لم أجد خاتما ذهبيّا في فم السمكة.. لأخطب به ودّ هذا العالم، وأكون في قلبه.
لم يسقط الثلج على كتفيّ كزهر السماء الأبيض في الغابة، بل بلّلني وأصابني بالأنفلوانزا والحمّى، لولا أعشاب أمّي ودفؤها لمتُّ صريع هوى نزهة.
لم أمش على الماء وإن استهواني الأمر، وإن تمرّنتُ على الخفّة. كلما خلتُ مشيا كان غرقا ولم يسعفني إنجيلٌ تمسّكتْ به يدي التي تكتب شعرا مثله، ولا دلفين.
هذه السّماء أمطرت على الدوام مطرا بلّلني حتى العظم، ولم ترم لي فلساً واحداً. كلّما نضج حقل في البعيد، حصده غيري. من فوق ربوة رأيتهم كالنمل يجمعون إرث شتائي الثقيل. نمل آدميٌّ، لا يرحم!.
لم تُشبع بطني بقرة بحليبها و الزبدة!. تلك التي مرّرت يدي بحنوّ على رؤوسها سيقت إلى وجهة أخرى وبقيت وحيدا مشدودا إلى خيط من رنين أجراسها في هواء المرعى..
لم أجد عالما بمناطيد كما كنت أحلمُ. والقطارات هي الأخرى مدّت حديدا باردا للمسافة، فتغرّبت أكثر. وكان عليّ أن أتقن لغة هذا المكان المتّسع كالوحشة، و أن أبيت ليلتي الأولى خارج قاموسها في البرد.
لم تكن الزقزقات فأل خير، وإن تفاءلت بها كثيرا. كلّما حطّ عصفور بقربي ابتسمت للنهار فعبس، كأنّما يحسد نبوّتي، ويصلب خطوتي التالية، أمام عينيّ.
هذا العالمُ الجميلُ قاسِ وبلا قلب. نتف السحاب تعبر فوق رأسي كالقطن، وكالدببة. بصمت وبلا همس، وبحياد كبير. تمرّ ظلالها على قبر أبي حيث أقف الآن، واضعا يديّ في جيبيّ بلا كثير أسئلة عمّا وراء كلّ هذا الموت. لكن بكثير من الحزن. تمرُّ في خيانة الجمال لي، في خذلانه لكلّ وصف وصفته في فرح مؤجّل بالهناءة.
قبر أبي المتقشّفُ، ووقفتي البردانة أجمعهما كمقصّ لأقصّ ما يربطني بهذا العالم بدءا بحبل إيمان قويّ بطفولتي الرسولة..