لغز الظواهر الخارقة: بين التصديق والتشكيك 06 -مزرعة جورادو : إسبانيا

على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.

 

تعتبر مزرعة جورادو، المعروفة أيضا باسم «البيت المسكون في مالقة»، من أشهر الأماكن في إسبانيا بسبب أساطيره المتعلقة بالظواهر الخارقة للطبيعة، وظهرفي العديد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية عن الظواهر الغريبة.
يقع «البيت المسكون في مالقة»، في منطقة كامبانيّاس بالقرب من مالقة، وكان مركزا للعديد من التحقيقات من قبل مجموعات صيادي الأشباح وهواة الغموض.
بُني البيت في منتصف القرن التاسع عشر من قبل عائلة «هيريديا»، وهي من أغنى وأهم العائلات في مالقة آنذاك، والتي كانت تعمل في الصناعة والتجارة، ولاحقا انتقلت ملكيته لعدة جهات، وانتهى به الحال مهجورا لعقود، مما ساهم في تدهور حالته وزيادة هالته الغامضة، كما أن أسلوبه المعماري القوطي الحديث ومظهره الكئيب عززا سمعته كمكان مشؤوم.
وانتشرت حول أساطير وشائعات مظلمة، منها، اختفاء وقتل الفتيات، والأسطورة الأكثر شهرة تروي أنه في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، اختفت عدة فتيات من عائلات فقيرة في المنطقة، و يُقال إنهن نُقلن إلى مزرعة جورادو، حيث تعرضن للتعذيب والقتل في طقوس شيطانية. وعلى الرغم من عدم وجود سجلات رسمية تؤكد هذه الحوادث، إلا أن هذه الشائعات بقيت حية في الموروث الشعبي.
هناك أيضا الأنفاق السرية، حيث يُعتقد أن مزرعة جورادو متصلة بأنفاق سرية تؤدي إلى مزرعة مجاورة تُدعى مزرعة كولميناريس، ويُقال إن تلك الأنفاق كانت تُستخدم لنقل الفتيات المختطفات بعيدا عن الأنظار كما أن بعض المستكشفين ذكروا أنهم شاهدوا مداخل مغلقة أو شعروا بتيارات هوائية تأتي من تحت الأرض، ما يعزز فكرة وجود الأنفاق.
ومن بين الظواهر الخارقة المبلغ عنها، ظهور أشباح وظلال، فقد أكد كثيرون رؤيتهم لظلال سوداء تتحرك عبر النوافذ أو حول المبنى.ووصف بعض الشهود أشكالا لنساء شابات يرتدين ملابس قديمة، بينما تحدث آخرون عن كائنات تتسلل بسرعة عبر الممرات.
البعض الآخر تحدث عن تسجيلات صوتية (السيكوفونيات) وأصوات همسات، وقال باحثون في مجال الظواهر الخارقة إنهم التقطوا تسجيلات لأصوات تستغيث أو تصرخ من الألم، كما سُجلت عبارات مثل «لا أستطيع الخروج»! و»ساعدني…»، مما يعزز الإشاعات حول ضحايا المزرعة.
من جهة أخرى، أفاد زوار بسماع أصوات طرق قوية على الجدران، وكأنها صادرة من داخل المبنى أو من تحت الأرض، كما سُمع صوت سلاسل تُجر وأبواب تُغلق بعنف رغم عدم وجود ريح، وعند دخول بعض الغرف، يشعر الزوار ببرودة مفاجئة، حتى في فصل الصيف، وآخرون يشعرون بضيق في التنفس أو إحساس بأنهم مراقبون من زوايا الغرف.
ومن أبرز التجارب المتعلقة بهذا المكان، دخول مجموعة من الشباب سنة 2003 إلى المبنى حيث ادعوا أنهم رأوا شبح امرأة تقترب منهم طافية في الهواء، فهربوا مرعوبين، وأكد أحدهم أنه شعر بيد باردة تمسك بكتفه.
وأثناء تحقيق ليلي سنة 2005، التقطت كاميرات لباحثين في الظواهر الخارقة ظلالا تتحرك في الممرات، و ذكروا أنهم سجلوا أصواتا لم يسمعوها في حينها، لكنهم اكتشفوها لاحقا أثناء مراجعة التسجيلات.
وفي سنة 2010، قال مستكشف محلي إنه أثناء التقاطه صورا، تعطلت كاميرته بشكل مفاجئ، وعند مراجعة الصور، ظهرت ملامح وجه مشوشة في إحدى النوافذ.، حسب قوله.
ورغم أن هناك مشاريع لتحويل المزرعة إلى فندق، إلا أن الأعمال توقفت عدة مرات لأسباب مالية، وأيضا، حسب بعض العمال، بسبب حوادث غريبة أثناء الترميم.
حاليا، يُعتبر الموقع مقصدا للمستكشفين وهواة الغموض، رغم أن الدخول إليه محظور بسبب خطر الانهيار.

 


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 07/03/2025