لماذا يجد اليمين المتطرف الفرنسي صعوبة في لدفاع عن سياسة بوتين؟

أصبحت الحرب، التي تقوم بها روسيا على أوكرانيا، حديث الساعة في الانتخابات الرئاسية بفرنسا، بل أصبحت الموضوع الأساس، خاصة أن الرأي العام الفرنسي مثل نظيره الأوروبي، يشعر بقلق كبير تجاه هذه الحرب التي توجد على أبواب حدوده، والتهديدات التي أرسلها رجل الكرملين القوي، الذي أعطى الانطباع بإمكانية اللجوء الى الأسلحة غير الكلاسيكية أو السلاح النووي.
موقف بوتين أشاع نوعا من الهلع بين الفرنسيين، والتصريحات التي يقوم بها بوتين من حين لآخر، وتلميحه إلى معاقبة البلدان التي تساعد أوكرانيا، وهي كلها معطيات لا تبعث على الاطمئنان وسط هذا الرأي العام.
أحزاب اليمين المتطرف الفرنسي مثل أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي، لها علاقة قوية برئيس روسيا فلادمير بوتين، وتقدمه كنموذج لمنظومة الحكم التي يجب اتباعها. بل إن بعضها يحصل على تمويلات أو قروض روسية حسب عدد من المصادر الأوروبية، وهي حالة حزب مارين لوبين الفرنسي.
زعيمة التجمع الوطني مارين لوبن شجبت هذا الغزو وقالت إنه يشكل انتهاكا «لا يمكن الدفاع عنه» للقانون الدولي. وقالت لوبن التي تواجه انتقادات تؤاخذها على صورة جمعتها بالرئيس الروسي منذ فترة، إن بوتين اليوم ليس هو ذاته الذي استقبلها في موسكو عام 2017، والذي دعمها أمام مرشح آخر، وهو الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون. وبالتالي أصبحت هذه العلاقة التي كانت تفتخر بها في السابق، علاقة ليست في صالحها وتكلفها أصوات عدد كبير من الناخبين الفرنسيين. وهو ما يفسر تراجعها في استطلاعات الرأي والارتفاع الكبير في الاستطلاعات لصالح الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون، المرشح لعهدة ثانية، الذي أصبح يقترب من نسبة 30 في المائة، وهي نسبة تجعله بعيدا في نسبة النقط عن باقي المرشحين الذين يبلغ عددهم 12 مرشحا في هذه الانتخابات.
ومن أجل إيجاد تبريرات لهذه الوضعية يقول إريك زمور أحد أبرز وجوه اليمين المتطرف العنصري بفرنسا، والذي تمت إدانته عدة مرات من طرف القضاء الفرنسي، وسبق له أن دعا في عام 2018 إلى قيام «بوتين فرنسي»، وهو تعبير عن إعجاب كبير بهذه الشخصية السلطوية بروسيا: «المذنب في هذه الحرب هو بوتين، والمسؤول هو الحلف الأطلسي الذي لم يتوقف عن التوسع». وهو هنا يقصد التوسع في الحدود الشرقية لأوروبا. هذا هو التبرير الذي يعطيه هذا المرشح لبوتين لتسويغ اجتياحه للأراضي الأوكرانية. ومن المؤكد أن هذا المرشح ذا الأصول المهاجرة والمعروف بتطرفه أكثر من باقي ممثلي الراديكالية بفرنسا، لا يخفي إعجابه بالشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ، بل التي لها ماض أسود، حتى في ذاكرة شعوبها، مثل الرئيس فيشي الذي كان يمثل فرنسا التي تعاونت مع النازية في إبادة اليهود أثناء الحرب الكبرى.
موقف زمور هذا من الحرب بأوكرانيا لا يختلف عن باقي ممثلي الأحزاب اليمينية المتطرفة بأوروبا «التي تعتبر أن النزاع لا يمكن أن ينسب إلى فلاديمير بوتين وحده، بل بالأحرى بجزء كبير منه إلى الغرب». وهو موقف يقدم بوتين كمجرد مدافع عن نفسه وليس هو من قام بالهجوم.
هذا التحول في موقف الأحزاب الشعبوية بفرنسا، وأوروبا أيضا، وهو موقف غير مبدئي أو ناتج عن اقتناع، بل هو موقف لمسايرة الرأي العام الفرنسي الذي عبر عن تضامن كبير مع الاوكرانيين ضحايا هذه الحرب، سواء من خلال تقديم المساعدة الإنسانية أو من خلال القبول باللاجئين فوق الأراضي الأوروبية. وهو موقف جد حساس، لأن الهجرة واللجوء هي المواضيع التي فرقت الفرنسيين وكذلك الأوروبيين، والجميع أصبح جد محافظ فيما يخص الهجرة واللجوء إلى أوروبا.
من المؤكد أن اليمين المتطرف الفرنسي يقيم علاقات وثيقة مع بوتين، كما يشاطره قيمه المعادية لليبرالية، ويؤيد ثقافة «الرجل القوي» التي يجسدها، وها هو اليوم يجد صعوبة اليوم في أخذ مسافة عنه. خاصة أن سلوكه أدّى إلى حالة خوف كبيرة وسط الرأي العام الفرنسي الذي يعتبر فلاديمير بوتين شخص لا يمكن الوثوق به.
فمن المرجح أن سلوك بوتين وغزوه لأوكرانيا سيكون له وقع سلبي على الأحزاب اليمينية المتطرفة بفرنسا وبكامل أوروبا، خاصة أفكار «الرجل القوي» والشوفينية السياسية» ومعاداة الهجرة، وهي أفكار كانت تتقاسمها مع زعيم الكريملين.
ما غيرته هذه الحرب بالنسبة للانتخابات الفرنسية المقبلة في شهر أبريل هو تراجع نوايا التصويت لصالح مرشحي اليمين المتطرف، المعروفون بقربهم من الكريملين وسياسته، في حين ازداد عدد مؤيدي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الاستطلاعات. اليمين المتطرف بفرنسا وأروبا اليوم يجد صعوبة كبيرة في الدفاع عن سياسة بوتين وعن القيم التي يقتسمونها معه.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 10/03/2022