مبضع السيلفي .. «مجتمع اللاَّتلامُسَ: سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل -6-

إهداء
إلى مايا، صولال، ونوح :
أَبدًا، لاتَنْسُوا أَنْ تَظَلُّوا
بأعْيُنٍ مُتَطَلِّعةٍ، و أيَادٍ مَمْدُودَةٍ.

مقدمة
لَوْ كانَ بحوزةِ راكِبِي “تَيْتَانِيك” “هواتفُ ذكيةٌ / SMARTPHONES”، كَمْ كانَ سَيَبْلُغ عَدَدُ الَّذين سينْساقُونَ وراءَ إغْرَاءِ الْتِقاطِ سيلفيّ، رُفْقَةَ الأوركستر البُطوليّ، الَّذي ظلَّ يُواصلُ العزفَ حتَّى لحظةِ الغَرَقِ؟
يَقُودُ بِاستمرارٍ، هذا البحثُ عَنِ «اللَّايك»، جنباً إلى جنبٍ مع التَّنْمِيطِ المِعْيَارِي لِلْجَمَال، المَزِيدَ مِنَ الشَّبَابِ إلى طَاوِلاَتِ غرفةِ العملياتِ، حَيْثُ يَفْرِكُ الجَرَّاحُونَ، بِالفِعْلِ، أَيْدِيهِم أمامَ هؤلاءِ الزُّبَنَاءِ الجُدُدِ.
وِفْقَاً لِدِرَاسَةٍ حديثةٍ، تَمَّ إِنْجَازُهَا بتكليفٍ مِنَ (L’IMCAS)، والَّتي تَضُمُّ أَخِصَّائِيِّي الصِّحَةِ، يَلْجَأُ الأشخاصُ الَّذين تتراوحُ أعمارهم ما بين 18 و 34 سنة، بِشَكْلٍ مُتَكَرِّرٍ، إلى الجِراحةِ التَجْمِيلِيَّة، أَكْثَرَ مِنَ الأشخاص الَّذينَ تتراوحُ أعمارهم ما بين 50 و 60 سنة، وهذه سابقةٌ في فرنسا.
الجراحةُ التَجْمِيلِيَّة، الَّتي ظَلَّتْ حِكْراً على العُمْرِ الثَّالِثِ، تُصْبِحُ إِذَنْ، إِجْرَاءً تِلْقَائِيًا لَدَى الفِئَةِ الأَكْثَرَ شباباـ، على صَعِيدِ ضِفَّتَي المحيط. فهذا استطلاعٌ لِلرَّأْي، نَشَرَتْهُ أكاديميَّة الجراحة الأمريكيَّة، يُشِيرُ إلى أَنَّ 55% مِنَ الجرَّاحينَ المُسْتَجْوَبِينَ، أَجْرَوا، خلال سنة 2017، عملياتٍ جراحيةٍ لِزُبَنَاءَ يرغبونَ في تَجْمِيلِ مظهرِهم عبر السيلفيّ.
نُزُوعٌ شَرَعَ في الإِطِّرَادِ مُنْذُ سنة 2014. الجراحةُ التجميليَّةَ لِلْجُفُونِ، وكَذَا الجراحة التجميليَّةَ لِلأَنْفِ (Rhinoplasties)، تَتَصَدَّرَانِ قائمةَ الطَّلبات، و إذا كان الأنفُ، في النُّقطةِ المركزيَّة من الوجه، ومن كُلِّ الإهتماماتِ، فَإِنَّهُ (الأنف) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعَ صورةٍ مُلْتَقَطَة بواسطةِ هَاتِفٍ “ذَكِيٍّ” / “Smartphone”، تُنْتِجُ أَثَراً تَحْرِيفِيّاً بِفِعْلِ عَامِلِ القُرْبِ، وذلك عَبْرَ تَمْطِيطِ ما يقاربُ الثُلُثْ مِنْ حجمه، أُشَجِّعُ إِذَنْ، مُدْمِنِي السيلفيّ على التَّرَاجُعِ، (بِالمَعْنَيَيْنِ الحقيقي كَمَا المَجاَزِي)، حَتَّى يَتَسَنَّى لَهُمْ أَنْ يَقَوِّمُوا، مَجَّاناً، أُنُوفَهُم.
لَكِن، أَنْ تَأْخُذَ مسافةً مِنْ نَفْسِكَ، لَيْسَ بِمِثْلِ تِلْكَ السُّهولةِ الَّتِي نَعْتَقِدُ، فالسيلفيّ يَبْقَى في الصَّمِيم مِنْ مَوَاقِعِ التَّواصُلِ الاجتماعيِّ. صورةُ الذَّات، بَدْءاً مِنْ صورةِ البروفايل، وُصُولاً إلى تطبيقاتِ المواعدةِ، (Applications de Rencontres)، هي ما يُنْشِئُ فِعْلَ المحادثةِ، كَمَا لَو كانتْ بَذْرَةً نَحْوَ علاقةٍ محتملةٍ.
حَدَّدَ على سَبيلِ الحَصْرِ، فَرِيقٌ مِنَ الباحثاتِ الجامعيَّات، من جامعة بوسطن، بَعضَ المَصَافِي الخَاصَّة “بأنستغرام” (Bad Botox , Fixme, Plastica)، والَّتي تَعمَلُ على مُحَاكَاة صورةِ الذَّات “وقَدْ عَادَتْ مِنْ قِسْمٍ الجراحة “.
مَصَافٍ تَعْمَلُ، حَسَبَ الأَخِصَّائِيِّينَ العِلْمِيِّـينَ، على تَتْفِيهِ المُمَارَسَةُ الجِرَاحِيَةُ، مانِحةً الإمتيازَ لِنَوْعٍ من فوبيا “اضطراب التَّشَوُّه الجسديّ”/”Dysmorphophobie”، بما هو اضطرابٌ مُصَنَّفٌ ضِمْنَ نِطَاقِ “الوسواس القهري”/”Le Spectre Obssesionnel Compulsif”*، والَّذي يَطَال 2% من ساكنةِ العالَم، وذلك طِبْقاً لِدِرَاسَةٍ طِبِّيَةٍ، أَصْدَرَتْهَا مكتبة الطِّبّ الأمريكيّة سنة 2018.
تَعَدُّدُ المَصَافِي الَّتي تُطَابِقُ بَـيْنَ الوجه، وَبَيْنَ النَّمَاذِجِ المِعْيَارِيَة لِلْجَمَال، لَهُ أيضاً، مَفْعُولُهُ العَكْسِيّ، إِذْ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَعْضَ المُسْتَخْدِمٓينَ أَسْرَى عِشْقَ الصُورَة المُحَسَّنَةٍ عَنْهُم، وهذا تحديداً، ما اعترفت به مُراهقةٌ باريسيةٌ بِعُمُر12 سنة، في استجوابٍ أَجْرَتْه معها يوميَّة لوموند : “كما لو كانت مُخَدِّرَاً، يُمْكِنُ لِلْمَصَافِي أَنْ تَجْعَلَكَ غَيوراً مِنْ نَفْسِكَ، لأنَّكَ تريد أَنْ تَكُونَ تلك الصورة، الَّتي تراها عبر مُؤَثِّرَاتِ المَصَافِي”. يَكْفِي فقط، أَنْ تَتَقَاسَمَ بِانْتِظَامٍ، مع هؤلاءِ الشَّغُوفِينَ بِالرَّقْمِيِّ، مِنْ نَفْسِ العُمُرِ، لِتَعْلَمَ أَنَّ هذه المراهَقة بعيدةٌ عَنْ أَنْ تَكُونَ حَالَةً شاذَّة ومعزولة.
عَدِيدُون هُمُ المُصابونَ بِعَرَضٍ آخرَ “سناب-شات ديسمورفيا”/”SnapChat Dysmorphia”، أي إِرَادَةُ التَّشَبُّهِ بالصور الشَّخْصِيَّة الَّتي تَمَّتْ تَصْفِيَتَهَا، بمعنى الحاجة لِأَنْ يَتَشَبَّهُوا، أَيّاً كان الثَّمَن، بِصُوَرِهِمُ الرَّقْمِيَّة المُعَدَّلَة. لذلك مِنَ النَّادِرِ جِدّاً، أَنْ يَظْهَرَ الشَّخْصُ بِصُورَتِهِ الطَّبِيعِية على وُجَاهَةِ / “Interface”هذا التَّطْبِيق.
يُجَسِّدُ المُسْتَخْدِمُونَ دَوْماً، إِسْقَاطاً مُعَدَّلاً عَنْ أَنْفُسِهِمْ، كما لو كان قِناَعُ جَمَالٍ سَهْلُ المَنَالِ. مَصَافٍ، تُخْفِي التَّجَاعِيد والاحْمِرَار، وتُعِيدُ رَسْمَ مَلاَمِحِ الوجه على مَقَاسِ عَارِضِيْ الأَزْيَاء، الَّذين يَشْتَغِلُونَ على صِنَاعَةِ صُوَرِهِم. هَلْوَسَاتٌ تُفَخِّخُ إِدْرَاكَنَا. العديدُ مِنَ الجرَّاحينَ أَدْرَكُوا جَيِّداً، هذه الإنشغالاتِ الجديدةٓ، واستعملوا أيضاً، هذا المبضع، مِثْلَمَا استعملَته مواقع التَّوَاصُلِ الاجتماعيِّ.
يُوَظِّفُونَ حسابَهم على “أنستغرام”، مِنْ أَجْلِ عَرْضِ مُنْجَزَاتِهِم، قَبْلَ وَبَعْدَ العمليَّة، ويستعملون “الهاشتاغ”، لِلتَّعْرِيفِ بِأَنْفُسِهِمْ أَكْثَرَ. ثَمَّةَ أَطِبَّاء، بَعْدَ موافقةِ الزَّبُون، يَذْهَبُونَ إلى حَدِّ عَرْضِ تَدَخُّلاَتِهِم الجراحية على “السناب-شات”، رغبةً منهم في تحقيق إغراءٍ، على المباشرِ، “لِمَواليدِ الرَّقْمِيّ” الجُدُدْ.
إِجْرَاءٌ تِجَارِيٌّ، بَعِيدٌ عَنْ أَنْ يُشَرِّفَ أخلاقياتِ المهنة. هذا الاتِّصَالُ المُحَاذِي لِلْإِشْهَارِ، وَالمَمْنُوعِ قَانُونَاً، يبدو كما لو أنَّه مَوْضُوعَ تسامحٍ كبيرٍ من طرف مجلس هيئة الأطبَّاء. إِنَّهُ تصاعدٌ واعدٌ بالنِّسْبَةِ إلى سُوقِ الجِرَاحَةِ.
بِقَدْرِ ما يَعْرِضُ الشَّبَابُ صُوَرَهُ، بِقَدْرِ ما يُلاَقِي جَرَّاحِينَ، على مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الاجتماعيِّ، و بِالْقَدْرِ نَفْسِهِ، يكون هؤلاءِ الشَّبَابُ مَوْضُوعَ إِغْرَاءٍ، بِإِجْرَاءِ عمليَّةٍ جراحيَّةٍ.
لِنُنَبِّه على أَيٍّ حالٍ هنا، إلى مسألةِ تَكْوِينِ الأَطِبَّاءَ الجَرَّاحينَ، فَحَسَبَ صحيفة نيويورك تايمز، أَصْبَحَتِ اليَوْمَ، أَيْدِي الجَرَّاحِينَ الشَّبَاب، أَقَلَّ خِفَّةً ورشاقة، أَمْرٌ يَعُودُ، أَغْلَبَ الظَّنِّ، إلى طُولِ إِدْمَانٍ على الشَّاشَةِ، مِمَّا يُقَلِّصُ كَثِيراً مِنٔ كَفَاءَةِ النَّشَاطِ اليَدَوِيّ أَقْتَرِحُ تَجْرِبَةً بسيطةً لِأَخْتِمَ حديثي عن الجراحة، تَلَمَّسْ بِإِبْهَامِكَ مِفْصَلَ خَنْصَرِكَ (ذاك المُحَاذِي لِلظَّفْر)، إذا ما اسْتَشْعَرْتَ وُجُودَ انْتِفَاخٍ بسيطٍ، فَاعْلَمْ أَنَّ الأَمْرَ يَعُودُ إلى وَزْنِ هَاتِفِكَ المحمولِ، لِأَنَّهُ، في هذا المَوْضِعِ، يَسْتَقِرُّ هذا الشَّيءُ الثَّمِينُ الَّذي قَدْ تُطَالِعُهُ، أحياناً، لِأَزْيَدَ مِنْ ثَلَاثِ ساعاتٍ يوميّاً. يُقَابِلُ هذا الِإنْتِفَاخُ نُتُوءُ الكِتَابَةِ على الأُصْبُعِ الأَوْسَط، جَرَّاءَ اسْتِعْمَال الأَقلاَم، في القرن العشرين. بمناسبةِ الحديثِ عَنِ الإِبْهَامِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى الأُصْبُعَ الأَكْثَرُ تَعَرُّضاً لِلْإٍصَابَةِ بِالْتِهَابِ الأَؤتَارِ.
لَقَدْ أَوْضَحَتْ دِرَاسَةٌ بريطانية، كيف أَنَّ 5% من المواطنين البريطانيين، لَهُمْ، وَلِنَفْسِ العِلَّةِ، إِبْهَامٌ أَضْخَمَ مٓنَ الآخَرِ. الهَوَاتِفُ “ الذَّكِيٌةُ “، نَقُولُ : لَاتُحَوِّلُ فقط، صورة الإِنْسَان الرَّقْمِيِّ / “Homo Numéricus”، بَلْ تَذُهَبُ إلَى حَدِّ تَعْدِيلِهِ فيزيولوجياً.


الكاتب : محمد الشنقيطي / عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 02/09/2023