«كمنطقة من العالم، قد لا تكون إفريقيا مهتمة بحرب أوكرانيا، لكن الحرب مهتمة بإفريقيا».. بهذه الجملة ابتدأ «بيتر فابريسيوس» مقالته «التحليلية» بخصوص الوضع الحالي لفرقة «فاغنر» (ممثلة روسيا الأمنية في إفريقيا) في القارة السمراء، وما قد ينتهي إليه في نهاية المطاف هذا التموقع في القارة.
بينما يحتفل العالم بالذكرى السنوية «الأولى» ل»غزو روسيا لأوكرانيا» (في 24 فبراير)، وحتى الآن، أثار «العدوان الروسي» ردودا «معاكسة» في جميع أنحاء القارة، كما يتضح من «التصويت الملتبس» على العديد من القرارات في «الجمعية العامة للأمم المتحدة»، بما في ذلك قرار «وضع حد فوري للحرب» في أوكرانيا. ولكن، لم تكن هناك أي محاولة للتوصل إلى «موقف مشترك» واضح في «القمة العادية للاتحاد الإفريقي» في «أديس أبابا» نهاية الأسبوع الماضي، حيث ذكر بعض المشاركين في القمة «أن الموضوع بالكاد تم طرحه»، باستثناء «مناقشة موجزة» حول «تأثيرها على انعدام الأمن الغذائي الإفريقي».
ربما اعتبر «القادة» الأفارقة أن القرار النهائي سيكون «مثيرا للانقسام للغاية» بين أعضاء ودول القارة، أو ربما كان «تجنب» الموضوع يعبر عن «الموقف السائد» ب»عدم الانحياز» في ما أصبحت الأجواء أشبه ب»الحرب الباردة الجديدة»، أو كما لاحظ «ليون تروتسكي» بشكل «ينذر» بالسوء: «قد لا تكون مهتما بالحرب، لكن الحرب مهتمة بك».. وبصرف النظر عن فرضيات تأثيرات الحرب التي ستصل إلى إفريقيا حد «خلق نقص في الغذاء» فيها، قد تؤثر «الحرب» على إفريقيا ب»طرق أقل وضوحا» يمكن «أن تقوض طموحات الاتحاد الإفريقي في تحقيق جهوده لبناء حكومات مستقرة وديمقراطيات قوية، وتحقيق مبادرة «إسكات البنادق» على الصعيد الإفريقي».
كان أحد «الموضوعات» التي تناولتها القمة «صراحة» هو «عودة الانقلابات العسكرية في إفريقيا». في وقت سابق، تم «تعليق» عضوية 4 دول أعضاء في «الاتحاد الإفريقي»، وهي : «مالي» – «بوركينا فاسو» – «غينيا» – «السودان» بسبب «التغييرات غير الدستورية لحكومة كل بلد، وتحديدا «الانقلابات العسكرية»، كما أصر القادة في نهاية الاجتماع على أنهم «لا يتسامحون مطلقا» مع عمليات الاستحواذ هذه، وسيحافظون على تعليق عضوية الدول الأربع حتى تغير مواقفها.
*غياب الموقف الإفريقي المشترك بشأن حرب أوكرانيا
قال «بانكول أديوي» مفوض الاتحاد الإفريقي ل»الشؤون السياسية والسلام والأمن» في (مؤتمر صحفي) إن : «مفوضية الاتحاد الإفريقي «مستعدة لدعم (هذه) الدول الأعضاء للعودة إلى «النظام الدستوري».. الفكرة تكمن في أن «الديمقراطية يجب أن تتجذر ويجب تعزيزها وحمايتها على المستوى الإفريقي».
لا يزال فشل «الاتحاد الإفريقي» و»الجماعات الاقتصادية الإقليمية» في إفريقيا و»المجتمع الدولي» في حل هذه المسألة لغزا قائما بذاته. إن التصدي ل»موجة الانقلابات» «سيتطلب توازنا دقيقا بين العقوبات والتدابير الرامية إلى تعزيز الهياكل السياسية وهياكل الحكم»، لا سيما في البلدان التي تمر ب»مراحل انتقالية سياسية، كما لا يقل عن ذلك أهمية «السياق الأمني» لكل بلد، خاصة عندما يكون «الوجود الأمني الأجنبي عاملا يؤدي إلى عدم الاستقرار، حيث يبدو هذا مرجحا، على سبيل المثال، في حالة «مالي» حيث جند «المجلس العسكري» الذي استولى على السلطة خدمات شركة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة، والتي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها «وكيل الكرملين» في كل موطئ قدم لها».
من المؤكد أن كلا من «فاغنر» و «روسيا» قد «هرعتا» بشكل عام إلى «مالي» بعد أن «طرد» المجلس العسكري فرنسا جراء تدهور العلاقات بين البلدين، وما أعقبه من انتقادات فرنسية للانقلاب. ليس لدى روسيا مثل هذا الدافع بشأن الديمقراطية ويبدو أنها «تستغل الفراغ الناجم عن خروج فرنسا لإحباط النفوذ الغربي في إفريقيا»، نفس الأمر تفعله قوات «فاغنر» أيضا، من استغلال الفرص «الأمنية» الأخرى التي تنشأ في القارة، وما يتعلق بها مثل تأمين «الموارد الطبيعية»، والتي تقول «الولايات المتحدة» إنها «تكتيك روسي لتمويل حربها في أوكرانيا وأماكن أخرى»، في الحين الذي يفصل فيه «تقرير جديد ل»المبادرة العالمية» عمليات فاغنر في إفريقيا عن علاقاتها بالدولة الروسية والجريمة المنظمة.
في وقت سابق، حذر الرئيس الغاني «نانا أكوفو أدو» من «أن «بوركينا فاسو» أبرمت بالفعل «اتفاقا» ل»قبول دعم فاغنر».. لقد حان الوقت تماما لمثل هذا التدخل، حيث طرد حكامها العسكريون فرنسا، وهاهم يبحثون عن أصدقاء جدد. وفي الوقت الذي يوفر تعليق «عضوية» الاتحاد الإفريقي بعض الردع ضد الانقلابات، إلا أن تأثيره يتضاءل طالما أن المجالس العسكرية مثل تلك الموجودة في «مالي» و «بوركينا فاسو» يمكن أن تلجأ إلى روسيا للحصول على الدعم.
تقويض الاتحاد الإفريقي.. بالحرب ؟
في السودان، يؤدي الدعم من «فاغنر» و»روسيا» على نطاق أوسع إلى «إبطاء الانتقال نحو ديمقراطية مدنية»، إذ تشير التقارير إلى أن «فاغنر» حاول أولا دعم نظام الرئيس «عمر البشير» المتعثر، بعد الإطاحة به في عام 2019، ألقت المجموعة ب»ثقلها وراء السلطات العسكرية التي أحبطت المفاوضات حول الديمقراطية من خلال الاستيلاء على السلطة العسكرية في انقلاب في عام 2021». قد تكون «فاغنر» مستعدة أيضا للتدخل في الكاميرون «جزئيا» من خلال «استغلال التوترات المتزايدة والعنف بين الحكومة والجماعات الانفصالية في المناطق الناطقة بالإنجليزية في البلاد»، كما (ربما) تتطلع فاغنر أيضا إلى الكاميرون ك»بوابة بحرية لتصدير الموارد الطبيعية التي يتم منحها لها في جمهورية إفريقيا الوسطى مقابل دعم حكومة «فوستين أرشانج تواديرا» المهتزة».
يمكننا أن نتساءل : «كيف أثرت الحرب في أوكرانيا على فاغنر ووجود روسيا في إفريقيا؟»، أثار ذلك موجة من «المبادرات الدبلوماسية» من جانب روسيا والقوى الغربية الحريصة على توسيع دوائر أصدقائها في عالم يزداد غموضا وعدائية، تحتاج روسيا على وجه الخصوص، إلى حلفاء أكثر من أي وقت مضى لمواجهة عزلة العقوبات الغربية.. لتوسيع علاقاتها مع الدول الإفريقية، كان عرض روسيا منصبا على المجال العسكري وتجارة الأسلحة، بحسب تقرير جديد، يشير كبير الباحثين في «معهد الدراسات الأمنية» (ISS) «بريال سينغ» إلى «أن المشاركة الاقتصادية الرئيسية لروسيا كانت منذ فترة طويلة من خلال صناعة الأسلحة» ويقول: «غالبا ما ينظر إلى مبيعات الأسلحة الروسية على أنها وسيلة رئيسية تستفيد منها روسيا من أجل تأسيس نفوذها السياسي والحفاظ عليه وتوسيعه داخل الدول الإفريقية».
في ما يتعلق بالسلع الأخرى، فإن التجارة الروسية مع إفريقيا» تتضاءل» أمام التجارة الغربية والصينية، إذ يشير تقرير آخر إلى أن «روسيا كانت أكبر مورد للأسلحة في القارة ما بين 2017-2021 (وثاني أكبر مورد على مستوى العالم)، وفقا ل»معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام»، إذ شكلت روسيا 44٪ من جميع واردات الأسلحة إلى إفريقيا، متقدمة بفارق كبير على الولايات المتحدة (17٪) والصين (10٪) وفرنسا (6%).
السلاح.. حلقة الوصل الروسية – الإفريقية !
من غير الواضح ما إذا كانت الحرب في أوكرانيا قد أثرت على مبيعات الأسلحة الروسية.
تشير التقييمات الغربية إلى «أن روسيا لا تصنع ما يكفي من الذخائر لتحل محل الصواريخ والقذائف التي تطلق على أوكرانيا، لذلك لجأت إلى «إيران» للحصول على الإمدادات. من هنا نتساءل «هل تتجه أيضا إلى إفريقيا؟». قال الباحث الروسي في «جامعة ستانفورد»، «ستيفن كوتكين» ل»مجلة نيويوركر» إن «روسيا تعيد شراء الأسلحة من الدول الإفريقية لتجديد ترسانتها المتضائلة في أوكرانيا»، غير أن خبراء آخرين يشككون في ذلك.
بشكل عام، تظل «علاقات روسيا بإفريقيا عسكرية في المقام الأول»، مع عدم وجود قيود ديمقراطية، وهو وضع من غير المرجح أن يعزز قيم الحكم الأساسية في القارة أو «يسكت البنادق». يمكن القول إن روسيا كثفت مشاركتها العسكرية مع إفريقيا (بما في ذلك حقن «فاغنر» فيها) حتى قبل «غزو روسيا لأوكرانيا» في 24 فبراير من العام الماضي.. لكن، دعونا لا ننسى أنه أو كما سيذكرك أي أوكراني، لم تبدأ حرب روسيا ضد أوكرانيا في 24 فبراير 2022 ولكن في 20 فبراير 2014، عندما غزت شبه جزيرة القرم وضمتها.
عن : Institute for security studies (ISS)