مؤشرات «الظاهرة» حاضرة بقوة بقطاعات الصحة والتعليم والداخلية

احتلال المساكن الوظيفية بالدارالبيضاء يعمّق جراح المحرومين

منها ويرفع من درجات معاناتهم للقيام بواجبهم

 

يبلغ عدد الموظفين في المغرب أكثر من 564 ألف موظف عمومي، وفقا لمعطيات سبق أن أعلنت عنها وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، آنذاك، 90 في المئة منهم يتوزعون على ستة قطاعات وزارية كبرى، العدد الأكبر منهم يتواجدون بقطاع التربية الوطنية والداخلية والصحة. وأبرزت ذات البيانات أن النساء يشكلن نسبة 34.8 في المئة من مجموع العاملين في الوظيفة العمومية، بينما تصل نسبة الرجال إلى 65.2 في المئة من مجموع الموظفين المدنيين، موضحة أن قطاع الصحة يعرف أكبر حضور للعنصر النسوي مقارنة بالرجال وذلك بنسبة 61.9 في المئة، متبوعا بقطاع العدل بنسبة 43.8 في المئة، فوزارة التربية الوطنية في المركز الثالث بنسبة 40.3 في المئة، متبوعة بوزارة الاقتصاد والمالية بنسبة 39 في المئة.
تدبير الموظفين دفع المشرّع وإلى جانب تنظيم العلاقة بين الإدارة والموظف، وما بين الرؤساء والمرؤوسين، وتحديد الحقوق والواجبات وترسيمها، إلى البحث في صيغ وآليات تسهم في تجويد الممارسة الوظيفية وتوفير الشروط الضرورية لذلك، ليس على مستوى المرفق العمومي فحسب، وإنما حتى على مستوى العنصر البشري، ومن ضمن هذه الآليات توفير السكن الوظيفي، الذي تعود بدايات العمل به وجذوره إلى البوادي المغربية منذ سنوات طويلة، حيث كانت القبيلة تتكلف بتوفير مسكن للفقيه الذي يدرّس القرآن وعلوم الدين إلى الأطفال ويقوم بإمامة المصلين وغيرها من المهام الأخرى المجتمعية، ثم وجد أثره لاحقا في قرار المقيم العام للحماية، وتحديدا في 19 شتنبر 1951، حيث تم سن أول نص تنظيمي في هذا الإطار، وأعقبته بعد ذلك خطوات أخرى لضبط وتطوير هذه الآلية من خلال مذكرات ومقررات إدارية لتحديد المساطر الواجب اتباعها لكي تستفيد من السكن الوظيفي الفئات المعنية به والتي يكون لها دور أساسي ومحوري في القطاع المعني.
وبالعودة إلى القوانين المؤطرة، نجد أن هناك مسكّنين طبقا لأنظمة خاصة من قبيل الكتاب العامين ومدراء الإدارات العمومية ومن في حكمهم، إلى جانب المفتشين العامين للوزارات، والولاة والعمال ومسؤولي الإدارة الترابية وغيرهم، ثم هناك فئة أخرى من الموظفين المسكنين وجوبا كالقباض ومدراء المراكز الرياضية ومدراء المؤسسات السجنية وغيرهم، وآخرون بحكم الواقع، أي الذين تربطهم بالإدارة عقود كراء تخضع للقواعد العامة والنصوص المنظمة لكراء المحلات السكنية، أو من يستفيدون من المساكن الوظيفية بصفة مجانية فعليا أو بحكم مهامهم. وإذا كان المشرّع قد حدّد الفئات المعنية بالتدقيق، فقد تم اعتماد مساطر مختلفة من قطاع لآخر لتحقيق هذه الخطوة، حيث تعمل لجان مركزية أو جهوية، وفق الاقتضاء، بتتبع مسطرة الإسناد التي تعتبر الآلية التي تمنح السكن الوظيفي لموظف معين دونا عن غيره، وتقوم بدراسة ملفات التباري بعد الإعلان عن المساكن الشاغرة، وفي حالة التساوي في المجموع العام للنقط يتم ترجيح كفّة الأقدمية، التي في حالة تساويها هي الأخرى يتم اللجوء إلى القرعة وذلك بعد استيفاء شروط عديدة، من بينها عدم التوفر على مسكن شخصي في الدائرة الترابية لنيابة وزارة التربية الوطنية التابع لها، كما هو الحال بالنسبة لهذا القطاع، والالتزام بإفراغ السكن بمجرد تحقق مسوغات الإفراغ وغيرها من الشروط الأخرى.
وإذا كانت الأولوية ممنوحة في قطاع التربية الوطنية لمدراء المؤسسات التعليمية والمقتصدين، فإنها، في مجال الصحة، بالنسبة للمساكن المتواجدة بداخل أسوار المؤسسات الصحية، تعود للمدراء والمقتصدين وللطبيب الرئيس والمتصرف المقتصد وغيرهم، طبقا للقرار الوزاري بتاريخ 7 ذو الحجة 1374 الموافق لـ 27 يوليوز 1957، كما تشمل الاستفادة الموظفين الذين يؤدون خدمات مستمرة ليلا ونهارا على أن يحصلوا على ترخيص مسبق من الإدارة المركزية، في حين أنه وعلى صعيد المساكن المتواجدة على مستوى شبكة المؤسسات الصحية، فيستفيد منها بصفة خاصة الموظفون العاملون بنطاق الدائرة الصحية التابعة لها.
قوانين مؤطرة لتحديد شروط الاستفادة وزمنها وكيفية إفراغها، هذه الأخيرة التي حدّدتها كل من المذكرة الوزارية 40 و 67 بقطاع التربية الوطنية على التوالي في 10 ماي و 23 يونيو 2004 ، نموذجا، يتم تجميدها في كثير من الحالات أو القفز عليها، وهو ما تعرفه العديد من المساكن الوظيفية بالدارالبيضاء، التي يتم منحها لغير مستحقّيها، أو يتم احتلالها ويرفض المستفيدون منها إخلاءها، بعد انتقالهم إلى مناطق أخرى، أو عقب تغيير تعيينهم أو حين يتم إعفاؤهم وما إلى ذلك، حيث سبق لوزارة التربية الوطنية أن أصدرت مذكرة تحمل رقم 136/17 مؤرخة في 8 دجنبر 2017 ، التي أقرت بكون عدد مهم من المساكن الوظيفية «ما يزال محتلا من طرف المعفيين من مهامهم أو المنتقلين للعمل بجهات أخرى، أو المحالين على التقاعد أو من طرف الورثة المتوفين منهم»، ويجد من يتحملون المسؤوليات والمطالبين بالتواجد الدائم أنفسهم يتكبدون المشاق للقيام بواجبهم، خاصة الذين يقطنون بضواحي الدارالبيضاء ويعانون الامرّين للتنقل بين طرقاتها؟
استمرار هذا الوضع يطرح أكثر من علامة استفهام، خاصة في قطاع التربية الوطنية التي تم منح مسؤوليها الجهويين والإقليميين الضوء الأخضر لانتداب محامين ومباشرة الإجراءات القضائية لاسترداد هذه المساكن، علما بأن هذه الصورة القاتمة تعيشها قطاعات أخرى كالصحة والداخلية، ومن أجل تجاوزها يتم اللجوء في بعض الحالات إلى كراء شقق بإقامات خاصة، مع ما يطرحه ذلك من أسئلة «الشطط والنفوذ» في ارتباط بالجيران، لمحاولة تجاوز تفادي المساس ببعض الأشخاص، وهو ما يعني هدرا للمال العام، أو يتم التعامل مع مطالب الموظفين الأحقّ بالاستفادة من السكن الوظيفي بنوع من اللامبالاة، ليكونوا ضحية لتراخ أو تواطؤ لهذا المسؤول أو ذاك، في الوقت الذي لا يتطلب الأمر إلا تدبيرا عقلانيا لما هو متوفر والعمل على تطبيق القانون لمنح السكن الوظيفي لمن لهم الأحقية والأسبقية في ذلك.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 14/10/2021