نظمت جمعية «منتدى شهرزاد للتربية والثقافة» والمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، أمسية ثقافية متميزة شارك فيها عدد من المبدعين في مجال النقد والقصة القصيرة، احتفاء بتجربة المبدع القاص أنيس الرافعي من تقديم الطيب العلمي العدلوني، وتنسيق عبد الله الشيخ بحضور عدد كبير من المبدعين من مختلف المجالات والفنانين والنقاد، وذلك يوم الجمعة 13 يونيو 2025 في الساعة الثالثة بعد الزوال بفضاء المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء.
شارك في هذه الندوة كل من الدكتور جمال بندحمان، الدكتورة إيمان الرازي، الفنان عبد الله بلعباس، الدكتور سعيد منتسب والدكتور عمر العسري.
تضمنت أشغال هذه الندوة دراسات حول المجموعة القصصية الجديدة لأنيس الرافعي الموسومة ب «مارستان الأقنعة»، إلى جانب مجموعات قصصية أخرى لنفس الكاتب، واستهل المبدع الأستاذ سعيد كيحيا كلمته الافتتاحية باسم المدرسة العليا للفنون الجميلة ليشيد بالحضور المتنوع والمتميز، مقدما بورتريها للمحتفى به من إنجاز طلبة المدرسة مع التركيز على الاهتمام بهذه المبادرات لاستنبات الوعي الثقافي والفني بهذه المدرسة، ثم تلاه في كلمة ترحيبية بالحاضرين الأستاذ الطيب العلمي العدلوني رئيس جمعية منتدى شهرزاد للتربية والثقافة، معتبرا أن تجربة الكاتب أنيس الرافعي مشروع وازن واشتغال فريد على افتراضات التجريب، مما جعل الجمعية تكون مخلصة للقصة القصيرة ولهذا الاختيار النادر.
بعده تناول الكلمة الدكتور جمال بندحمان، كمتخصص في السيميائيات معتبرا أن المحتفى به يعيد اختراع الحكي مع كتابته للخطاب المضاعف من خلال خطاب السرد والصورة، خاصة في مؤلف « مارستان الأقنعة»، باعتبارهما تفاعلا لكتابة البرزخ ، ذلك الخطاب الذي يذيب منطق الخطوط الأرسطية.
كما اشتغل، أي الكاتب، على كتابة التعتيم بالإضاءة وكتابة البرزخ بطريقة تجريبية وتفاعلية بينهما، كما أن المجموعة القصصية فيها توليف بين المجرد والواقعي، حيث كل شيء يصبح مشروعا لبهلوان، معتبرا أن كتابات أنيس الرافعي لا تخلو من قاموس الآلات الأدبية الخيالية الذي يجتمع فيه برزخ الأجناس.
بدورها، تناولت الكلمة الدكتورة إيمان الرازي وهي متخصصة في تحليل الخطاب ولها عدة دراسات في المجال من بينها «الخطاب القصصي بالمغرب، أحمد بوزفور نموذجا» كما اشتغلت على العتبات النصية لتعيد إنتاج القارئ.
وأبرزت الرازي أن «مارستان الأقنعة» هو نص تحريضي في نظرها، أي عتبة تأويلية تحمل علامتين متشعبتين ضمن نسق سياسي، وتفكيك للحدود، تدعو فيه القارئ للخيال كبنية تأويلية وتحثه على خوض هذه التجربة، ثم إن الجنون لا يقدم في هذه النصوص كخلل بل كوسيلة لفهم الواقع، أما القناع فهو يضمر أزمة هوية، والغلاف يشكك في الثابت ويمثل بنية تأويلية قائمة بذاتها.
«الغلاف البصري هو عتبة سيميائية»، تقول إيمان الرازي، وقناع مشوه فيه الظل والفراغ الذي يحيل على عنصر السرد في هذه المجموعة، حيث تعتبر هذه المجموعة النصية نموذجا سرديا فريدا في الأدب العربي، وتعتبر جزءا مما يسمى ما بعد الحداثة، وطالبت الناقدة في ختام ورقتها القارئ بالمساهمة في التفكيك والتحليل لأجل الحصول على حوار مفتوح مع الذات.
أما الفنان عبد الله بلعباس الذي رافق في تجربته الكاتب بمساهمته برسومات موازية لهذه المجموعة بالأسود والأبيض، فقد تحدث عن ظروف إنجاز الصور الداخلية المصاحبة للنصوص القصصية بصورة شاعرية استطاع الفنان أن يخترع من خلالها نصوصا مركبة، اعتمد فيها على الملكة الإبداعية، استنادا لمرجعيات مرئية استمدت كينونتها مما هو مشهدي، فكانت شهادته في هذا اللقاء مختزلة ومركزة.
بينما حاول الدكتور سعيد منتسب أن ينجز قراءة أدبية مرتبطة بما هو خيالي في علاقته بالواقع، واعتبره سردا غير منفصل عن رسومات الفنان عبد الله بلعباس، مع التركيز على أهمية الجانب السردي مع الوقوف على أسطوريات رولان بارت، أما الرسومات فليست مؤثثة بقدر ما يجب التعامل معها كعلامات واستثمار للهوامش، واختراعها كان من موقع ثقافي في تركيبة خاصة لا تشبه شيئا آخر، أي أنها سرديات مضادة ثقافية وتتأسس على خبرة أدبية وذات هوية سردية منفصلة. كما نسب سعيد منتسب الهوامش والمتلاشيات للفنان بلعباس لاتجاه «البوب آرت»، مشيرا إلى أن هذه النصوص تحمل مفاهيم بورخيسية تساعد على إنتاج الدهشة.
أما المداخلة الأخيرة فكانت للدكتور عمر العسري، وهي مرتبطة بالمجموعتين القصصيتين السابقتين حيث يقتضي هذا التجاور المقصود، حسب رأيه، الحديث عن أهمية هذه التجربة. كما اعتبر بأن هذا العمل لون من التجريب وجد طريقه للقصة القصيرة، وهو عمل محمل بالفرجة ودعوة لفصله عن وظيفته الحكائية المعهودة،، واستشهد المتدخل بنصوص كأمثلة على ذلك، مع الحديث عن صورة البهلوان وإعادة بناء الهوية.
وختاما قرأ الكاتب نصا من إبداعاته ليختتم هذا اللقاء.