مؤهلات النمو وعوائقه بعمالة الصخيرات تمارة

إيقاف العامل ورجال سلطة يؤكد أن السيل وصل الزبى

عشوائية وفوضى في العمران وفي تنظيم المرسى وسوق السمك وتدهور خطير للمجال البيئي بسبب انعدام شبكة الصرف الصحي بالصخيرات 

 

تعتبر عمالة الصخيرات تمارة إحدى الحواضر الأساسية المكونة للعاصمة المغربية الرباط، وفي الوقت الذي تشهد هذه الأخيرة قفزة نوعية في التنمية الشاملة، باعتبارها عاصمة للثقافة والأنوار متمتعة بعدد كبير من الوظائف الإضافية، كعاصمة إدارية وطنية، وإيكولوجية وثقافية، وعربية وإسلامية وإفريقية، مما أهلها لأن ترتقي إلى مصاف العواصم العالمية الكبرى، نجد، في المقابل، أن بعض الأقطاب الحضرية التي أصبحت تعتبر جزءا لايتجزأ من العاصمة المغربية، كعمالة الصخيرات تمارة وعمالة سلا، لا تزال متخلفة عن هذا الركب التنموي المتقدم ولم تتمكن من مسايرة هذه الطفرة النوعية على عدة أصعدة عرفتها العاصمة الرباط في السنوات الأخيرة بتوجيهات من جلالة الملك محمد السادس في إطار مشروع الرباط عاصمة للثقافة والأنوار.

مسار تنموي مشرق للعاصمة الرباط

إذا كانت العاصمة الرباط قد عرفت مجهودات كبيرة على المستوى الحضري وعلى مستوى البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية والمرافق الاجتماعية والثقافية وملاعب القرب والمساحات الخضراء والإنارة العمومية والطرقات والمشاريع المهيكلة، نجد عمالة الصخيرات تمارة لاتزال تعيش على إيقاع التعثر التنظيمي والحضري والبناء العشوائي والأحياء الصفيحية والأحياء غير القانونية وتدهور المجال البيئي…

تخلف عن الركب التنموي المتقدم

الواقع أن المسار التنموي الذي تشهده عاصمة المغرب، لايمكن أن تبقى باقي المكونات الحضرية والأقطاب العمرانية المجاورة، متخلفة عنه، فمن الضروري أن يسارع المسؤولون الإداريون والمنتخبون في الجماعات الترابية المنتخبة ثم المصالح الخارجية للقطاعات الوزارية الأخرى بكل من عمالة الصخيرات تمارة وعمالة سلا، لمضاعفة الجهود من أجل الانخراط في هذه الدينامية العمرانية والحضرية والبيئية التي تشهدها العاصمة المغربية.

مدينة تمارة وعوائق النمو

بالرغم من التوسع العمراني لهذه المدينة ونموها الديمغرافي المتصاعد، ومحاولات التأهيل الحضري لها، إلا أنها لم تأخذ بعد طابع المدينة المهيكلة والمنظمة لمرافقها الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والصناعية، حيث لاتزال تعرف أحياء الصفيح التي تنعدم فيها أبسط ظروف العيش الكريم وشروطه، مع انتشار البناء العشوائي بالرغم من محاولات محاربة هذه الظاهرة التي شوهت هذه الحاضرة، فضلا عن افتقارها للمساحات الخضراء بفعل تزايد الزحف الإسمنتي وبناء المجمعات السكنية والمضاربات العقارية، وكذا افتقارها للمرافق الثقافية والملاعب الرياضية.
حين وصل السيل الزبى وطفح الكيل، ومن أجل وضع حد لهذه الفوضى التي تعم عمالة الصخيرات تمارة، لم يكن أمام وزارة الداخلية إلا اتخاذ قرارها، يوم الاثنين الماضي، المتمثل في إيقاف عامل الصخيرات تمارة وستة من رجال السلطة وإطارين إداريين، وقالت الوزارة في هذا الإطار، إنها بادرت إلى توقيف عامل عمالة الصخيرات ـ تمارة وستة رجال سلطة وإطارين إداريين بنفس العمالة، وذلك على ضوء النتائج التي أسفر عنها البحث الأولي للمفتشية العامة للإدارة الترابية والمتعلقة بخروقات في مجال التعمير.
مؤكدة أن هذا القرار يأتي في إطار الحرص الدائم للوزارة على التزام ممثليها، بمختلف رتبهم، باحترام القانون وبالتطبيق الصارم للمساطر التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، مشددة في نفس الوقت، أنه سيتم تفعيل الإجراءات الإدارية المناسبة في حق المعنيين بالأمر، وفقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، فور انتهاء التحقيقات والمسطرة القضائية المفتوحة في الموضوع.

هدم عمارات سكنية بنيت دون رخصة

ربطت مصادر مطلعة إيقاف عامل الصخيرات تمارة، بقرار هدم العمارات السكنية القدس 2  المتواجدة بمدينة تمارة، والتي عملت إحدى المقاولات العقارية على بنائها ، لكن احتجاجات المستفيدين من هذه العمارة بهذا المشروع العقاري الضخم الذي يضم 800 شقة، حسب نفس المصادر، وضعت حدا للتلاعب بمستقبلهم وحرمانم من اكتساب حقهم المشروع في السكن، أو كما يسمى بالعامية «قبر الحياة».
وينقسم المستفيدون من هذا المشروع إلى قسمين: مستفيدون من السكن الاجتماعي الذين أدوا مبالغ مهمة مابين 15 و 25 مليون كتكلفة للشقة للمنعش العقاري، ومستفيدون آخرون في إطار محاربة السكن الصفيحي، الذين قدموا أراضيهم للمنعش العقاري مقابل أن يكتري لهم شققا يسكنون بها إلى حين تسلمهم شققهم، حسب تصريحات هؤلاء السكان من عين المكان.
و منذ بداية هدم بعض عمارات المشروع التي تضم زهاء 100 شقة، دخل السكان المستفيدون في اعتصام مفتوح أمام المشروع تطوقهم عناصر الأمن الوطني والقوات المساعدة، للمطالبة  بحقهم في شققهم التي أدوا ثمنها رغم أوضاعهم الاجتماعية الهشة وتضحياتهم الجسيمة لتحقيق حلمهم، وما كان لهم من مخلص سوى التوجه بملتمسات لجلالة الملك محمد السادس للتدخل العاجل لوضع حد لمعاناتهم جراء هذا الحادث.

منها إهمال المرسى وسوق عشوائي للسمك.. إشكالات كثيرة منذرة بالانفجار

ومن جهة أخرى، هناك إشكالات كثيرة ومتنوعة بعمالة الصخيرات تمارة، بإمكانها الانفجار في أي لحظة، باعتبارها تشكل ظاهرة خطيرة تتسبب في تدهور المجال البيئي للمنطقة، وتنعكس سلبا على الراحة النفسية للساكنة واستقرارهم، وكذا لبعض المهنيين، وماهي إلا واحدة من الإشكالات المعيقة لتنظيم حضري وتنموي، ثم تنظيم مهني وتجاري في نفس الوقت.
ويتعلق الأمر بمنطقة بمدينة الصخيرات، التي من المفروض أن تكون منظمة ومهيكلة، بالنظر لموقعها الاستراتيجي كوجهة سياحية ومتواجدة بالشريط الساحلي لمدينة الصخيرات، كما أن شاطئها حاز اللواء الأزرق عدة مرات، لكن واقع الحال ينطق عكس ذلك بسبب عدم إيلاء الأهمية لمرسى الصخيرات وسوق السمك العشوائي الموجودين بمنطقة آهلة بالسكان والمنازل ومدى خطورة ذلك وتأثيره على الجانب البيئي لهذه المنطقة.
وبسبب الفوضى وعدم تنظيم المرسى، يجد عدد كبير من الصيادين مشاكل كبيرة في تسويق سمكهم، خاصة وأن السوق المخصصة لذلك والتي تم بناؤها لايتم استغلالها وأبوابها غير مفتوحة في وجه الصيادين، ما يجعلهم مجبرين على تسويق ما اصطادونه من أسماك فوق الرمال بالقرب من الشاطئ أو التوجه لوجهات أخرى تبعد ب 200 أو 500 متر  لعرضها للبيع، ما يشكل انعكاسات سلبية على الساكنة والمنازل المجاورة، بسبب الروائح الكريهة والتأثير على المجال البيئي للمنطقة، والتساؤل هنا مطروح عن مدى خضوع هذه العمليات لشروط الصحة والنظافة.

ضرورة القضاء على مظاهر العشوائية

من المفروض إعادة النظر، بشكل عام وكلي، في تنظيم هذه المنطقة السياحية التي تستقطب عددا كبيرا من المغاربة، الذين يقصدونها طلبا للراحة والاستجمام والاستمتاع بشاطئها وقضاء العطلة مع عائلاتهم وأبنائهم، ما يتطلب توفير جميع الشروط الصحية والبيئية لجعلها وجهة سياحية في المستوى المطلوب وبمقومات عالية مفضلة لدى العديد من السياح من الوطن وخارجه، وذلك بالعمل على القضاء على كل مظاهر العشوائية التي تؤثث فضاءاتها ومنها من بينها لا الحصر الاستيلاء على الملك العمومي وانتشار دور الصفيح وغيرها…
ومن الضروري كذلك أن تعمل الجهات المسؤولة على إعادة تأهيل المرسى بالصخيرات وتنظيمها واتخاذ جميع التدابير والإجراءات كي يمارس هؤلاء الصيادون مهنتهم في أحسن الشروط والظروف لكن مع مراعاة واستحضار الجهات المسؤولة أن الأمر يتعلق بمنطقة سياحية آهلة بالسكان كي لا تؤثر أنشطة المرسى البحرية والتجارية سلبا على الساكنة والتنظيم العام والبيئي للمنطقة.
فلا يعقل ألا يستفيد العشرات من البحارة والتجار من سوق السمك، التي تم إنجازها ضمن نقطة التفريغ المجهزة بالمنطقة، دون أن يستفيد منها مهنيو الصيد بالشكل المطلوب.

سوق عشوائية للسمك تنعدم فيها شروط السلامة الصحية

يمارس  تجار السمك إلى جانب مجموعة من بائعي السمك المقلي تجارتهم داخل سوق مؤقتة عشوائية تفتقد لشروط السلامة الصحية والنظافة، بحيث لا تتوفر على أدنى مقومات الأسواق النموذجية لبيع السمك، إذ ينعدم فيها الربط بشبكة الماء الصالح للشرب والصرف الصحي، وتغيب المرافق الصحية، لذلك لايمكن لهؤلاء التجار ممارسة مهنتهم في ظل هذه الظروف المزرية، مما يؤثر بشكل كبير على المعاملات التجارية وإقبال السياح، كما أكد لنا من عين المكان رئيس جمعية «السمك الذهبية وتنمية الموارد البشرية» وأمين  التجار المهنيين.
فلا يعقل أن تنجز الدولة نقطة تفريغ بميزانية مهمة، وفي آخر المطاف لا يتم استغلالها إلا بشكل مناسباتي، وأكدت مصادرنا أن الأطنان من المصطادات يتم بيعها اليوم خارج الضوابط القانونية أمام أعين السلطات.
ويطالب المهنيون بإيجاد حل فوري لإشكالية الفضاء، الذي تم تحديده في وقت سابق من طرف مهنيي الصيد، كسوق مؤقتة بمحاذاة نقطة التفريغ، تفتقد لأبسط شروط العرض السمكي، حيث الأوساخ والروائح النتنة، وانعدام أدنى شروط السلامة الصحية، ما يؤثر سلبا على المنتوج وعلى الساكنة وكذا على المجال البيئي.

قناة للصرف الصحي تفرغ المياه العادمة في رمال الشاطئ

والأدهى من هذا كله أن هناك قناة للصرف الصحي تفرغ محتوياتها في رمال الشاطئ، ما يساهم بشكل كبير في تلويث الشاطئ ورماله ويتسبب في أضرار صحية كبيرة للساكنة والصيادين والمهنيين، وانبعاث روائح كريهة ونتنة، فليس من المقبول أن يتم هذا بشاطىء الصخيرات غير بعيد عن القصر الدولي  للمؤتمرات الذي يستقبل عددا من التظاهرات الوطنية والدولية، والذي أصبح معروفا دوليا، خاصة أنه استضاف الحوار الليبي الليبي، في ما أصبح يعرف باتفاق الصخيرات أمميا.

على سبيل الختم 

هذه نماذج على سبيل المثال لا الحصر لمعوقات النمو لعمالة الصخيرات تمارة، التى تتكون من حاضرتين أساسيتين: الجماعة الترابية لتمارة والجماعة الترابية للصخيرات، والمطلوب أن تتصدى الجهات المسؤولة والمعنية لكل هذه الإشكاليات التنموية وأن تضرب بيد من حديد على كل المساهمين في الاختلالات الحضرية والعمرانية والبيئية والعشوائية.


الكاتب : الرباط: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 01/11/2022