على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.
ضمن قائمة الأماكن الأكثر شهرة بسبب نشاطها «الخارق» في الولايات المتحدة توجد مزرعة ميرتلز، الواقعة في سانت فرانسيسفيل، بولاية لويزيانا، ويعتبر البعض المنزل الكائن بها «واحدا من أكثر المنازل المسكونة في أمريكا»، إذ يمتلك تاريخا مليئا بالمآسي وجرائم القتل والعبودية، مما أدى إلى ظهور العديد من الروايات عن الأشباح والظواهر الغامضة.
بُنيت المزرعة في عام 1796 من قبل ديفيد برادفورد، وهو رجل كان هاربا من العدالة بعد مشاركته في تمرد الويسكي.انتقلت الملكية لاحقا إلى كلارك وودروف، الذي ارتبطت عائلته بالأحداث التي أدت إلى أشهر القصص عن الظواهر الخارقة، فقد شهدت المزرعة عدة حالات وفاة عنيفة، رغم أن بعض الروايات قد يكون مبالغا فيها أو محرفة عن الحقيقة.
وبهذا الخصوص، تُعتبر قصة كلوي الأكثر شهرة، وهي أمة يُقال إنها أُجبرت على أن تكون عشيقة لكلارك وودروف، وخوفا من أن تُرسل للعمل في الحقول مرة أخرى، يُزعم أنها حاولت تسميم زوجة وودروف وابنتيه بوضع خليط سام في كعكة، وقد أدى ذلك إلى وفاة الزوجة (سارة) واثنين من أطفالهما.
كعقاب على فعلتها، تم شنق كلوي من قبل العبيد الآخرين وأُلقي جسدها في نهر المسيسيبي. ولاحقا بدأ الحديث عن مشاهدة شبح كلوي، ومن تحدثوا عن ذلك، وصفوها بأنها امرأة ترتدي عمامة خضراء تظهر في الممرات والغرف، وغالبا ما تُرى واقفة بجوار أسِرّة الضيوف، تراقبهم أثناء نومهم، وفي عام 1992، التُقطت صورة مشهورة يُعتقد أنها تُظهر شبح كلوي بين مبنيين في المزرعة.
أشباح الأطفال كان لهم أيضا نصيب من هذه الحكايات، حيث يُعتقد أن أرواح الأطفال الذين ماتوا (ربما بنات وودروف) لا تزال تلعب في الممرات وعلى الشرفة. وقد أبلغ الزوار عن سماع ضحكات الأطفال وخطوات صغيرة تجري في المنزل، خاصةً على الدرج، كما زعم بعض الضيوف أنهم استيقظوا على يد غير مرئية تسحب أغطيتهم أو تلمس وجوههم برفق.
بالإضافة إلى ذلك، يُقال إن شبح سارة وودروف (زوجة كلارك) تسكن المنزل أيضا، وغالبا ما ترى كامرأة ترتدي ثوبا أبيض، تنزلق عبر الغرف والصالات، ويشعر الكثيرون بالحزن العميق عند رؤيتها.
هناك أيضا مرآة قديمة في المنزل، ووفقا للتقاليد الجنوبية، يجب تغطيتها بعد وفاة شخص لمنع روحه من أن تظل محاصرة بداخلها. غير أنه لم يتم تغطية هذه المرآة بعد وفاة سارة وأطفالها، لذا يُعتقد أن أرواحهم محاصرة فيها.
وقد أكد الزوار رؤية آثار أيد صغيرة مطبوعة على المرآة حتى بعد تنظيفها، وادعى البعض أنهم شاهدوا وجوها شبحية تنعكس فيها وهي تحدق بهم.
ومن الروايات الشهيرة عن هذا المكان، ما قيل عن وجود أصوات غامضة وظواهر «بولترجيست» أو النشاطات الخارقة للطبيعة، حيث الأبواب تُفتح وتُغلق من تلقاء نفسها، حتى عندما تكون مغلقة بإحكام، وخطوات ثقيلة تسمع على الدرج والممرات العلوية رغم عدم وجود أحد، بالإضافة إلى تحرك الأثاث قليلا من مكانه دون سبب واضح، وتأرجح ثريات دون أي تيار هوائي، وروائح عطور قديمة تملأ بعض الغرف بشكل مفاجئ.
فرق التحقيق في الظواهر الخارقة التي زارت المكان، قالت إنها التقطت تسجيلات لأصوات تهمس بأسماء أو جمل مثل «ساعدني» أو «لا أستطيع المغادرة». كما أفاد بعض الزوار أنهم سمعوا همسات أثناء تجولهم في الحديقة أو الممرات، وكأن هناك أشخاصا يتحدثون سرا.
في 2002 زار فريق تلفزيوني المزرعة، وأثناء تصويرهم فيلما وثائقيا، تعرض أحد المصورين لخدوش على ظهره من قبل قوة غير مرئية، كما قيل، أما السياح والنزلاء، فهناك العديد من الشهادات لأشخاص ناموا في المنزل وأبلغوا عن شعورهم بأن أحدا يجلس على أسرتهم أو يهمس بأسمائهم في الظلام، فيما يرفض بعض المرشدين والموظفين البقاء وحدهم بعد الغروب بسبب الأضواء التي تضيء وتنطفئ من تلقاء نفسها والشعور الدائم بالمراقبة.
تحولت مزرعة ميرتلز اليوم إلى بيت ضيافة (Bed & Breakfast) وهي وجهة سياحية مشهورة، سواء لقيمتها التاريخية أو لشهرتها في النشاطات الخارقة، وتقدم جولات نهارية وليلية، حيث تكون الجولات الليلية الأكثر طلبا من قِبل عشاق الغموض والخوارق، كما يزورها بانتظام محققو الظواهر الخارقة وهواة الرعب على أمل تجربة شيء لا يمكن تفسيره.