تداول باحثون في تاريخ المغرب، في الندوة التي نظمتها جمعية أستاذات وأساتذة مواد الاجتماعيات بإقليم سيدي سليمان، مساء يوم السبت 16 دجنبر الجاري، في تقاطعات الكتابة التاريخية، وتحديدا في موضوع التاريخ الجديد، بتشريح خلفياته النظرية/ الابستمولوجية، ومساءلة المنجز الأكاديمي للكتابات التاريخية في الجامعة المغربية، وتقييم التاريخ المدرسي في ضوء تمثله لهذه الانشغالات الفلسفية والتراكمات الأكاديمية.
د. عبد الأحد السبتي: يفتقر المؤرخ للخيال لبناء تاريخ جاذب.
نبًه السبتي، أستاذ باحث في التاريخ بجامعة محمد الخامس، في معرض مناقشته لمظاهر التجديد في الكتابة التاريخية، من ثلاث اختلالات: أولها، عدم التمفصل بين البحث الأكاديمي والكتابة الديداكتيكية. وثانيها، اكتفاء الباحث المغربي بدراسة التاريخ المحلي/ الوطني وتحقيق النصوص دون الاستناد إلى أشكاليات موجهة. وثالثها، غياب ثقافة التقييم، وعدم متابعة ما ينشر في الخارج؛ وخاصة الانفتاح على المنجز الأكاديمي المؤسس للاتجاهات والنظريات التاريخية.
وفي هذا الصدد، اقترح صاحب كتاب “بين الزطاط وقاطع الطريق”، خارطة طريق منهجية للتعامل مع الموضوعات التي تشكل محور انشغال التاريخ الجديد: الربط بين الحقول- دراسة الخاص والعام – دراسة الماضي بأسئلة الحاضر – الانفتاح على الأسلوب الأدبي في الكتابة التاريخية، دون التفريط في الصرامة المنهجية لهذا الحقل المعرفي، ما يجعلها -الكتابة التاريخية- مشبعة بالخيال والتخييل؛ وهو الأسلوب الذي يفتقره المؤرخ في صناعة تاريخ جاذب للقارئ.
د. الجيلالي العدناني: التمثلات كمدخل لدراسة تاريخ المجال المهمش
أثارت مداخلة الأستاذ الباحث في جامعة محمد الخامس، الجيلالي العدناني، جملة من القضايا المنهجية والمعرفية التي تهم الباحث المنشغل بقضايا التاريخ المحلي. وأكد على أن قراءة تاريخ المغرب، بشكل عام، يجب أن يخضع لتحليل عميق لثلاثية المقدس والقبيلة والزاوبة، وفق مقاربات علمية تتجاوز السائد في الأسطوغرافيا الكولونيالية، لتنفتح على استيعاب المكاسب المنهجية التي تحفر في البنيات الثقافية وتقرأ الرموز وتتابع دينامية المجال، في كتابة التاريخ المحلي كمجال مهمش.
وفي صلة بهذه القضايا، التي تهم المجال المهمش، ربط صاحب كتاب ” الصحراء في عهد الاستعمار”، الصادر مؤخرا، بين ما يجري في الريف والجنوب، بفاعلية القبيلة في المجال الهامشي، كمجال مهيكل للأحداث السياسية الكبرى في المغرب.
د. مصطفى حسني إدريسي: التاريخ لتكوين المواطن المنفتح على الممكن
تساءل، الأستاذ المختص في ديداكتيك التاريخ، بجامعة محمد الخامس، عن نجاعة التاريخ المدرسي في تمكين المتعلم من فكر نقدي، مؤمن بالقيم الديموقراطية، ومنفتح، بشكل إيجابي، على المستقبل؟
وفي سياق الجواب، سجل مؤلف كتاب “التفكير التاريخي وتعلم التاريخ” (النسخة العربية قيد الطبع)، تجاوز المنهاج الدراسي الآني، بعد إصلاحات 2002، لاختلالات المقرر المدرسي في تمثله اليعقوبي للأمة وطمس تنوعاتها الثقافية والجهوية، وعدم استيعاب المستجدات المنهجية والمعرفية بفعل تهميش المؤرخين في تأليف الكتب المدرسية، والإغراق في المركزية الأوربية والعربية الإسلامية.
واستعرض مصطفى حسني إدريسي المستجدات الديداكتيكية والمعرفية للمنهاج الجديد، مقدما نموذج كتاب التاريخ للجدع المشترك في التعليم التأهيلي، من حيث اعتماده على المقاربة البنائية للتعلمات، وبشكل يستوعب الموجهات الابستمولوجية والبيداغوجية والمعرفية لدرس التاريخ المدرسي.
وإذا كان تدريس التاريخ الراهن، بحسب حسني إدريسي، يمكن المتعلم من الانفتاح على الممكن والمستقبل، وبالتشبع بالمواطنة، فإن الموضوع يطرح جملة من المشاكل؛ وفي مقدمتها عدم مسايرة تكوين الأستاذ-ة لهذه الرهانات البيداغوجية والمعرفية.
(*) مقررة الندوة / أستاذة التعليم الثانوي التأهيلي.