لا تزال قطارات السكك الحديدية الرابطة بين الجديدة و الدار البيضاء وفية لعادتها في ابتلاع الدقائق تلو الأخرى من وقت الركاب الثمين، غير مبالية بما تسببه لهم من مشاكل ومن تعطيل لمصالحهم التي يبدو أن لا وزن لها في نظر القائمين على وسيلة النقل هاته، التي أصبحت تستقطب العشرات بل المئات من الركاب يوميا، والذين يتكون أغلبهم من طلبة يتابعون دراستهم بالدار البيضاء أو موظفين وعمال ارتأوا أن يتخذوا من القطار وسيلة يومية تنقلهم إلى مقرات عملهم فيما درج الجميع على تسميته « la navette « ، وهي وسيلة تجنبهم السكن في المدينة المليونية مع ما يترتب عن ذلك من مصاريف زائدة وتكاليف مرتفعة.
الذهاب صباحا والرجوع مساء إلى الجديدة وقبلها إلى أزمور وباقي المحطات التي تفصل بين المدينتين لا يمر في كثير من الأحيان مرورا سلسا ويسيرا، كما يتطلع إليه المسافرون، بل درجت العادة أن يقتطع وقت ضائع يوميا من زمنهم يتراوح بين دقيقة وخمس دقائق وقد يصل أحيانا إلى خمس عشرة دقيقة وعشرين دقيقة أو ثلاثين خصوصا في رحلة الإياب أو قد تلغى رحلة كاملة دون تفسير وفي استهتار تام بمصالح الركاب ومشاغلهم( وهو ما حدث منذ أسابيع قليلة في رحلة السابعة والنصف القادمة من الجديدة التي ألغيت دون أدنى تفسير ).
الحديث عن الوقت الضائع للركاب لن ينسينا الإشارة إلى ما تعانيه القطارات نفسها من تدهور واضح في بنيتها وجودة خدماتها. فالعربات باتت متهالكة، بنوافذ وأبواب لا تُغلق بإحكام أو لا تفتح بالمرة، مما يجعل تجربة السفر غير مريحة ومزعجة للركاب ناهيك عن تكرار أعطال التكييف، حيث يجد المسافرون أنفسهم في الصيف تحت رحمة الحرارة الشديدة، وفي الشتاء يعانون من برودة الأجواء داخل العربات.
ولا يقتصر الأمر على البنية المادية للقطارات، بل يتعداه إلى غياب الصيانة الدورية، وضعف النظافة داخل العربات، التي غالبا ما تنبعث داخلها روائح كريهة ناتجة عن انعدام المرافق الصحية الملائمة. هذه العوامل جميعها تزيد من معاناة الركاب وتثير تساؤلات مشروعة حول مدى التزام المكتب الوطني للسكك الحديدية بمعايير الجودة المطلوبة لخدمة باتت أساسية لشريحة كبيرة من المغاربة.
فما الجدوى من تقديم خدمات يومية في ظل تجاهل صيانة الأسطول وتطويره؟ ألا يحق للمسافرين أن يطالبوا بقطارات مريحة وآمنة تراعي كرامتهم وتسهم في جعل تنقلهم اليومي تجربة حضارية؟
التساؤل المطروح الذي يلح على جميع مستعملي هذا الخط: لماذا تتكرر التأخيرات ولماذا لا يحترم المسؤولون عن هذه القطارات التوقيت المعلن عنه والمكتوب في تذكرة السفر ولماذا هذا الاستهتار بوقت المسافرين ؟
أسئلة حملناها إلى القائمين عن تسيير هذا الخط فكانت إجاباتهم غير واضحة وغير متجانسة، أحدهم قال إن التأخير ناتج عن أن قطار الجديدة القادم من محطة الدار البيضاء الميناء عليه أن ينتظر ذلك القادم من اتجاه آخر أو مدينة كفاس مثلا، وهذا الانتظار قد يطول أو يقصر حسب انطلاقة القطار المعني !؟ وذهب آخر إلى وجود أعطاب في السكة الحديدية نفسها أو أعطاب في القطارات ( في كثير من الأحيان يقف القطار دون سابق إنذار لعطب مفاجئ يصيبه، ومؤخرا في غشت الماضي، توقف فوق قنطرة مع ما يعنيه ذلك من مخاطر كبيرة مع العلم أنه من الناحية التقنية يمنع عن القطار التوقف فوق قنطرة أو جسر بسبب وزن العربات والقاطرات الذي يؤدي إلى ضغط شديد على هيكل القنطرة مما يتسبب في تشكيل شقوق غير مرئية في البداية لكنها مع الوقت وبفعل الزمن والتقلبات المناخية تزداد حجما وخطورة ) …
وفي انتظار أن يتم حل مشكل تأخر قطارات الجديدة/ الدار البيضاء، عن مواعيدها، سيواصل المسافرون المستعملون لهذا الخط بحثهم المضني عن زمنهم الضائع فوق أرصفة المحطات الباردة وتحت أنظار مسؤولين صامتين صمت القبور!
لماذا تستمر قطارات الجديدة -الدار البيضاء في ابتلاع وقت الركاب ؟
الكاتب : خديجة مشتري
بتاريخ : 08/01/2025