مارادونا اليساري: «تشي الرياضة» و«ابن كاسترو» و«جندي» مادورو

مارادونا، يا بطلي…
مارادونا، يا بطلي إلى أين نذهب هذا المساء؟
مارادونا، ساعد أبويك، ساعدنا على تحمل هذه الحياة، وساعد هذا العصر على الخروج من السأم والدخول في الحنين إلى البطولة الفردية.
مارادونا، متى تحمل اسمك عن شفاهنا لنعود إلى قراءة هيغل ونيتشه؟
مارادونا، مارادونا، مارادونا!

 

أطلق عليه الزعيم الكوبي و”والده الثاني” فيدل كاسترو لقب “تشي الرياضة” تيمن بالزعيم الارجنتيني تشي غيفارا، وهو يعتبر نفسه “عاشقا” للرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيس و”جندي ا” للحالي نيكولاس مادورو؛ لم يخف دييغو مارادونا يوم ا ميوله السياسية اليسارية.
عندما تواجد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في مدينة “مار ديل بلاتا” في مقاطعة بوينوس أيرس عام 2005 لحضور “قمة الأمريكيتين” للدفاع عن مشروع منطقة التجارة الحرة على صعيد القارة، كان مارادونا حاضرا .
دعاه تشافيس حينها للصعود إلى المنصة، فما كان من ايقونة كرة القدم العالمية إلا أن طالب الحشود بـ “طرد” بوش من الارجنتين، تبعتها موجة من الترحيب.
كان مارادونا قد أعد الأرضية، طالب ا “إلقاء هذه الحثالة البشرية بوش” في القطار الذي نقله إلى “مار ديل بلاتا” إلى جانب 150 شخصية، من بينهم الرئيس البوليفي المستقبلي إيفو موراليس (2006-2019) والمخرج الصربي إمير كوستوريكا الذين أخرج لاحق ا وثائقي ا عن حياة الارجنتيني المثير للجدل.
نعى موراليس الذي خاض سابقا مباراة ودية مع مارادونا في العاصمة “لا باز”، صديقه متحسر ا على موت “أخيه” واصفا إياه بالشخص “الذي أصغى وكافح من أجل المتواضعين”، فيما اعتبر خليفته الرئيس الحالي لبوليفا لويس أرسي على تويتر أن “العالم يبكي خسارة لا تعو ض”.
في العام 2019، حين كان مدربا لفريق دورادوس دي سينالوا في الدرجة الثانية المكسيكية، شن مارادونا هجوما لاذعا على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقوله “يعتقد شرطيو العالم هؤلاء الأمريكيون أنهم يستطيعون أن يحكمونا لأن لديهم أكبر قنبلة في العالم. لكن لا، ليس نحن. هذه الدمية التي يمتلكونها كرئيس لا تستطيع شراءنا”.
هذا النفور تجاه الولايات المتحدة متجذر بعمق في الطفل الذي نشأ في فيا فيوريتو، إحدى البلدات الفقيرة في ضواحي بوينوس أيرس.
لم ينس “بيبي دي اورو” (الفتى الذهبي) جذوره ولم يخف يوما حبه لمثاله الأعلى في الحياة. وهو يختلف كليا عن الاسطورة الاخرى، البرازيلي بيليه الذي لطالما كان اسمه ومارادونا في النقاش عن الاعظم في التاريخ، الذي شغل منصب وزير الرياضة في بلاده ويعتبر قريبا من المؤسسات بما فيها الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) ويعتبر أكثر ديبلوماسية من الارجنتيني.
في العام 1987، بعد سنة على هدف “يد لله” وتتويجه بلقب كأس العالم في المكسيك، زار مارادونا الزعيم الشيوعي فيدل كاسترو في كوبا للمرة الاولى.
عندما اقترب من الموت في عامي 2000 و2004 بسبب إدمانه على الكوكايين ومعاناته من البدانة المفرطة منذ نهاية مسيرته في الملاعب عام 1997، لجأ إلى الجزيرة للخضوع إلى العلاج.
في عام 2005، بعد أن أصبح مقدم برامج تلفزيونية ناجحا، أجرى مقابلة مع كاسترو في هافانا عبر برنامجه “لا نوتشي دل دييس” (أمسية الرقم عشرة).
وكان وقع إعلان وفاة كاسترو في العام 2016 مأساويا على مارادونا الذي أسف لفقدان “الأب الثاني” وبكى قائلا “أشعر أنني كوبي”.

وجه كاسترو على ربلة
ساقه اليسرى

جسد حرفيا هذا الرابط العاطفي بوشم لوجه كاسترو على ربلة ساقه اليسرى، إضافة إلى شخصية أخرى في الثورة الكوبية، الارجنتيني تشي غيفارا المتواجد وشمه على زنده الأيمن.
وشاءت الصدفة أن يرحل مارادونا في اليوم ذاته على رحيل والده الثاني كاسترو الذي توفي ايضا في 25نوفمبر، حيث غرد وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيس “شاء التاريخ أن يرحلا في اليوم ذاته”.
قال مارادونا في حديث بعد مأدبة غذاء جمعته بتشافيس في العام 2005 “تعرفت إلى فيدل كاسترو، (الرئيس الليبي) معمر القذافي، والآن أتعرف على عملاق كتشافيس”، حيث وصف مشاعره إثر لقائه به بأنها “أقوى ربما” من تلك التي تراوده عقب الفوز بكأس العالم.واعتبر لاعب نابولي الايطالي السابق أنه “مع كاسترو، تشافيس، لولا وكيرشنير (رئيسا البرازيل والارجنتين توالي ا في حينها)، أعتقد أنه بإمكاننا تشكيل تحالف جيد ضد الفقر والفساد وقطع العلاقة مع الولايات المتحدة”.
في العام 2013 ومن ثم 2018، قدم مارادونا نفسه “جنديا” لنيكولاس مادورو، خليفة تشافيس، حيث حضر اجتماعات حملته الانتخابية.
وغرد مادورو عقب رحيل لاعب برشلونة الاسباني السابق “أشعر بالكثير من الحزن، لقد غادرنا أسطورة كرة القدم، الاخ والصديق الوفي لفنزويلا…ستبقى في قلبي وذهني. لا أملك الكلمات في الوقت الراهن لأعبر عما أشعر به. إلى اللقاء بيبي (فتى) أميركا”.
في بلاده أيضا، اعتنق مارادونا السلطة عندما كانت يسارية. عندما توفي نيستور كيرشنير في عام 2010 الذي كان رئيس للبلاد بين عامي 2003 و2007 كتب اللاعب الملقب بـ «ديوس» (لله في الاسبانية) أن «الأرجنتين فقدت مصارع». في عام 2015، أرسل الورود لكريستينا كيرشنير، زوجة نيستور، التي خلفته في منصب الرئاسة وذلك لنهاية فترة ولايتها.
وكتب رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا الأربعاء أن “عملاق آخر يغادرنا، إنه الأخ اللامتناهي لجميع الشعوب الحرة في العالم”.
وكانت أبرز المواقف أيض ا لمارادونا عندما التقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مونديال روسيا 2018 وقال له “أنا فلسطيني”، وأضاف “قلبي فلسطيني”.
علق الرئيس الفلسطيني محمود عباس على رحيل مارادونا “ببالغ الحزن تلقينا نبأ وفاة النجم الرياضي العالمي دييغو مارادونا، الذي أمتع الملايين بمواهبه الرياضية الباهرة، وكان علامة بارزة في الرياضة العالمية، كما كان صديقا محبا لفلسطين وشعبها”.

مارادونا يدخل القصيدة

وكتب محمود درويش نصا إبداعيا عن اللاعب الأسطورة قال فيه:ماذا نفعل بعدما عاد مارادونا إلى أهله في الأرجنتين؟ مع منْ سنسهر، بعدما اعتدنا أن نعلّق طمأنينة القلب، وخوفه، على قدميه المعجزتين؟ وإلى منْ نأنس ونتحمّس بعدما أدمنّاه شهراً تحوّلنا خلاله من مشاهدين إلى عشّاق؟ ولمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة ودبابيس الدم، بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود، وأجّج فينا عطش الحاجة إلى: بطل.. بطل نصفّق له، ندعو له بالنصر، نعلّق له تميمة، ونخاف عليه ــــ وعلى أملنا فيه ــــ من الانكسار؟ الفرد، الفرد ليس بدعة في التاريخ. يا مارادونا، يا مارادونا، ماذا فعلت بالساعة؟ ماذا صنعت بالمواعيد؟
مارادونا يصفق من الوجع. إن هو لم يسدد، ستموت الأرجنتين من البكاء. وإن هو لم يصوّب سترفع الأرجنتين نصباً لعارها في الفوكلاند. سيتوقف الشعور القومي عن الرقص، وستربح إنكلترا المغرورة الحرب مرتين. ولكن مارادونا يتقدم بالكرة من حيث تراجعت السلطة. مارادونا يعيد الجزيرة إلى الأرجنتين. وينبّه الإمبراطورية البريطانية إلى أنها تحيا في أفراح الماضي.. الماضي البعيد.


بتاريخ : 30/11/2020