شهد مسرح الحي البرتغالي بمدينة الجديدة، صباح الجمعة 10 أكتوبر 2025، تنظيم ندوة فكرية بعنوان «السينما والهجرة السرية»، وذلك في إطار فعاليات الدورة الرابعة عشرة من مهرجان الأيام السينمائية لدكالة، الذي انطلقت فعالياته مساء بتكريم الفنان الكبير يونس ميكري.
الندوة، التي أدارها مدير المهرجان والناقد والسيناريست خالد الخضري، سلطت الضوء على تيمة الهجرة السرية من زوايا فكرية وجمالية متعددة، بمشاركة كل من السيناريست والإعلامي عزيز الساطوري (الكاتب العام لجمعية نقاد السيناريو)، والروائي ثابت العياشي، والكاتب الدادسي صاحب رواية «قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط» الصادرة سنة 2021 عن منشورات جامعة المبدعين المغاربة بفاس.
في مداخلته، تحدث عزيز الساطوري عن ظاهرة الهجرة السرية باعتبارها قضية كونية تمسّ الإنسانية جمعاء، وغالبًا ما تنتهي بمآسٍ مؤلمة، مؤكدًا أن هذه الظاهرة في المغرب اتخذت شكل “قوارب الموت” التي أودت بحياة عدد كبير من الشباب، وأهدرت ثروة بشرية مهمة. وأضاف أن تعدد أسباب الهجرة يجعلها ظاهرة مركّبة، تختلف مقاربتها من فنان لآخر، وتظل مفتوحة على رؤى متعددة حتى يتحقق التغيير الجذري المنشود.
أما الكاتب الدادسي، فقدم تصوره حول العلاقة بين الأدب والهجرة، مستحضرًا جذور هذا الارتباط منذ ملحمة جلجامش والأوديسا، مرورًا بأدب الرحلة والفروسية، وصولًا إلى الرواية الحديثة، مع استحضار تجارب مهاجرين عرب مثل طه حسين والطيب صالح وعبد الله العروي وغيرهم.
وتحدث الدادسي عن روايته «قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط»، معتبرًا إياها عملاً قابلاً للتحويل إلى فيلم سينمائي، لأنها تعالج موضوع الهجرة من خلال شخصيات تعيش المأساة والأمل في آن واحد. وأوضح أن البحر في الرواية يروي قصصًا متعددة من المعاناة، منها قصة شاب إفريقي من ساحل العاج قطع رحلة طويلة نحو أوروبا، وفتاة سورية تهرب من الحرب لتجد في المغرب الأمان والسكينة. وأضاف أن الرواية تتناول أيضًا قضايا الخير والشر والبحث عن القيم المثلى، وتجسد المغرب كأرض استقرار وملتقى للثقافات الإفريقية والعربية.
من جانبه، أوضح الروائي ثابت العياشي، الذي ناقش روايته «قوس قرم»، أن على الكاتب أن يصغي أكثر مما يتحدث، موجّهًا شكره إلى خالد الخضري على حسن اختيار موضوع الندوة. وقال إن “وجود مثل هذه اللقاءات في مهرجان سينمائي ليس صدفة، لأن السينما والأدب وجهان لعملة واحدة، يستمد كل منهما إلهامه من الآخر”.
وأشار العياشي إلى أن الهجرة كانت دائمًا مصدر إلهام للحضارات والأديان والفكر الإنساني، موضحًا أن تجربته في الكتابة عن الهجرة جاءت نتيجة احتكاكه المباشر بعدد من المهاجرين السريين، وقراءاته لأعمال تناولت الظاهرة مثل «سماسرة السراب» لبنسالم حميش، و«انتحار المبدعين»لمتقي اشهبار، وغيرهما.
وأكد العياشي أن من أبرز دوافعه للكتابة إيصال رسالة إنسانية وتحذيرية للشباب، لتنبيههم إلى المخاطر المأساوية التي تنجم عن خوض تجربة الهجرة السرية. وذكر أن أحد قرّائه، وهو المفكر المقرئ أبو زيد، أهدى روايته لإحدى الفتيات التي كانت تفكر في الهجرة، فعدلت عن الفكرة بعد قراءتها لما لمسته من عمق وتجسيد واقعي للمأساة.
وأكد العياشي أن روايته التي تحمل بعدا بصريا واضحا، يصفها القرّاء بأنها “فيلم صامت مكتوب بالحروف”، لما تتضمنه من صور إنسانية مؤثرة وأبعاد فكرية عميقة.
وقد توّجت الندوة بنقاش مفتوح مع الحضور، أبرز قيمة الأدب في علاقته بالسينما، وما يمكن أن يجمع بين الكلمة والصورة من تكامل فني وإنساني. كما شدد المتدخلون على أهمية تيمة الندوة التي شكّلت فعلًا فضاءً حقيقيًا للبوح والتعبير الواقعي عن معاناة المهاجرين وتطلعاتهم، وجسرًا للحوار بين المبدعين والمثقفين الذين جعلوا من إبداعهم وسيلة لتناول قضية الهجرة من مختلف أبعادها الاجتماعية والإنسانية.
مبدعون يناقشون الهجرة السرية من زاوية سينمائية وأدبية في مهرجان دكالة السينمائي

الكاتب : الاتحاد الاشتراكي
بتاريخ : 19/10/2025