لغز الظواهر الخارقة: بين التصديق والتشكيك -04- فندق ستانلي : الولايات المتحدة

على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.

يعتبر فندق ستانلي الواقع في إستيس بارك، بولاية كولورادو الأمريكية، واحدا من أشهر الفنادق «المسكونة»، وقد كان مصدر الإلهام لـ ستيفن كينغ في روايته الشهيرة «البريق» (The Shining) .
افتُتح الفندق عام 1909 على يد فريلان أوسكار ستانلي، رجل الأعمال الذي كان يبحث عن مكان صحي للتعافي من مرض السل. مع مرور الوقت، أصبح الفندق وجهة فاخرة، لكن بعد وفاة ستانلي عام 1940، بدأت تنتشر قصص عن أحداث غامضة وظواهر غير طبيعية، حيث أبلغ العديد من الضيوف عن أحداث غير طبيعية، مثل ظهور أشباح وسماع أصوات غامضة.
ومن بين الظواهر الخارقة التي أُبلغ عنها، ظهور فريلان ستانلي وزوجته فلورا، حيث يُقال إن روح المؤسس لا تزال تتجول في أروقة الفندق. وكانت زوجة ستانلي قيد حياتها،عازفة بيانو، ويقال إنها لا تزال تعزف في صالة الموسيقى، حيث سمع بعض الضيوف أنغاما غامضة تصدر من البيانو رغم عدم وجود أحد.
في الفندق توجد أيضا الغرفة 217، التي يقال إنها الأكثر رعبًا في الفندق، وهي نفس الغرفة التي أقام فيها ستيفن كينغ عام 1974، حيث راوده كابوس مخيف ألهمه بكتابة رواية «البريق».
ومن بين الحوادث التي انتشرت عن الفندق في الماضي، تعرض موظفة تدعى إليزابيث ويلسون لحادث بسبب تسرب الغاز في هذه الغرفة، ويعتقد البعض أن روحها ما زالت تسكنها. وقد أبلغ النزلاء عن أضواء تشتعل وتنطفئ من تلقاء نفسها، وأشياء تتحرك دون تفسير، وأبواب تُفتح لوحدها.
في الطابق الرابع، أبلغ الضيوف عن سماع ضحكات وخطوات أطفال، لكن عندما يخرجون لتفقد الأمر، لا يجدون أحدا، ويُقال إن هذا الطابق كان مخصصا لأطفال العائلات الثرية عندما كان الفندق في أوج شهرته.
كما التقط العديد من الزوار صورا ومقاطع فيديو تظهر فيها أشكال غامضة تتحرك في الممرات أو تطل من النوافذ.ويشاع أن أحد الموظفين القدامى للفندق لا يزال يتجول في السلالم والممرات، رغم وفاته منذ زمن بعيد.
ذاعت شهرة الفندق بسبب رواية ستيفن كينغ أيضا، والفيلم المأخوذ عنها، ورغم أن فيلم «البريق» الذي أخرجه ستانلي كوبريك لم يتم تصويره داخل الفندق، إلا أنه، كما سبقت الإشارة، كان الإلهام الأصلي لستيفن كينغ عند كتابة الرواية.
يروي الفيلم قصة الكاتب ومدمن الكحول المتعافي جاك تورانس، الذي يقبل وظيفة حارس لفندق أوفرلوك (Overlook Hotel) خلال فصل الشتاء، حيث يصبح الفندق معزولا عن العالم بسبب الثلوج. ينتقل جاك مع زوجته ويندي وابنهما الصغير داني، الذي يملك قدرة خارقة تُعرف باسم «البريق» (The Shining) تمكنه من رؤية الأشباح والأحداث المستقبلية والماضي المظلم للفندق، ومع مرور الوقت، يبدأ جاك بفقدان عقله نتيجة العزلة وتأثير القوى الشريرة التي تسكن الفندق، مما يدفعه إلى الجنون ومحاولة قتل عائلته.
ويعتبر « البريق» من أعظم أفلام الرعب في التاريخ، بسبب أسلوب كوبريك البصري، والتمثيل القوي، والاستخدام الذكي للصوت والموسيقى. فرغم أن الفيلم لم يحقق نجاحا كبيرا عند عرضه لأول مرة، إلا أنه لاحقا أصبح فيلما كلاسيكيا في عالم الرعب.
وهناك شائعات تقول إن الفيلم نفسه يحمل لعنة، حيث عانى طاقم العمل من ظروف صعبة، مثل شيلي دوفال، التي تعرضت لانهيار نفسي بسبب تعامل كوبريك القاسي معها أثناء التصوير، وجاك نيكلسون، الذي اضطر إلى تناول طعام غير صحي ليبدو أكثر توترا واضطرابا، كما أن بعض المشاهد تم تصويرها 127 مرة، ما جعل التصوير مرهقا للغاية.
بالإضافة إلى الفيلم، ظهر الفندق في العديد من البرامج التلفزيونية الخاصة بالظواهر الخارقة، مثل Ghost Hunters و Most Haunted.
وربما لهذه الشهرة، يوفر الفندق جولات ليلية لمحبي الرعب، حيث يمكن للزوار استكشاف أكثر الأماكن رعبا ومحاولة رصد الظواهر الغامضة بأنفسهم، كما يعتبر وجهة أساسية لعشاق الرعب والظواهر الخارقة.


الكاتب : n عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 05/03/2025