في أول تجاربها الكتابية، اختارت المناضلة الحقوقية والجمعوية ليلى أملي الإطلالة على جمهور القراء من نافذة “مرآة بدون ألوان”، مرآة عاكسة للواقع المغربي بكل جروحه وشروخه/ بدون مساحيق أو روتوشات تجميلية، صورة المغرب الحقيقي كما خبرته نساؤه، نضال مغاربة سياسيا ومدنيا، وهي صورة كانت نتيجة محصلة تجربة ميدانية لم تكن قط تجربة عابرة في الزمن، بل علامة فارقة في لحظة أنصتت بوعي عميق للواقع ولتربته الاجتماعية والسياسية وهي تعتمل أو تتشكل بتفاصيلها.إنصات للحظات تأسيسية في كثير من الجبهات، وأولها جبهة العدالة والمساواة.
تقدم “المرآة” صورة مغرب مصغر ساهمت بناته وأبناؤه في رسم معالمها عبر الانخراط في الأحزاب والنقابات والمنظمات المدنية الموازية من أجل إقرار دستور ينصت للتحولات التي مست المجتمع ونواته الرئيسية الأسرة، دستور ينتصر للتأويل الحداثي لمفهوم المواطنة والحق، ولتقويم الاختلالات التي اعترت تطبيق المدونة في صيغتها الأولى. وفي قلب هذه التحولات، الانتصار لمدونة أسرة جديدة مبنية على مبدأ الإنصاف والتماسك الأسري بما يحفظ التوازنات الضرورية بين الأصول والاجتهادات، مدونة تُفعّل مقتضياتها بعيدا عن تأويل مغرض أو تحايل وقفز على القوانين من باب الاستثناء.
يطرح كتاب “مرآة بدون ألوان” الصادر هذه السنة عن دار المناهل، عددا من القضايا التي صاحبت النقاش حول المدونة، كما يعرض للتطور الإيجابي الذي صاحب مشاركة المرأة المغربية في صنع القرار السياسي من بوابة ما عرف بالتمييز الإيجابي أو الكوطا النسائية التي مكنت المرأة من تمثيلية أكبر داخل المؤسسات المنتخبة.
تناقش ليلى أملي في هذا الكتاب/ الشهادة/الوثيقة، مظاهر الاختلال في العلاقة بين المرأة والمجتمع من خلال زواج القاصرات، مقدمة إحصاءات صادمة( من 2013 الى 2020) وهي إحصاءات تثبت حالات التحايل على القانون الذي أصبحت معه الاستثناءات هي القاعدة، مع ما لذلك من تداعيات نفسية واجتماعية على الأسرة والقاصرات، وهو ما جعلها تتقدم باقتراحات عملية لتجاوز الظاهرة، بالإضافة الى طرح قضايا الحضانة وإثبات النسب ووضعية الأطفال خارج مؤسسة الزواج، وتقنين الإجهاض وما يصاحب هذه القضايا من سجالات وإشكالات قانونية ودينية، مقدمة نماذج استطاعت من خلال النقاش الهادئ والعقلاني تجاوزها (حالة كوستاريكا).
في باب “مبادرات سياسية” تطرح أملي دور المؤسسات الدستورية، والحضور الباهت للمرأة داخلها، كما تناقش تمثيلية النساء داخل الأحزاب السياسية داعية الى تجاوز الصيغة التقليدية القديمة للكوطا حتى يكتسب معنى “التمكين السياسي” للمرأة مدلوله العملي الإجرائي، مقدمة نماذج حية لتمثيلية الرجال في المشهد السياسي داخل مجلسي النواب والمستشارين، والتي تؤكد أن “مسار المناصفة لا يزال شاقا وطويلا”(ص192)، مسار تبدو صعوبته أكثر عند مقارنة أعداد النساء مع أعداد الرجال داخل الفرق البرلمانية.
المدارات الأخرى الثلاث التي يقاربها الكتاب، تتمحور حول البيئة أو ما يسمى بالعدالة المناخية وما تمثله هذه الأخيرة من أهمية باعتبارها إحدى ركائز العدالة الاجتماعية، مشيرة الى أن النساء والفتيات هن من يتحملن وطأة الصدمات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، بالنظر الى هشاشة وضعهن (75 في المائة من فقراء العالم العربي، نساء وهن الأكثر إنتاجا للمواد الغذائية وأكثر ارتباطا بالأرض والإنتاج الأولي. وهنا تركز أملي على أهمية إدماج مقاربة النوع في كل العمليات المرتبطة بالملاءمة والتخفيف من الانبعاثات الغازية والحرارية مع الالتزام الفعلي باتفاقية “سيداو” في ما يتعلق بالحفاظ على ملكية الأرض والثروات الطبيعية.
في آخر الكتاب، تتطرق أملي للتمكين الاقتصادي للنساء، معتبرة أنه أحد الأعمدة الأساسية التي يستند عليها تحقيق التمكين الشامل للمرأة، حيث أن الهشاشة الاقتصادية تعيق ممارستها لكل الحقوق الأخرى السياسية والاجتماعية والثقافية، موردة أن تقرير “الفجوة بين الجنسين” الصادر في 2023 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وضع المغرب في المرتبة136 من أصل 146 دولة حيث لم يحقق أي تقدم يذكر.
لا يغفل الكتاب دور المرأة في المجال الثقافي ومساهمتها في إثراء المشهد الثقافي المغربي، باعتبارها حافظة وناقلة للتراث ومشاركة في صنعه، سواء كان هذا التراث ماديا أو لا مادي، كما يستعرض المعيقات التي تحول دون ممارستها لهذا الدور، ما يدعو الى العمل المكثف على هذه الواجهة من أجل تمكين ثقافي حقيقي للمرأة، خاصة أن المغرب يمتلك طاقات إبداعية نسائية استطاعت أن تحفر اسمها محليا وإقليميا ودوليا كمنتجات للثروة الفكرية وصانعات للرأسمال الرمزي.
يشار الى أن ليلى أملي مستشارة ورئيسة مصلحة بمجلس النواب، وفاعلة جمعوية وحقوقية نشطة في المجتمع المدني، مغاربيا وعربيا، حيث أسست جمعية “أيادي حرة”، وهي رئيسة سابقة لجمعية “جسور” وتشغل حاليا مهمة منسقة “تحالف بيجين+03” ونائبة منسقة الائتلاف المغربي من أجل العدالة المناخية وعضو هيئة الائتلاف العربي “حرة”، ومؤسسة فاعلة في الشبكة العربية “ثائرة” من أجل المناصفة، وعضوة في الشبكة العربية للمجتمع المدني النسوي.
ليلى أملي ترى المغرب من «مرآة بدون ألوان» .. مغرب بعيون نسائه، لكن يسع الرجال والنساء

الكاتب : حفيظة الفارسي
بتاريخ : 06/05/2025