«مباشرة معكم» يناقش ملامح مابعد كورونا

د. مريم آيت أحمد: كورونا ستحررنا من الأنا الفردانية التي دمرت أدوار الجماعة الصلبة

أحمد شراك: صندوق التضامن مدخل من مداخل محاربة الهشاشة لما بعد كورونا أيضا

 

خصصت حلقة الأربعاء 29 أبريل الماضي من برنامج “مباشرة معكم” على القناة الثانية، موضوعها للأسئلة ما بعد كورونا على مستوى العلاقات الإنسانية والقيم ومستقبل العلاقات الدولية، وإمكانية انتصار قيم التضامن والتعاون بدا منطق الصراع والهيمنة الذي كان سائدا.

سؤال الإبداع

لفتت د. مريم أيت أحمد، أستاذة الأديان المقارنة بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة ورئيسة مركز إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية، إلى أن الأزمات جميعا تولد في دواخل الإنسان ثلاث محطات:
1 ‪-‬ مرحلة الصدمة
2 ‪-‬ مرحلة الخوف والتكديس
3 ‪-‬ مرحلة التكيف
4 ‪-‬ مرحلة التغيير وما بعد التكديس.
وفي كل هذه المحطات، المبدع ورجل الفكر عموما عليه أن يبدع ويحول الأفكار والمعرفة إلى أدبيات، مقدمة المثال بانكبابها على كتابة روايتين خلال الحجر الصحي الأولى بعنوان «تنين ووهان : رحلة حب في جزر كورونا» والثانية «ما وراء البيوت» وتناقش الأخيرة مغالطات الإنسان المحكوم بسلطة الأحلام التائهة والصمت العالمي للمشاعر ما قبل كورونا، وتمثل إحساس الشعوب التي تعاني الحروب والمجاعات والأوبئة والتي تعتبر مشاعر جديدة أصبح اليوم الجميع يعيشها عن قرب.
وأشارت أيت أحمد بهذا الخصوص إلى أن ما بعد كورونا سيكون إعلانا لميلاد جديد في رحلة البحث عن الذات وعن الحب الصلب، وليس السائل، الذي سنبحث عنه جميعا بين جزر كورونا.
الباحث وأستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس أحمد شراك، اعتبر بدوره فترة الحجر الصحي فرصة للكتابة و«حجرا ثقافيا» خصوصا أن الكاتب معتاد على العزلة، ولهذا لا يشعر بثقلها في الحياة اليومية، مشيرا إلى أنه سيصدر قريبا كتابا بصيغة PDF حول «كورونا والخطاب» وهو تأمل وتحليل للخطابات الرائجة حاليا في وسائل التواصل الاجتماعي والمبادرات الأدبية والكتب، لافتا إلى صدور العديد من الكتب في الشعر والقصة والرواية والتشكيل ما يدل على أن الحجر ساهم بشكل أو بآخر في زيادة منسوب الإبداع والتأمل.

ما الذي تغير ؟

سؤال التغيير وخاصة في الجانب القيمي منه، لا يمكن الجزم به حسب رئيسة مركر إنماء للأبحاث والدراسات، التي ترى أن القيم لا يمكن أن تتغير في شهر لأنها نسق لا يتجزأ وترتبط بالتربية، لافتة إلى أن القيم قد تعيش في مراحل وشروط معينة، أزمة كقيمة التضامن مثلا.
وتساءلت أيت أحمد عن الوضع إذا ما طالت هذه الأزمة، وكيف يمكن للقيم أن تحكم العلاقات مع الذات وأن تغير نظرتنا لأنفسنا وللآخر، وتدفعنا إلى التساؤل عن قيمة الزمن والحياة والموت والصحة والمرض وقيم الوطنية والقرب والبعد في المشاعر، والأهم تحديد الوطنية الثابتة بعيدا عن الوطنية أو الهوية العابرة للقارات.
ولم تنف مريم أيت أحمد أن كورونا ستصحح مفاهيم كثيرة إلا أن الأمر لن ينطبق على الجميع، لأن الأزمة الحالية كما أظهرت الجانب الخير، أظهرت في نفس الوقت أصحاب العقل الفرجوي والظواهر الصوتية التي أبانت عن حضور باهت من خلال الثقافة السائلة.
الجانب الإيجابي، كما أوضحت آيت أحمد، هو أن الوباء قد يحرر العلاقات الهشة داخل الأسر وداخل المجتمع من أوهام الأنا الفردانية، الأنا الافتراضية التي ضيعنا معها وقتا طويلا، الأنا التي دمرت أدوار الجماعة المجتمعية الصلبة وأدوار العقل الذكي الذي هاجر خارج الوطن.
وخلصت مريم آيت أحمد إلى أننا نحتاج بالفعل إلى مراجعات كثيرة في إطار فرز وعزل القيم، أي بين قيم التضامن وقيم الفردانية، وذلك عبر بوابة التعليم الذي في حضنه تتم تربية وترسيخ القيم، وبإعادة الاعتبار لرجال التعليم والفكر.
من جانبه، لم يخف الباحث السوسيولوجي أحمد شراك أنه رغم الصدمة التي أحدثتها جائحة كورونا، فإن قيم الفردانية ستستمر كسلوك وستستمر أيضا الأنانية والذاتية، مع الإشارة إلى أن هذا الاستمرار يتم جزئيا وعلى صعيد الأفراد.
على مستوى قيم التضامن، ثمن شراك إحداث صندوق التضامن وما صاحبه من إجراءات للتخفيف من وطأة تداعيات كورونا، إلا أنه وقف عنه نقطة مهمة وهي مدى استمرارية هذا الصندوق بعد أزمة كورونا، معتبرا أنه سيكون مدخلا من مداخل محاربة الهشاشة الاجتماعية، ما يجعل استمراره ضرورة لكن وفق ضوابط وقوانين تخدم التنمية.
وبخصوص معالم مرحلة ما بعد الوباء، اعتبر شراك أن الباحث لا يملك إلا اللايقين والطروحات النسبية، سواء في اللحظة الراهنة أو لحظة المابعدية، وكل تقييم للمرحلة لن يكون إلا بمثابة إسقاط أحلام ورغبات على واقع استشرافي، لافتا إلى أنه ينبغي الحذر أثناء تقييم ما سيأتي لأن الأمر معقد ويقتضي أخذ مسافة مما يحدث.

سؤال المستقبل

في محاولة لاستشراف المستقبل بعد كورونا، اعتبرت الدكتورة آيت أحمد أن سؤال المستقبل له مشروعيته الملحة، لأنه يدخل في إطار البحث عن تعاقد وطني جمعي يفعل الفرد المعطل ويعطل الأنانية المفرطة، وهو ما يضعنا أمام معطى جديد، ليس على مستوى علاقات المواطنين ببعضهم بل على مستوى علاقة المواطن بالوطن. فالوطن اليوم قطع مسافات طويلة بخصوص ملفات راكدة انتظرنا وكنا سننتظر سنوات لتحريكها كملف التعليم عن بعد الذي درسته المخططات الاستعجالية لعقود وبقي دون تفعيل، بالاضافة إلى العمل على جانب التقنيات والتكنولوجيا لبناء مجتمع المعرفة ثم تقنيات التواصل في العمليات الاحترازية وفي فصل المدن وحماية الأفراد.
وخلصت آيت أحمد إلى أننا نعيش اليوم درسا وطنيا لم ندرسه في قاعات الدراسة، كما أن المرحلة أثبتت أن الاستثمار في الإسمنت على حساب العقل الذكي والبحث العلمي، كان رهانا خاسرا ومن ثم فالدولة اليوم دخلت في مشاريع لتشجيع ورفع دعامة البحث العلمي، والاستثمار في الأفكار لإدراكها أن هذا الباب هو المدخل إلى المستقبل.
عالميا، ترى ايت أحمد أن مستقبل العلاقات الدولية ستتجاذبه ثنائيتان: الصراع والتنافس بين الصين وأمريكا، ثم التعاون المفتوح بين دول الجنوب وقد تتوحد الدول في مسألة نقص دعم الأسلحة مقابل موازنات الإنفاق العلمي وحماية الصحة.
وأضافت أيت أحمد أن السياسات الحكومية العالمية مطالبة بعد انتهاء الأزمة بإدماج السياسات الاقتصادية لأن السوق المعولمة ستصاب بتدهور اقتصادي، وستصبح في حاجة أكثر إلى الذكاء الاصطناعي الذي سيحسم المنافسة على السوق الدولية، هذا دون إغفال استعادة الدولة الوطنية لقوتها كفاعل أساسي في العلاقات الدولية في ظل تراجع دور الشركات المتعددة الجنسيات التي أثبتت عدم فاعليتها في الأزمة الحالية.
وبالنسبة للمغرب ترى مريم أيت احمد أن التحالف مع العمق والامتداد الإفريقي ضروري لاستشراف مستقبل مغربي أفرو عالمي.
وبحذر الباحث وعالم الاجتماع، أكد شراك أن المقاربة النسبية هي الكفيلة وحدها بتحليل واقع ومستقبل ما بعد كورونا،خصوصا في العلاقات الإنسانية، مشيرا إلى أن التغيير سيكون طفيفا وليس بالمعنى العلمي لأن هذا الأخير يحتاج إلى تغيير في الذهنيات والعقليات التي ترسخت ويعتقد الناس بيقينيتها، كما أنه سيعاد النظر في السلوك المدني نسبيا.
في العلاقة مع الغير، ستتغير، يضيف شراك، بعض التمثلات تجاه بعض المهن والوظائف كالأطباء والممرضين ورجال الأمن والتعليم. فالحجر والحاجة الملحة أعادت لهذه المهن قيمتها الحقيقية، بالإضافة إلى رد الاعتبار لمهن رجال النظافة وإعادة الاهتمام بالباحثين لتعزيز الأنا العلمية بالمغرب.
واعتبر شراك أن السؤال الأعمق اليوم هو سؤال البحث العلمي الذي يجب أن يعاد النظر في الميزانية المخصصة له.
وحول مستقبل العلاقات الدولية، أبرز شراك أن الأمر متوقف على ثلاثة مؤشرات:
الأسبقية إلى البروتوكول العلاجي، نجاعة تدبير الأزمة، ثم مساعدة الآخر. وانطلاقا ممن هذه المؤشرات، يقول، سيعاد النظر في تشكيلة عالم الغد، لافتا إلى أن المغرب معني كذلك بهذه المؤشرات، بالنظر إلى سرعة تنفيذ البروتوكول العلاجي ثم تدبير الأزمة في الداخل بحكمة، والتضامن مع إفريقيا.
ولاحظ شراك أن بعض الآراء التي تربط العودة القوية للمغاربة إلى الجانب الروحي هو للاحتماء من هذه الظرفية، فيها نوع من الالتباس لكونه يحمل معنى هجرة ، والحقيقة أن الجانب الروحي حاضر دائما ولو أنه يتكاثف في مناسبات معينة كالتي نمر منها، كونه يمثل ملاذا سيكولوجيا لاستمداد المقاومة وتحدي الإقامة الجبرية وما تطرحه من توتر وقلق. وحذر شراك في نفس الآن من اتخاذ هذا الجانب مطية لخرق قوانين الجماعة وإشاعة الخرافة.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 04/05/2020