشرة لوحة هي هذه مقوماتها الأولية. صراع مرير، حركية دؤوبة، تفاعل عنيف، تصادم قوي بين الأسود المائي والأبيض الرهيف. وقد تطغى عليهما أحيانا ألوان زاهية مختلفة كالبرتقالي الفاتح والأزرق اللازوردي والأصفر الناصع… ترسمها وتحدّها أشكال تبدو أحيانا كرؤوس آدمية وأحيانا أخرى كأعضاء موحية بين الجسد والأعضاء الجنسية بين البدن وأطرافه..لكن في التباس مقصود يمنح للّون حريته المطلقة على التجسيد الذي قد يترائ للمشاهد.
اللوحات في شفافيتها تبدو وكأنها تغوص تحت الماء بحثا عن عمقها وغرقها، عن دوامة دورانها في أسفل سافلين. فهي أحيانا مسارات كروماتية وأحيانا أخرى تلاقيات عفوية، وفي كلتا الحالتين تتشكل منها أطياف ملونة تنبعث من الأعماق، أعماق النفس وأعماق البحار، وترقص وفق إيقاع رغبات الفنان المبدع ووفق انتظاراته، كما لاحظ ذلك الصحفي محمد لخناتي.
وفي سياق الأعماق يرى الناقد إبراهيم الحيسن، وفق إسرار الفنان عبد الهادي مريد نفسه، في لوحاته لمسة صوفية تذكرنا بشطحات مولانا الكبير جلال الدين الرومي.الأطياف الراقصة هي في حركيتها ذاتها أجساد الدراويش المولوية الدائرة في فراغ الهواء.هذه الأخيرة في دوائر والأخرى الأطياف في انطفاءات هلامية وامتدادات سائلة كالأشباح الليلية.يرى فيها الناقد عبد الله الشيخ إيقاع عين الخيميائي التي تغوص في أعماق التجريد الكروماتي الشعري و إيقاع الذاكرة بأحلامها المرئية وغير المرئية .
إنها دروب لا تؤدي إلى أي مآل لكنها تفتح المجال ..إنها أشباح وموجودات أقرب إلى العدم منها إلى الوجود أو هي وجود شبحي متخيل.
لا ينبغي المبالغة في ربط روحية المتصوف بروحانية التشكيلي. فرغم أن القاسم المشترك بينهما هو الحب: حب الله وحب الألوان، فإن الاختلافات بينهما عديدة كاختلاف الشعر مع التشكيل. الأول يعتمد الكلمات (اللغة) والتصور أو الرؤية والذوق والوزن والإيقاع، أما الثاني فيعتمد الألوان وأشكالها والتصوير والتجريد والانسجام أو التناغم..يقول جلال الدين الرومي:»إلهي ..خذ روحي إلى ذلك المكان الذي يمكن فيه أن أتحدث بدون كلمات». المكان عند الصوفي هو ملكوت الله. أما المكان عند التشكيلي فهو ملكوت الألوان.
كيف يمكن للون أن يتكلم؟ اللون ليس فونيمات ولا مونيمات. إنما هو أيقونات أو هيئات…اللون لباس يومئ، يوحي ويومض…يترك أثرا.الأثر هو حالة الوجود العيني الذي لم يعد موجودا، الذي امحى..والمحو هو إحدى تقنيات إتلاف الحديث والكلام..الأثر يومئ لوجوده… أما الموسيقى فتفرض نفسها بأصواتها وألحانها، لها مسالك مباشرة إلى الروح، «ذلك لأن الإنسان يملك الموسيقى داخل ذاته».
على التشكيل أن يعثر على لحنه الخاص كما يقول غوته. وهذا اللحن قوامه اللون والشكل.اللون،كما قال ديلاكروى، الأحمر أو البرتقالي يمنحان أو يمثلان أفكار الفرح والغنى.وقع اللون على النفس حديث هامس بينهما، يؤطره الشكل و يمنحه هيئته.هناك صدى باطني يتصادى فيه اللون والشكل.إذا كان الشكل هو برانية محتوى داخلي، فاللون هو هيئة خارجية للشكل.فواضح إذن أن تناغم الأشكال ينبغي أن يتم فقط على مبدأ تناغم الألوان وفق الطموح إلى الدخول في اتصال فعال مع روح الإنسان.


الكاتب : إدريس كثير

  

بتاريخ : 22/09/2023