على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.
يقع دير مونتسيرات في إسبانيا، وهو واحد من أشهر الأديرة فيها ، ويوجد على بعد حوالي 45 كيلومترا شمال غرب مدينة برشلونة، في منطقة كاتالونيا.
يُعتبر دير مونتسيرات وجهة دينية وسياحية مهمة، ويتميز بموقعه الفريد وسط جبال مونتسيرات ذات التكوينات الصخرية الغريبة، لكن أهميته بالخصوص تعود إلى ارتباطه بالظواهر الغريبة، وبالقصص العديدة حول مشاهدة الأجسام الطائرة المجهولة (الأطباق الطائرة) في محيطه.
بالإضافة إلى مشاهدات الأطباق الطائرة، ارتبط مونتسيرات بالعديد من الأساطير والقصص عبر القرون، بما في ذلك حكايات عن النازيين الذين كانوا يبحثون عن الكأس المقدسة، وغيرها من الروايات التي تضفي على المكان هالة من الغموض.
ومن بين الأساطير والقصص البارزة حول دير مونتسيرات ومحيطه، أسطورة عذراء مونتسيرات (لا مورينيتا) وتعد هذه القصة الأكثر شهرة، فوفقا للتقليد، حوالي عام 880، شاهد بعض الرعاة أضواء غامضة وسمعوا ترانيم سماوية في الجبل. عند اقترابهم من مصدر الأضواء، وجدوا تمثالا لمريم العذراء، المعروف حاليا بـ»لا مورينيتا» بسبب لون بشرتها الداكن، وقد حاولوا نقلها إلى مانريسا، لكنها أصبحت ثقيلة جدا، مما فُسر ك»إشارة إلهية» بضرورة بقاء العذراء في مونتسيرات، وهكذا نشأ المزار، وساهمت هذه القصة في تعزيز مكانة مونتسيرات كموقع خارق ومميز.
هناك أيضا ساحة الأطباق الطائرة، فمنذ عام 1977، في اليوم الحادي عشر من كل شهر، يجتمع في مونتسيرات مجموعات من الأشخاص المهتمين بروايات مشاهدة الأطباق الطائرة. أحد أبرز مروجي هذه اللقاءات هو لويس خوسي غريفول، الذي يزعم أنه تواصل تخاطريا مع كائنات فضائية، كما أن العديد من الحاضرين يدعون رؤية أضواء غريبة، أجسام طائرة غير معروفة، وظواهر ضوئية غير مفسرة في المنطقة.
أما البوابة البُعدية أو المدخل إلى العوالم الموازية، فيعتقد البعض أن مونتسيرات هو مكان ذو طاقة عالية حيث فتح «بوابات بُعدية» إلى عوالم أخرى، وهناك من يدعي شعورهم بتغيرات في إدراك الوقت والمكان، أو رؤية أشكال ضوئية تظهر وتختفي.
كما تشير الشائعات إلى أن النازيين، بقيادة هاينريش هيملر، زاروا مونتسيرات خلال الحرب العالمية الثانية بحثا عن الكأس المقدسة. كان هيملر يعتقد أن الجبل قد يخفي الكأس المقدسة، وأن امتلاكه سيمنحهم قوة إلهية. والحقيقة فإنه لا توجد أدلة على أنهم وجدوا شيئا، لكن هذه القصة عززت الغموض المحيط بالمكان.
كما أفاد بعض المتنزهين برؤية شخصية راهب يرتدي رداء بنيا يتجول في مسارات الجبل، خاصة عند الفجر أو الغسق، وعند محاولة الاقتراب، تختفي الشخصية فجأة.
وعلى مر القرون، تم الإبلاغ عن ظهور أضواء عائمة فوق مونتسيرات، وقد ُوصفت بأنها «فوانيس» تطفو في الهواء وتتحرك بذكاء. بينما يعتقد البعض أنها ظواهر طبيعية مثل الغازات، يؤكد آخرون أنها إشارات لوجود كائنات خارقة أو فضائية.
يُعتقد أيضا أن الجبال والدير يقعان فوق نقاط طاقة (Ley Lines)، وهي خطوط يُقال إنها تربط بين أماكن ذات طاقة روحية عالية حول العالم. وقال بعض الزوار إنهم يشعرون بوجود «قوة روحية» عند زيارة الدير، خصوصا عند الاقتراب من تمثال السيدة السمراء.
هناك أيضا روايات عن أشخاص زعموا أنهم رأوا كائنات غريبة أو أشباحا في محيط الجبال، كما تداول البعض قصصا عن زوار فقدوا طريقهم داخل الجبال، وبعضهم قيل إنه اختفى لفترة قبل أن يظهر فجأة دون تفسير واضح.
البعض الآخر أفاد بسماع أصوات غامضة تشبه التراتيل أو الطنين في أماكن معينة بالجبال، دون أن يكون هناك مصدر معروف لهذه الأصوات.
ويربط بعض الباحثين الموقع بمفهوم «أغارثا « أو عالم ما تحت الأرض، بسبب تكوينات الجبال، حيث يرى المؤمنون بنظرية الأرض المجوفة أن مونتسيرات قد يكون مدخلا لعالم آخر.
الدير نفسه يتمتع بجو مهيب، خاصة في المساء، حيث تحيط به الضباب والظلال المنعكسة من الصخور العملاقة، ما يضفي إحساسا بالغموض.
هذه القصص، إلى جانب روعة المناظر الطبيعية والأهمية الدينية للدير، جعلت من مونتسيرات مكانا فريدا حيث تمتزج الروحانية بالغموض.