على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.
كانت عائلة ليمب واحدة من العائلات الثرية في سانت لويس، بولاية ميزوري الأمريكية، واشتهرت بثروتها الضخمة التي جاءت من صناعة الجعة. لكن وراء النجاح الكبير لهذه العائلة، كانت هناك سلسلة من المآسي والانتحارات التي جعلت قصتهم واحدة من أكثر الحكايات المأساوية في تاريخ الولايات المتحدة.
في منتصف القرن التاسع عشر، أسس جون آدم ليمب مصنع الجعة «ليمب برويري»، وسرعان ما أصبح أحد أنجح مصانع الجعة في المنطقة. استمر النجاح مع ويليام ليمب الأب، الذي جعل الشركة واحدة من أكبر شركات إنتاج الجعة في الولايات المتحدة.
مع بداية القرن العشرين، بدأت المآسي تلاحق العائلة، ففي 1901، توفي فجأة فريدريك ليمب، ابن ويليام ليمب الأب، والوريث المتوقع لشركة العائلة، بسبب مشاكل صحية غير متوقعة.
بعد وفاة ابنه، أصيب ويليام ليمب الأب بالاكتئاب الشديد وانعزل عن الجميع، وبعد ثلاث سنوات، 1904، أطلق النار على نفسه في غرفة نومه داخل القصر.
في 1920، توفيت إيلسا ليمب، وكانت الابنة الوحيدة لعائلة ليمب وأغنى امرأة في سانت لويس في ذلك الوقت. ووفقا للتقارير، أطلقت النار على نفسها داخل منزلها بعد فترة قصيرة من عودتها إلى زوجها السابق توماس رايت، الذي كانت قد انفصلت عنه سابقا. ورغم أن القضية اعتبرت انتحارا رسميا، إلا أن البعض يعتقد أن ظروف وفاتها غامضة، وهناك نظريات تشير إلى احتمال وجود أسباب أخرى وراء موتها.
بعد وفاة والده، تولى ويليام ليمب جونيور إدارة الشركة، لكنه لم يكن ناجحا مثل الجيل السابق، ومع بداية تراجع أعمال مصنع الجعة وإقرار «قانون الحظر» في الولايات المتحدة، دخل في حالة اكتئاب عميقة، وهكذا أقدم سنة 1922 على إطلاق النار على نفسه في نفس الغرفة التي انتحر فيها والده. ومع الانهيار المالي وتراجع الأعمال بسبب الحظر، أُجبر ورثة العائلة على بيع المصنع بأقل من قيمته الحقيقية.
شارلز ليمب، شقيق ويليام ليمب جونيور، عاش حياة منعزلة داخل القصر، وكان يعاني من اضطرابات عقلية، وفي سنة 1949، انتحر بنفس الطريقة التي فعلها والده وشقيقه، بإطلاق النار على رأسه. أما إدويث، آخر أفراد العائلة، فقد توفيت عام 1970، مما جعل قصة عائلة ليمب تقترب من نهايتها.
بعد هذه الأحداث، سيتحول قصر ليمب إلى فندق ومزار سياحي، لكنه بسرعة سيكتسب سمعة مرعبة بسبب الأحداث الغامضة التي يقال إنها تحدث داخله.
وهكذا انتشرت روايات تقول إن القصر يشهد العديد من الظواهر الخارقة للطبيعة، التي تعتبر جزءا من قصة العائلة المأساوية التي عاشت هناك.
ومن الظواهر الأكثر شيوعا التي تم الإبلاغ عنها في القصر، رؤية أشباح أو أشكال ظلية تظهر في أرجاء القصر. وفي هذا الإطار، أفاد الزوار أنهم شاهدوا أشخاصا يتلاشى وجودهم بسرعة عندما يقتربون منهم. العديد من هذه الأشكال يعتقد أنها تخص أفرادا من عائلة ليمب، خاصة ويليام ليمب جونيور وشارلز ليمب، وأضافت الروايات أن الأشباح تظهر وتتحرك بسرعة عبر الجدران، أو تظهر في أماكن غير متوقعة، مما يثير القلق.
البرودة المفاجئة هي ظاهرة أخرى متكررة في هذا القصر، وكثير من الزوار أفادوا أنهم شعروا ببرودة شديدة دون تفسير واضح، حتى في الأيام الحارة أو في الأماكن التي لا تحتوي على نوافذ مفتوحة، ويعتقد أن هذا الشعور بالبرودة هو علامة على وجود أرواح، وهو أحد الأعراض الشائعة في الأماكن التي يعتقد أنها مسكونة.
من الظواهر المزعجة الأخرى التي يعج بها قصر عائلة ليمب، سماع خطوات على الدرج أو في الطوابق العلوية، حتى عندما لا يوجد أحد في المكان. وفق الروايات دائما، غالبا ما تسمع الخطوات وكأن شخصا يمشي حافي القدمين في أرجاء القصر، وتختفي فجأة، وفي بعض الأحيان، يمكن سماع همسات أو ضحكات غامضة من بعيد.
ومن الظواهر الغريبة التي تم الإبلاغ عنها أيضا، حركة الأبواب بشكل غير مفسر. وقد أفاد الزوار أن بعض الأبواب تفتح وتغلق من تلقاء نفسها، خاصة في الغرف التي كانت تخص أفرادا معينين من العائلة، وقال هؤلاء إن الأبواب تبدو وكأنها تتحرك دون تدخل بشري، مما يعزز الإحساس بوجود شيء خارق في المكان.
الأشياء التي تتحرك أو تختفي فجأة هي أيضا من الظواهر التي تم الإبلاغ عنها، ويشمل ذلك قطع الأثاث التي تُغير مكانها بشكل غير مفسر أو الأشياء الصغيرة التي تختفي ثم تظهر في أماكن غير متوقعة.
كما أفاد العديد من الزوار، أنهم شعروا وكأنهم مراقَبون، خاصة في الأماكن المعزولة من القصر، مثل القبو أو الممرات. ويعتقد بعض الأشخاص أن هذه المشاعر مرتبطة بوجود أرواح أفراد من عائلة ليمب، الذين لم يغادروا القصر حتى بعد وفاتهم.
وفي العديد من الحالات، سجل المصورون الذين زاروا القصر صورا تحتوي على أشكال غريبة أو كائنات غير مرئية في اللحظة التي تم التقاط الصور فيها. وتُظهر بعض الصور أشكالا شبحية أو ظلالا لا يمكن تفسيرها، مما يزيد من شهرة القصر بين المهتمين بالظواهر الخارقة، والذين يصدقونها.
هذه الروايات، جعلت قصر ليمب يخضع لعدة تحقيقات تتعلق بالظواهر الخارقة عبر السنين، وقد استخدم الباحثون أدوات مثل الكاميرات الحرارية وأجهزة لالتقاط أدلة على النشاطات الخارقة، في بعض الحالات قال المحققون إن التسجيل الصوتي الإلكتروني أظهر أصواتا غير مفسرة أو تغيرات في درجات الحرارة بدون تفسير علمي، مما يضيف مزيدا من الغموض إلى أسطورة القصر،
مما جعله واحدا من الوجهات الأكثر رعبا لعشاق الظواهر الخارقة للطبيعة.