مثقفو مراكش يحتفون بتجربة رائد الدراسات الشرقية الدكتور أحمد شحلان

التأمت يوم السبت25 ماي الجاري بمدينة مراكش، فعاليات المجلس الفكري لمركز عناية وتنسيقية الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بمراكش في نسخته الثامنة، وذلك باستضافة عميد الدراسات الشرقية وعضو أكاديمية المملكة المغربية الدكتور أحمد شحلان، بمناسبة صدور الجزء الأول من سيرته الذاتية «سن الذهب.. مسيرة وسيرة»، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين والشعراء.
وفي افتتاح المجلس الفكري ذاك، أثار الدكتور مصطفى غلمان رئيس مركز عناية ، وبخلفية ثقافية لحظة الوعي بالذاكرة وإعادة إحيائها وترسيم مباهجها، معتبرا أن الحضارة في أجلى صورها، وأعلى مراتبها، تنضبط لمياسم تأريخ أبنائها لها، وتجسيرها لرؤى التمدد والسيرورة والملاحقة.
وأضاف غلمان، الذي كان يتحدث أمام حضور نوعي باذخ من المثقفين والعلماء والإعلاميين، والمهتمين، أن الوجود الثقافي يحتاج منا الإنصات لذوات المجربين أوراد المجد والمدينة، وصانعي الأحداث والشواهد النابضة بالنجاحات والدوافع، مبرزا في الشأن ذاته، أن قراءة المنجز السيرذاتي لكبار المفكرين والعلماء، هو بالضرورة تأسيس لقراءات متجددة للمجتمع وتوثيق لاحتياجاتها وآثارها على البناء والاعتداد.
وقال الشاعر غلمان إن مركز عناية وتنسيقية الائتلاف ومؤسسات أخرى، معنية بهذا النوع من المنجز الأدبي والفكري، دعيا إلى الحفاظ عليه واستمراريته، والالتزام بتحقق أهدافه، لأنه ـ يؤكد غلمان ـ يبرهن على حكمة التاريخ وثقافة الإنسان واقتداريته على الاختيار وإفراز الجهود والفوز بسعادة الهوية.
في السياق عينه، جددت الشاعرة فوزية رفيق رئيسة تنسيقية الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بمراكش، استشراف الفاعلين في التنسيقية لقضايا اللغة ومداراتها، وحضورها الرمزي والثقافي والهوياتي في النسيج الوطني. ودعت إلى توطين هذه الزاوية من الفعل الثقافي، معتبرة لحظة الاحتفاء بتجربة المفكر الدكتور أحمد شحلان، فارقة ومؤسسة لتلكم الدينامية التي ما فتئ الجميع ينهض بها، في ظل هجوم فظاعات الرداءة وتحولات الأقنوم الرقمي وإفرازاته الوبائية الجسيمة.
إلى ذلك أجاد الدكتور حسن المازوني، أستاذ التعليم العالي، في توتير العلاقة بين كائن الزمان والمكان المبثوثين على طول نص «سن الذهب»، المليء بالتوثبات والامتدادات والبحث عن التخوم في أوتار السيرة وميازيبها.
ولفت الدكتور المازوني الانتباه، وهو يرصد هذه الأبعاد الثاوية نصوص السيرة الفاخرة، إلى احتدام مفهوم المجال الاجتماعي وفعله في سيرورة الأحداث وقابلياتها المعرفية والحسية، مسطرا جملة من الاختيارات القائمة على إبراز الخصائص وأشكال الحضور وتناغمهما على ضوء التقيد بحسن التصنيف وإبداعه وتوتره.
وأثار المتحدث آثار وعمران تشكل هذا الوعي بتحويل الأمكنة وأزمنة الوقائع إلى علامات فارقة في الوعي والإنسان. كاستذكار حالات الأماسيد (الكتاب) في حي منبت الطفولة، وترسيم أضواء ومفازات شخوصها وأدوارها وطلائعها، كما هو الحال في ذكر مساعدي الفقيه، وما يكتنزه هذا الأخير من سلط رمزية في الوجدان الشعبي والاجتماعي، ثم إتحاف القارئ بأيام المسيد ولياليه …
واستزاد الناقد الدكتور عبد العزيز لحويدق، إزاء هذا المنجز الأدبي والتاريخي، جملة من الحقائق، ضبطا لمفاهيم تؤسس الخلفيات المعرفية والأدبية والبلاغية للمتن المقروء «سن الذهب»، وهي علامات تقيم باستقامة الوعي وتوهجه، لدى الرائين المتمحصين للتاريخ والطفولة والأسرة والمدرسة والشارع العام وغيره، سرعان ما تتوتر فيه ومن خلاله، أبنية متاخمة للمعنى والمآلات الموازية، يقول لحويدق.
وأفاض الباحث المحاضر، في توسيع وإبراز مرجعيات النص المقروء، سوسيولوجيا ولغويا، مؤكدا على إذكاء الرغبة في اكتشاف العوالم الأخرى، الخفيو والخلفية، ما يستشعرنا بإذكاء نزعة التبليغ عن استنادات الرائي وهو يتفحص السيرة المسيرة، مشددا على أن التعدد في السرديات، بوصفها أنماطا متجافية ومتمنعة، هو في الأصل بحث ناجز للهوية والفهم الحقيقي للغة والثقافة والانتماء.
أما المداخلة الأخيرة، والتي ألقاها الأكاديمي الدكتور مولاي المامون لمريني، فقد كشفت عن استحقاق الكتاب المحتفى به، التصنيف السوسيولوجي الضابط لتوجهه والتقائيته. حيث يندمج التاريخ بالمرويات، والأحداث بالخلفيات الثقافية والهوياتية، والأنساق المطعمة بإزائها لما تحبل به التواريخ بما يصفه «وثائق» تروم إعادة تصحيح الفهوم والأنساق المحايثة.
وأكد لمريني، انطلاقا من العلاقة التي تجمعه بالكاتب، أستاذا وأكاديميا وصديقا، على أهمية استحضار المعرفة، خلال صياغة الكتابة السيرذاتية، متحدثا عن لغة شحلان ومتانة رصده للمعطيات والحقائق المبثوثة في النص.
ويرى المتدخل نفسه، أن الضرورة هنا تقتضي التماس توتير المتن من الداخل، وتأمين بروزه ككيان حاضر وشفيف في علاقته بالمجتمع والخلفيات الزمنية والإنسانية، معددا درجات هذا الارتهان، على أساس أن يتشكل التفكير فيه ومنه، انطلاقا من تأطيره كبنية نصية توثيقية لا يمكن اختالها فقط، في القراءة السطحية.
وألقى الشاعر الكبير الأستاذ إسماعيل زويريق، قصيدة عصماء مهداة لأحمد شحلان، مستذكرا زمانا ناهز الستين حولا، كانا فيه معا يتربصان بالحياة، ويستطعمانها كأنها فورة في خيال جامح.
وفي انفتاح المجلس الفكري على النخبة المشاركة والحاضرة، جاءت كلمات كل من النقيب الأستاذ عمر أبو الزهور والباحثة الأستاذة سعاد الكتبية، والإعلامي مولاي عبد الواحد الطالبي، والشاعر والإعلامي محمد الصقلي وآخرين، (جاءت) متسقة مع فضيلة الاعتراف بمنجز المحتفى به الدكتور أحمد شحلان، مناشدين الجهات المعنية بالثقافة والفنون، تطوير آليات المعرفة بالثقافة الوطنية ورموزها، وتأثير ذلك على أبنائنا في المدرسة والجامعة.


الكاتب : مراكش: خاص

  

بتاريخ : 29/05/2024