معلوم أن تاكناويت قديما لم يكن يمارسها إلا ذوو البشرة السوداء، ولكي تنال لقب «معلم» وتجلس على حنبل المشيخة، كان من الشروط أن تنتمي إلى الطائفة الكناوية ذات الأصول الإفريقية.
بطبيعة الحال، في تلك الفترة المتشددة من هذا العالم، عالم تاكناويت، ظهرت بعض الفلتات الثائرة على تلك الأعراف. ولعل أول قائد لهذا التمرد، والذي برز بشكل قوي وجعل كناوة يعترفون بمشيخته رغم صغر سنه ولونه غير الأسمر، يبقى هو المعلم عبد الرحمان باكا.
كان هناك معلمون آخرون، لكنهم قلة ولم تتح لهم فرص الظهور، من بينهم المعلم اشباظة، الذي شكل مدرسة للشباب المولع بآلة الكنبري، لكنه لا يستطيع إليها سبيلاً.
من بين هؤلاء، المعلم فياط، كان شابا شديد البياض، حتى إنك إذا رأيته دون أن يتكلم، تعتقد أنه من أصول أوروبية. عشق السنتير وطقوس كناوة التي كان يجيدها كأي كناوي، يعزف كل الإيقاعات.
اندماجه في هذا العالم، ولولعه وصنعته في هذا اللون الفني، قربه من المعلم محمود كينيا، وجعل له مكانا في فرقته. أصبح يشارك معه في ليالي الحضرة وحتى بعض السهرات.
المعلم فياط في تلك السنوات كان يشتغل في البلدية، وبما أنه كان لصيقا بكناوة، فقد استنفد كل أيام عطلته المسموح له بها خلال السنة. وصادف أن تمت دعوة فرقة محمود إلى الديار الألمانية لإحياء بعض السهرات، لكن فياط كان قد استنزف كل الأيام المتاحة له كعطلة ليرافق محمود إلى ألمانيا. الأخير بادر إلى أخذه عند باشا المدينة كي يسمح له بأيام إضافية للسفر معهم.
دخل كينيا أمام المسؤول، وبعد الترحيب وتبادل المجاملات، شرح محمود للباشا ظروف الحاج فياط. فنظر إليه الأخير وتمعن في سحنته كثيرا، ثم قال له:
«أنا اللي كنعرف هو أن كناوة سمرين، كيفاش أنت باغي تقنعني بأنك كناوي؟»
فرد عليه المعلم فياط بصوت متحشرج:
«راه واخا شفتيني بليّق، راه القلب كحل، نعم اس…»
ترك الباشا مكرشخا بالضحك… وخرج فياط بعد أن نال عطلة إضافية.؟