على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.
تعد مصحة ويفرلي هيلز بدورها، واحدة من أشهر المواقع «المسكونة» في الولايات المتحدة. تقع المصحة في لويزفيل بولاية كنتاكي، وبنيت في الأصل كمستشفى لعلاج مرضى السل في أوائل القرن العشرين، لكنها سرعان ما اكتسبت سمعة مخيفة بسبب عدد الوفيات الكبير وظروف العلاج القاسية. يعتقد أن آلاف المرضى لقوا حتفهم هناك، ما أدى إلى انتشار القصص حول الظواهر الخارقة التي تحدث في المبنى حتى يومنا هذا.
افتتحت المصحة عام 1910 كمستشفى صغير لعلاج مرضى السل، ثم توسعت لاحقا بسبب تفشي المرض. وخلال ذروة انتشار السل الرئوي المعروف بـ»الموت الأبيض»، لم يكن هناك علاج فعال، واعتمد الأطباء على علاجات قاسية، مثل استئصال أجزاء من الرئتين أو تعريض المرضى للهواء البارد.
ولتجنب إثارة الرعب بين المرضى الأحياء، كان يتم نقل الجثث عبر نفق سري تحت الأرض، مما عزز سمعة المكان كموقع مشؤوم. بعد انخفاض حالات السل، أُغلق المستشفى عام 1961، وأعيد فتحه لاحقا كمصحة للأمراض النفسية لفترة وجيزة، قبل أن يتم إغلاقه نهائيا بسبب انتهاكات خطيرة لحقوق المرضى.
انتشرت روايات عديدة حول الظواهر غير الطبيعية في المصحة، ومن بينها «الطفل تيمي» ، ويقال إن شبح صبي صغير يدعى تيمي لا يزال يتجول في ممرات المصحة، وأبلغ زوار المصحة عن رؤية كرة تتدحرج وحدها أو تتحرك فجأة كما لو أن طفلا غير مرئي يلعب بها.
ويُعتبر الطابق الخامس، وخاصة الغرفة 502، أكثر المناطق رعبا في المصحة. وفي هذا الإطار، تقول الأسطورة، إن ممرضة انتحرت شنقا في الغرفة عام 1928 بعد اكتشافها أنها حامل دون زواج، وقد أبلغ زوار المصحة عن سماع أصوات صراخ وهمسات غامضة في الغرفة، بالإضافة إلى ظهور ظلال بشرية دون وجود أحد.
بالإضافة إلى هذا، تحدث العديد من الزوار والعاملين عن رؤية أشكال ظلية سوداء تتحرك في الممرات أو تراقبهم من النوافذ، يعرف بعضها باسم «رجل الظل»، وهو كيان مخيف يظهر فجأة ثم يختفي دون أثر، ويوصف بأنه يشع طاقة تهديدية، وغالبا ما يجعل الهواء ثقيلا مما يسبب صعوبة في التنفس، وبعض الزوار فروا من المكان بعد رؤية هذا الكيان، قائلين إنهم شعروا بأنهم ملاحقون.
في بعض أجزاء المصحة، أبلغ الزوار عن روائح غريبة، مثل رائحة المعقمات الطبية القديمة أو رائحة لحم متحلل، وهذه الروائح عادة ما تترافق مع انخفاض مفاجئ في درجة الحرارة، وهي علامة شائعة لدى هواة هذه الظواهر على وجود روح، فيما أبلغ بعض الزوار عن إحساس بيد باردة تلمسهم أو هبات هواء باردة تمر بجوارهم.
أما نفق الموت، الذي يُقال إنه كان يستخدم لنقل الجثث، فلا يزال مليئا بالطاقة السلبية، حسب بعض الروايات، وقد أبلغ زوار المصحة عن أصوات صرخات بعيدة، وأحيانا يشعرون بأن أحدا يدفعهم أو يلمسهم دون أن يكون هناك أحد.
كما تم تسجيل أصوات همسات، بكاء وضحكات مخيفة بواسطة محققي الظواهر الخارقة، وبعض الزوار أبلغوا عن سماع موسيقى قديمة تعزف في الأروقة، رغم عدم وجود أي أجهزة صوتية تعمل.
هذه الروايات جعلت المصحة وجهة رئيسية لعشاق الظواهر الخارقة، حيث تقام جولات ليلية لاختبار النشاطات الغامضة. وفي هذا الإطار، زارتها العديد من برامج التحقيق في الأشباح، مثل Ghost Hunters و Ghost Adventures، وسجلت ما قالت إنها أدلة على نشاط غير طبيعي. بعضهم وصف التجربة بأنها مرهقة نفسيا، حيث يشعرون وكأن المآسي القديمة لا تزال حاضرة داخل جدران المصحة، وهناك خطط لتحويل المبنى إلى فندق ومساحة سياحية، لكن البعض يخشى أن تكون هذه الطاقة السلبية قوية للغاية بحيث لا يمكن إزالتها.