لغز الظواهر الخارقة: بين التصديق والتشكيك 11- قلعة هاوسكا : جمهورية التشيك

على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.

 

تعتبر قلعة هاوسكا، الواقعة في جمهورية التشيك، واحدة من الأماكن الأكثر غموضا والمغلفة بالأساطير المظلمة في أوروبا، وقد غذى تاريخها وهندستها المعمارية الفريدة هذا الغموض لقرون.
تم بناء القلعة في القرن الثالث عشر، وتحديدا بين عامي 1270 و1280، بأمر من الملك أوتوكار الثاني ملك بوهيميا. مما زاد في غرابتها، أن موقع القلعة لا يبدو منطقيا من الناحية الاستراتيجية، فهي لا تقع بالقرب من أي طريق تجاري، كما أنها لا تحمي أي قرية أو حدود، بالإضافة على أنه لا يوجد أي مصدر مياه طبيعي قريب.
هذه الخصائص جعلت الكثيرين يتكهنون بأن هدف القلعة لم يكن دفاعيا أو سكنيا، بل كان له هدف آخر مظلم.
ووفقا للأساطير المحلية، قبل بناء القلعة، كان هناك صدع ضخم في المكان يُعتبر بوابة إلى الجحيم. قيل إن من هذا البئر كانت تخرج مخلوقات شيطانية وكائنات مجنحة تهاجم القرويين، كما كانت تُسمع صرخات غير بشرية وأنات تخرج من الأعماق.
ويُعتقد أن القلعة تم بناؤها خصيصا لختم هذه البوابة الشيطانية وأنه تم بناء الكنيسة المركزية مباشرة فوق البئر، كمحاولة لاحتواء القوى الشريرة. وهناك العديد من أجزاء القلعة موجهة نحو الداخل، كما لو أن التصميم كان يهدف أكثر إلى منع شيء من الخروج، بدلا من حمايتها من الغزاة.
ولفهم طبيعة هذا الفجوة، كان يتم إلقاء السجناء المحكوم عليهم بالإعدام فيه وكان هناك وعد بأن السجين إذا تمكن من العودة، سيُغفر له.
ومن أكثر الأساطير شهرة واحدة تقول إن أول سجين نزل إلى البئر وبعد لحظات بدأ يصرخ بجنون، وعندما تم سحبه، كان قد تقدم في العمر لعقود خلال دقائق، وشعر بالاضطراب وأصبح شعره أبيضا.
على مر القرون، أفاد الزوار والمقيمون بأنهم شهدوا أصواتا غريبة، وصرخات، وأنات تأتي من تحت الكنيسة، وتحدث آخرون عن ظلال وأشكال شبحية تتجول في الممرات مع ظهور مخلوقات نصف إنسانية ونصف حيوانية في الغابات المحيطة.
ومن الظواهر الأكثر شيوعا تلك التي قيل إنها تحدث في محيط كنيسة القلعة، التي بنيت مباشرة فوق البئر المزعوم، والذي يعتبر بوابة إلى الجحيم. ويؤكد الزوار والعاملون أنهم يسمعون أنات، وصيحات، وصرخات مؤلمة تبدو وكأنها قادمة من أعماق الأرض، خاصة في الليالي أو أثناء الصمت التام. كما يصف البعض الأصوات بأنها صرخات غير بشرية مليئة بالألم، مما يعزز نظرية أن أرواحا محكومة أو مخلوقات شيطانية تقيم تحت الهيكل.
ظاهرة أخرى شائعة هي ظهور ظلال وأشكال شبحية تتحرك في ممرات وغرف القلعة. ويتحدث الشهود عن أطياف مظلمة تتحرك بسرعة، وغالبا ما تراقب من الزوايا قبل أن تختفي. وقيل إن بعض هذه الأطياف تكون طويلة وهزيلة، بينما تبدو أخرى وكأنها مخلوقات مشوهة، مما يتماشى مع الأساطير حول المخلوقات المجنحة والشياطين التي كانت تخرج من البئر.
كما تحدث آخرون عن أنه تم رؤية مخلوقات بأجنحة خفاشية، وأجسام مشوهة، ووجوه قبيحة، بل إنه حتى المتنزهين الذين قضوا الليل في المنطقة القريبة رووا عن سماعهم أجنحة ضخمة وأقدام ثقيلة في الغابة، مصحوبة بالهمسات التهديدية بلغات غير معروفة.
وغالبا ما يشعر الزوار، وفق الروايات، بتغييرات مفاجئة في درجات الحرارة عند الاقتراب من بعض المناطق، خاصة الكنيسة، فوق البئر، القاعة الرئيسية والزنازين .
بالإضافة إلى ذلك، من الشائع أن يشعر الزوار بوجود شيء غير مرئي، وكأن هناك من يراقبهم باستمرار أو يلمسهم برفق. كما يؤكد بعض الأشخاص أنهم تأثروا جسديا بطاقة المكان وشعروا بغثيان ودوار مفاجئ، بالإضافة إلى صداع شديد وشعور بثقل في الصدر أو صعوبة في التنفس.وفي بعض الحالات القصوى، شعر الزوار بأيد غير مرئية تلمسهم أو تدفعهم، مما جعلهم يغادرون على الفور.
خلال الحرب العالمية الثانية، قيل إن النازيين احتلوا القلعة لإجراء تجارب باطنية. كان الرايخ الثالث مهتما بالظواهر الخارقة وكانوا يسعون للاستفادة من الطاقات المظلمة التي كانوا يعتقدون أنها تنبع من المكان. وبعد الحرب، تم العثور على بقايا طقوس بشرية ووثائق تتعلق بالطقوس الباطنية.
تعد قلعة هاوسكا اليوم وجهة سياحية مشهورة، خاصة لمحبي الظواهر الخارقة، حيث يتم تنظيم جولات إرشادية تشمل روايات الأساطير والتحقيقات الخارقة. كما ظهرت في برامج تلفزيونية حول ما وراء الطبيعة، مثل «Ghost Hunters International».
وعلى الرغم من أن العديد من هذه الروايات جزء من الفلكلور المحلي، فإن هالة الغموض لا تزال تجذب الفضوليين وصائدي الأشباح من جميع أنحاء العالم.


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 13/03/2025