لغز الظواهر الخارقة: بين التصديق والتشكيك -18- المستشفى العسكري في كامبريدج : إنجلترا

على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.

يقع المستشفى العسكري في كامبريدج في منطقة ألدرشوت، إنجلترا، وهو واحد من أكثر الأماكن شهرة في المملكة المتحدة بسبب القصص المتعلقة بالظواهر الخارقة للطبيعة. افتُتح عام 1879 وظل يعمل حتى عام 1996، عندما أُغلق نهائيا بسبب مشاكل هيكلية واكتشاف مادة الأسبستوس. ومع ذلك، فإن تاريخه وما شهده من معاناة داخل جدرانه أوجد العديد من الروايات عن نشاطات غير طبيعية.
خلال الحربين العالميتين، لعب المستشفى دورا محوريا في علاج الجنود المصابين، وكان أحد أوائل المستشفيات البريطانية التي استخدمت الأشعة السينية.
وبسبب العدد الكبير من الجنود الذين لقوا حتفهم داخل أروقته، خاصة خلال الحرب العالمية الأولى، غلبت على المكان أجواء من الألم والمأساة.
احتوى المستشفى أيضا على مشرحة وغرفة عمليات كانت تُجرى فيها عمليات بتر وجراحات طارئة في ظروف بدائية جدا بالنسبة لذلك العصر، مما ترك أثرا من المعاناة في المكان.
بدأت الروايات عن تجارب خارقة للطبيعة بعد إغلاق المستشفى، وما زالت مستمرة حتى اليوم. من أبرز الحوادث، ظهور أشباح الجنود، فقد أفاد العديد بأنهم رأوا أشكالا طيفية لجنود يرتدون الزي العسكري يتجولون في الممرات، خاصة في المناطق التي كانت تضم غرف العمليات وغرف النقاهة.
وذكر آخرون أنهم شاهدوا نساء بزي التمريض القديم، خاصة في الطابق الأرضي وعلى السلالم، وغالبا ما تظهر هذه الشخصيات لفترة قصيرة ثم تختفي.
ونقلت بعض الروايات عن سماع صرخات وأنين كأنها لجنود مصابين في معركة، خطوات سريعة في الممرات الخالية، أصوات أبواب تُغلق بقوة، وأصوات معدنية لأسرة أو أدوات جراحية، خصوصا في غرف العمليات القديمة.
كما أكد الزوار ومستكشفو الأماكن المهجورة شعورهم بالضيق والاختناق عند دخولهم، خاصة في المناطق التي كانت تجرى فيها عمليات البتر والمشرحة، وشعر البعض بدوار، غثيان، وصعوبة في التنفس، كما لو أنهم يعيشون المعاناة التي شهدها المكان.
تقارير أخرى تحدثت عن كراسي وأسرة تتحرك قليلا دون تفسير وأبواب تُغلق من تلقاء نفسها رغم عدم وجود تيار هواء وظهور أشكال بشرية مظلمة تتحرك بسرعة بين الغرف أو تظهر خلف النوافذ رغم أن المبنى مهجور.وغالبا ما تُشاهد هذه الظلال في جناح الطب النفسي، حيث يعتقد أن المرضى هناك تعرضوا لمعاناة شديدة.
جرت تحقيقات في هذه الظواهر الخارقة، حيث زارت مجموعات من الباحثين في مجال الظواهر الخارقة المستشفى باستخدام أجهزة كشف المجالات المغناطيسية، كاميرات الأشعة تحت الحمراء، ومسجلات الصوت. وحسب هؤلاء فقد تم تسجيل أصوات (سيكوفونيات) تحتوي على جمل مثل «ساعدني» و»إنهم قادمون».بعض المشاركين في التحقيق ذكروا أنهم شعروا بلمسات أياد خفية أو دفع خفيف أثناء تجوالهم.
ومن أشهر الحوادث التي تروى حول هذا المستشفى، حكاية حارس ليلي، سنة 1998، فبعد إغلاق المستشفى، أفاد الحارس بأنه رأى شخصا يرتدي زيا عسكريا واختفى أمام عينيه، فاستقال من وظيفته في تلك الليلة.
مجموعة مستكشفين سنة 2005 زارت المستشفى، وأثناء الزيارة غير القانونية، قال أحد الشباب إنه شعر بأحد يمسك بذراعه، وترك ذلك علامات حمراء على جلده.
وفي 2013، التقط فريق تلفزيوني أثناء تصوير فيلم وثائقي عن الأماكن المسكونة، بالفيديو، ما قيل إنه شكل شفاف يعبر ممرا.
في الوقت الراهن، لا يزال المستشفى العسكري في كامبريدج مكانا مفضلا لهواة الغموض والخوارق، رغم القيود المفروضة على الدخول إليه، فتاريخه العسكري، ومعاناة المرضى، والمآسي الشخصية، جعله من أكثر المواقع شهرة بالنشاطات الخارقة في إنجلترا.


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 21/03/2025