لغز الظواهر الخارقة: بين التصديق والتشكيك 08- فندق سيسيل : الولايات المتحدة

على مر العصور، أثارت الظواهر الخارقة للطبيعة اهتمام البشر، متجاوزة الحدود الثقافية والاجتماعية والزمنية. فمن الغموض الذي يحيط بالأشباح والأرواح إلى التجارب القريبة من الموت، تثير هذه الظواهر مزيجا من الخوف، الفضول، والانبهار. يعود انتشار هذه المعتقدات إلى عوامل متعددة، أبرزها الحاجة الإنسانية لفهم المجهول، تفسير الظواهر الغامضة، والبحث عن إجابات للأسئلة العميقة حول الحياة، الموت، وما بعدهما.
ساهمت الروايات الشفهية، الحكايات الشعبية، والتجارب الشخصية في تثبيت هذه المعتقدات عبر العصور، كما يظهر في وفرة القصص حول الأشباح، الساحرات، الوحوش، والقوى الخارقة التي تناقلتها الأجيال.
كان للظواهر الخارقة للطبيعة تأثير كبير على السينما والفنون، إذ وجد فيها الكتاب وصناع الأفلام كنزا لا ينضب، وساهمت أفلام الرعب، القصص المثيرة، والتعبيرات الفنية في تشكيل التصورات العامة حول ما هو خارق للطبيعة، حيث امتزج الخوف بالجاذبية، مما خلق فضاء أصبح فيه الخيال انعكاسا للمخاوف والعواطف البشرية.
نستعرض في هذه الحلقات عددا من الأماكن في العالم التي اشتهرت بقصص الرعب، وتداول الناس حكاياتها ما بين مصدق ومشكك، حيث شكلت، بشكل أو بآخر، المخيال الجماعي عبر عدة أجيال. فمن القصور المهجورة إلى المستشفيات المسكونة، ومن القرى الغامضة إلى الفنادق التي تحيط بها الأساطير، سنخوض رحلة عبر هذه المواقع التي ظلت
محورا للجدل والخوف والدهشة.

 

افتُتح فندق سيسيل عام 1924 في وسط مدينة لوس أنجلوس، كان يُفترض أن يكون الفندق مكانا فاخرا للمسافرين ورجال الأعمال، إلا أن ظروفه تغيرت بسرعة خلال فترة الكساد الكبير، مما أدى إلى تدهور المنطقة المحيطة به. في السنوات اللاحقة، ارتبط الفندق بأنشطة غير قانونية وحوادث مروعة، ليصبح من أكثر الفنادق شهرة بسبب تاريخه المليء بالأحداث المأساوية والظواهر الغريبة.
ويعود السبب وراء هذه الشهرة، كون الفندق شهد منذ الثلاثينيات حالات انتحار ووفيات غامضة، وسجلت به أحداث أخرى مأساوية ونشاطات خارقة، فمنذ افتتاحه، شهد الفندق ما لا يقل عن 16 حالة انتحار، ما أكسبه ألقابا مثل «فندق الانتحار» بالإضافة إلى حالات وفيات غامضة، مثل السقوط من نوافذ الغرف، وجرائم القتل التي لم تُحل، مما عزز سمعته المروعة، وساهمت هذه المآسي في شهرته كمكان «ملعون».
ومن بين هذه الحالات، جريمة قتل «بيجون جولدي أوسغود»، وذلك في عام 1964، حيث وجدت المقيمة القديمة مقتولة في غرفتها، وهي جريمة لم تحل بعد.
وفي الثمانينيات، أقام به ريتشارد راميريز، وهو قاتل متسلسل، المعروف باسم «المطارد الليلي». كان راميريز يقيم في الفندق أثناء ارتكابه سلسلة من جرائم القتل في لوس أنجلوس، ويُقال إنه كان يعود إلى الفندق مغطى بالدماء بعد جرائمه، مستخدما المداخل الخلفية لتجنب الانتباه
وفي عام 1991، أقام القاتل المتسلسل النمساوي جاك أونترويجر هناك خلال موجة جرائمه، حيث استأجر غرفة في الفندق أثناء تنفيذه جرائم قتل ثلاث عاهرات في لوس أنجلوس، بأسلوب مشابه لجرائمه السابقة في أوروبا.
ومن أشهر الحوادث المتعلقة بالفندق، قضية «إليسا لام»، فقد اختفت، وهي طالبة كندية، في يناير 2013 أثناء إقامتها في فندق سيسيل. بعد أسابيع، تم العثور على جثتها في أحد خزانات المياه بالفندق، بعد شكاوى من النزلاء بشأن طعم الماء وضعف ضغطه.
وقبل اختفائها، انتشر مقطع فيديو للمصعد يُظهر إليسا تتصرف بشكل غريب، مما أثار العديد من النظريات والتكهنات. وقد حدد تقرير الطب الشرعي أن سبب الوفاة هو الغرق العرضي، مع الإشارة إلى أن اضطرابها ثنائي القطب كان عاملا مساهماً.
كما أبلغ النزلاء والعاملون عن ظهور أشباح، وأصوات غامضة، وشعور بأنهم مراقبون. هذه التجارب كانت موضوع تحقيقات في الظواهر الخارقة، من بينها وثائقي «صائدو الأشباح: فندق سيسيل»، حيث تم تسجيل ظواهر مزعومة أثناء التصوير.
وعلى مدار السنوات، أبلغ النزلاء والموظفون عن عدة تجارب غير مفسرة في فندق سيسيل، من بينها ظهور أشباح، حيث تحدثت بعض الشهادات عن مشاهدة أشكال شبحية في ممرات وغرف الفندق، خاصة في الطوابق العليا.
وهناك شهادات أخرى تحدثت عن سماع أصوات غامضة، وخطوات وهمسات، وطرق على أبواب غرف فارغة.
كما وصف بعض الزوار شعورا دائما كان ينتابهم ويتعلق بأنهم مراقَبون، حتى عندما يكونون بمفردهم.
هذه الروايات كانت موضع اهتمام فرق البحث في الظواهر الخارقة، وساهمت في شهرة فندق سيسيل كواحد من أكثر الأماكن المسكونة بالأشباح في لوس أنجلوس.
وعلى الرغم من تاريخه المظلم، أغلق الفندق مؤقتا في 2017 لإجراء عمليات تجديد، وأعيد افتتاحه جزئيا كمأوى للمشردين في 2021. ويهدف المشروع إلى توفير بيئة آمنة وداعمة للأشخاص الذين كانوا بلا مأوى، مع الحفاظ على جزء من الفندق كمسكن طويل الأمد.
أصبح الفندق رمزا في الثقافة الشعبية، وظهر في عدة أعمال فنية ووثائقية، من بينها مسلسل وثائقي على نتفليكس بعنوان «جرائم في الفندق: اختفاء إليسا لام». كما استُلهمت قصة الموسم الخامس من مسلسل «أمريكان هورور ستوري» من وقائع الفندق.
ويظل فندق سيسيل إلى الآن، مثالا على تقاطع التاريخ الإنساني المأساوي مع الحكايات الغامضة، مما جعله واحدا من أشهر الأماكن في لوس أنجلوس وأكثرها إثارة للجدل.

 

 

 


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 10/03/2025