لغز الظواهر الخارقة: بين التصديق والتشكيك 17- برج المراقبة في إيباغي: كولومبيا

على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.

 

يقع برج المراقبة في في مدينة إيباغي، بمقاطعة توليما في كولومبيا، وهو بناء تاريخي كان يستخدم كسجن من أواخر القرن التاسع عشر حتى عام 2003. تم تصميمه على أساس النموذج الذي ابتكره الفيلسوف جيريمي بنثام، حيث يسمح هذا التصميم بمراقبة جميع السجناء من نقطة مركزية واحدة بكفاءة عالية، وكان واحدًا من أهم السجون في المنطقة.
خلال عقود، استضاف السجن نزلاء من خلفيات إجرامية مختلفة، وكان شاهدا على العديد من الأحداث المأساوية، بما في ذلك العنف، والتعذيب، وحالات الوفاة الغامضة.
تم إغلاق السجن في عام 2003، ثم خضع لعملية ترميم وتحول إلى متحف يضم اليوم معارض للفنون والتاريخ والثقافة.
بعد إغلاقه كسجن، بدأت تتداول العديد من القصص حول أحداث غير مفسرة داخل المبنى، مما جعله وجهة لمحبي الغموض والباحثين عن الظواهر الخارقة. ومن بين الظواهر الأكثر شيوعا التي تم الإبلاغ عنها، ظهور ظلال غامضة، حيث أفاد زوار وعاملون في المتحف برؤية أشكال داكنة تتحرك في الممرات، خاصة بالقرب من الزنازين القديمة، حيث يقسم البعض أنهم شاهدوا كائنات تطل برؤوسها من الزوايا، وهذه الكيانات تشبه سجناء يرتدون أزياء قديمة.
كما سمع العديد من الأشخاص أصوات بكاء وأنين وجمل غير مفهومة في أوقات متأخرة من الليل، ويعتقد أنها تعود لأرواح السجناء الذين تعرضوا للتعذيب والمعاملة القاسية داخل السجن، إضافة إلى صرخات استغاثة تصدر من أجنحة السجن المهجورة. بعض الباحثين سجلوا ما يشبه الرسائل الصوتية الخارقة التي تحتوي على عبارات مثل «لا تتركني» و «ساعدني».
وهناك كثير ممن زاروا البرج أبلغوا عن إحساس بالقشعريرة والبرد المفاجئ في أماكن معينة داخل السجن، بالإضافة إلى شعور قوي بأن شخصا ما يراقبهم، رغم عدم وجود أحد.
من جهة أخرى، أبلغ العديد من الزوار عن انخفاضات مفاجئة في درجات الحرارة داخل مناطق معينة من السجن، كما شعر البعض بأن هناك من يسير بجانبهم أو يضع يده على أكتافهم، رغم عدم وجود أحد.
كما رصدت، وفقا لبعض الروايات، أبواب تغلق وتفتح وحدها دون وجود تيارات هوائية، وشوهدت كراسٍ وأدوات تتحرك من تلقاء نفسها، خاصة في الساحات المركزية والزنازين القديمة.
ومن بين القصص الأكثر إثارة، أبلغ بعض الشهود عن رؤية طيف حارس سجن قديم يتجول في الممرات قبل أن يختفي فجأة. كما يدعي بعض الزوار أنهم رأوا أشباح سجناء يرتدون ملابس ممزقة، وهم ينظرون إليهم بنظرات حزينة قبل أن يتلاشوا في الهواء.
وصرح بعض العاملين في المتحف أنهم رأوا أضواء تومض فجأة وشعروا وكأن أحدا يراقبهم طوال الوقت، وقال بعض السياح إنهم التقطوا صورا تظهر فيها أشكال غير طبيعية، بعضها يعرض وجوها غامضة أو ظلالا غير مبررة.
بدورها، سجلت فرق التحقيق في الظواهر الخارقة نشاطا كهرومغناطيسيا غير طبيعي وأصواتا غير مفهومة في تسجيلات الصوت، وفق ما صدر عنها.
رغم الترميمات واستخدامه الحالي كمتحف، يظل البرج، أحد أكثر الأماكن «المسكونة» في كولومبيا، حيث يجذب محبي الغموض وعشاق القصص الخارقة، بالإضافة إلى فرق البحث التي تحاول فك شيفرة الظواهر الغريبة التي تحدث داخله.

 

 


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 20/03/2025