ركبت السيارة ، ألتوي في منعرجات مولاي ابراهيم ، مزاري الدائم ، وأنا طافح بالألم ، أسوق في وعي باهت . ركنت السيارة بعد الوصول قرب الوادي . هذا الموقع الجبلي الأقرب إلى مدينة مراكش ، صعدت الجبل من طريق وعر ، من جهة مصب الرحا، وأنا ألهث ، الحرارة مفرطة . كان ركام البيوت يعيق السير، والناس معبأون لإخراج الجثث وإنقاذ الأحياء من تحت الأنقاض ، الكدر والحزن المرسوم على الملامح يضاعف الإحساس بالألم، أحسست بانهيار جسدي، بكيت في صمت . كان أمر إخراج ناجين معجزة، المتطوعون ينبشون الردم بقوة لاإرادية يرجون إخراج الناس أحياء، ينادون العالقين، ويخيب أملهم عندما لا يستجاب لنداءاتهم ، النساء تتمزق أفئدتهن بين بكاء ونواح ، والرجال باهتو السحنات، والأطفال تائهون مصعوقون ، يدرون ولايدرون لغز ماحدث … والرضيع المتوفى في حضن أمه المتوفاة وقد مص آخر مصة حليب من ثديها ، الملاك الصغير الذي أسال دمعا غزيرا من عيون مخرجيهما من تحت الردم وهيج عاصفة دوار في رؤوسهم ، أيتها الملائكة أستودعه في حضنك ، اجعليه يتخطى عتبة الموت وأتمي إرضاعه ليحيا هناك وينعم بالجسد المفتقد ، كوني أمه لتطمئن أمه في مرقدها الأبدي.
جلست على صخرة عاجزا عن فعل أي شيء. أصبحت سائلا منزوع العظام ، مشاعري مضطربة وخيالي ينفذ من تحت الأنقاض يريد سماع صوت الموتى . ماذا يقولون وقد كانوا آمنين ينطوي كل بيت على أسراره ، وكل شخص على أحلامه وأمانيه ، وفجأة تغافل الطبيعة الجميع فترتج الأرض رجا وتجذب نفوسا إلى الفناء .
هل لازالت تلك الأحلام يانعة في أذهان الموتى ، هل يتحدثون بينهم كالمعتاد في عالمهم السفلي ، وهل بعد نومهم ستشرق الشمس ليسأنفوا حيواتهم كالمعتاد ، كل واحد يهب إلى عمله أو يحقق المؤجل من مبتغاه .
لأول مرة أحس وأدرك أن القلب يبكي لكن ليس كالبكاء، ينزف، وأن الخيال الكاره للفناء يخترع سبل النجاة ويأمل في حدوث المعجزات.
ياليت الأمر كان حلما مزعجا ، تلاشى بعد الإصباح .
عدت إلى المدينة وكأنني أحمل إثم التخلي عن الناس المطمورين تحت الأنقاض ، فهل تؤنب الطبيعة نفسها عن الفجيعة التي ارتكبت؟.
لغة الموتى
الكاتب : أبو يوسف طه
بتاريخ : 22/09/2023