على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.
يُعد سجن ألكاتراز بالولايات المتحدة الأمريكية، واحدا من أكثر السجون شهرة في العالم، ليس فقط بسبب تاريخه المظلم ونزلائه سيئي السمعة، ولكن أيضا بسبب القصص الغامضة والظواهر الخارقة التي يزعم البعض حدوثها داخله.
اكتسب السجن شهرته أيضا لكونه استضاف بعضا من أشهر المجرمين مثل آل كابوني، جورج «ماشين غان» كيلي، وروبرت فرانكلين سترود (المعروف باسم «رجل الطيور في ألكاتراز»)، كما جرت به 14 محاولة هروب قام بها 36 سجينا، أشهرها كانت في عام 1962، عندما تمكن فرانك موريس والأخوين جون وكلارنس أنجلين من الفرار، ولكن لم يتم التأكد من بقائهم على قيد الحياة.
يقع السجن على جزيرة ألكاتراز في خليج سان فرانسيسكو، وكان يستخدم كسجن شديد الحراسة من عام 1934 حتى إغلاقه عام 1963. بعد ذلك، أصبح وجهة سياحية، حيث أفاد العديد من الزوار والموظفين بشهادات حول أحداث غريبة وغير مفسرة.
وقبل أن يصبح سجنا، كانت الجزيرة تُتجنب من قبل قبائل السكان الأصليين، الذين اعتقدوا أنها مسكونة بأرواح شريرة، ويقال إن تلك الأرواح القديمة اندمجت مع أرواح السجناء المعذبين.
فقد أبلغ العديد من الزوار عن سماع أصوات غامضة، مثل صرخات قادمة من الزنازين الفارغة، وأصوات خطوات ثقيلة تسير في الممرات دون وجود أحد، إضافةً إلى همسات غير مفهومة يشعر بها البعض وكأنها تهمس في آذانهم مباشرة.
ويقال إن بعض زوار السجن شاهدوا أشباحا ترتدي زي السجناء أو زي الحراس، تتحرك بين الزنازين والممرات. ويُعتقد أن هذه الأشباح تعود لسجناء ماتوا في السجن بسبب العنف أو محاولات الهروب الفاشلة.
وحتى قبل إغلاق السجن، أبلغ بعض الحراس عن تجارب غريبة، وتحدثوا عن أضواء تضيء وتنطفئ من تلقاء نفسها، وأبواب تغلق بعنف، ثم أشكال تظهر في الممرات أثناء دوريات الليل.
تعتبر الزنزانة 14D ، الأكثر رعبا ، ومن أكثر الأماكن المسكونة في ألكاتراز. فقد كان يتم وضع السجناء فيها في الحبس الانفرادي، وأفاد البعض بأنهم شعروا ببرودة غير طبيعية داخلها حتى في الأيام الدافئة. تحكي إحدى القصص عن سجين صرخ طوال الليل مدعيا أن مخلوقا شيطانيا كان في الزنزانة معه، وفي الصباح وجد ميتا وعلامات الخنق على رقبته، رغم عدم وجود أي دليل على تدخل بشري.
كما أبلغ حراس، زوار، وعاملون عن سماع صرخات ألم، أنين، وبكاء قادم من الزنازين الفارغة. وتسمع هذه الأصوات خاصة أثناء الزيارات الليلية حيث يزعم بعض الشهود أن هذه الأصوات تبدو وكأن السجناء ما زالوا يتعرضون للتعذيب. بعض الزوار قالوا أيضا إنهم سمعوا أصوات موسيقى قديمة، مثل عزف على البيانو أو الكمان، قادمة من قاعة الطعام أو الزنازين. يعتقد البعض أن هذه الأصوات مرتبطة بالسجين آل كابوني، زعيم العصابات الشهير الذي قضى سنوات في ألكاتراز وكان يعزف الكمان في فرقة السجن.
زوار آخرون تحدثوا عن رؤية ظلال تتحرك في الممرات والزنازين، خصوصا في بلوك C والزنزانة التأديبية. وهناك تقارير عن ظهور رجل يرتدي زي سجين، يظهر ثم يختفي فجأة، وقال آخرون إنهم رأوا ظل حارس يقف في أبراج المراقبة، رغم عدم وجود أفراد أمن حقيقيين.
يعد قسم المستشفى، حيث مات العديد من السجناء بسبب المرض أو العنف، أيضا بؤرة للنشاطات «الخارقة»، وقد أبلغ الشهود عن رؤية أشكال شفافة تتحرك بين الأسرة، وسمعت أصوات خطوات، همسات، وأصوات سقوط أشياء معدنية.
في بعض المناطق، أبلغ الزوار عن شعورهم ببرودة مفاجئة أو مرور تيارات هوائية باردة، على الرغم من عدم وجود أي سبب منطقي لذلك. كما أبلغ آخرون عن رؤية أضواء غامضة أو ظلال سوداء تتحرك بسرعة عبر الممرات.
في عام 1962، وبعد أن قام فرانك موريس والأخوين أنجلين بتنفيذ أشهر عملية هروب من ألكاتراز، وبينما جرى الاعتقاد أنهم نجوا ويعيشون في الخفاء، يروج أيضا أنهم لم يتمكنوا من النجاة، وأن أرواحهم لا تزال تجوب السجن،، حيث أبلغ الزوار والحراس عن رؤية ثلاثة أشخاص مبللين يتجولون قرب الزنازين التي كانوا يقيمون فيها.
على الرغم من أن بعض الباحثين يحاولون تفسير هذه الظواهر على أنها مجرد إيحاءات نفسية بسبب التاريخ العنيف للسجن، إلا أن شهادات الزوار والموظفين تستمر في جعل ألكاتراز أحد أكثر الأماكن الغامضة في العالم.
ونظرا لتاريخه الغامض ومحاولات الهروب الشهيرة التي وقعت فيه، كان سجن ألكاتراز مصدر إلهام للعديد من الأفلام والروايات، تراوحت بين الدراما والسيرة الذاتية والإثارة وحتى الرعب، حيث استلهم منها كتاب السيناريو والروائيون العديد من القصص المشوقة.
ومن الأفلام المستوحاة من السجن، نجد فيلم « الهروب من ألكاتراز» سنة 1979، بطولة كلينت إيستوود وإخراج دون سيغل، فيلم « الصخرة»1996 بطولة شون كونري، نيكولاس كيج، إد هاريس إخراج مايكل بيا ، فيلم «ألكاتراز» 2018، بطولة غاريك وايد، ديريك نيلسون إخراج أندرو جونز، بالإضافة إلى روايات وكتب وأفلام وثائقية عديدة.