“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل 20 : اليابان: معبد الحب الافتراضي

نلقبهم النباتيين/Herbivores» أو «الأوتاكو/Otaku»، هؤلاء الأشخاص الذين يبحثون عن المتعة في عوالم متخيلة. يعيشون في اليابان، البلد الذي يعرف واحدا من أكثر معدلات الولادة انخفاضا في العالم. خلال سنة 2005، كان ثلث العازبين اليابانيين البالغين من العمر مابين 18 و 34 سنة عذارى، وبلغ هذا الرقم 43 بالمائة خلال سنة 2015. هذا النزوع صوب «لا جنس»، اندرج، منذ زمن بعيد، ضمن أعراف البلد. حسب «رولاند كيلتز/Roland Kelts» الكاتب الأمريكي من أصول يابانية والمختص في الموضوع، لا يعمل هؤلاء العزاب على تغيير وضعيتهم، والكاتب يرى فيهم «جيلا يوثر الليبيدو الافتراضي على المتطلبات التي لانهاية لها أو غير المتوقعة والمترتبة عن العلاقات مع النساء». ماذا لو كان الشاب الياباني هو إنسان الغد؟ ماذا لو اكتسح الحب الافتراضي مجموع أرجاء الأرض؟
يكفي أن نرى في العالم برمته قاعات الحفلات الموسيقية، المكتظة، تماما، بشبيبة تردد كلمات «ميكو هاتسوناي/Miku Hatsuny»، مغنية في السادسة عشر من عمرها، بشعر «فيروزي/Turquoise»، خاصيتها أنها كائن افتراضي. من أماكن مختلفة تقاطر خمسة آلاف معجب فرنسي لإعلان تقديرهم لمفاتنها المصورة بمنتهى الدقة أثناء حفل موسيقي باريسي. في اليابان، يحظى هذا الكائن المصنوع، وبكيفية منتظمة، بتصدر المبيعات وبإحياء المقاطع الأولى على خشبة المسرح حتى قبل بعض الشخصيات الشهيرة ك»الليدي غاغا/Lady Gaga». صوتها المصنوع المركب ومتعدد الأوجه يمكنه أن يصدح بموسيقى الروك كما بالموسيقى الكلاسيكية. كل شيء يتوقف على البرمجة الأولية. يمكن لـ»ميكو هاتسو ناي» أن تغني حتى التأليفات الموسيقية التي يقدمها جمهورها الخاص.
منذ أن أحدثتها مقاولة ياماها/Yamaha» سنة 2007، وضعت الشركة رهن إشارتها برنامجها «Vocaloid» الذي يسمح للحشد باستغراق صورتها لإشباع كل استيهاماته المبدعة. لقد حققت «هاتسو ناي» ما لا يستطيع أي نجم آخر تحقيقه: أن تقدم الانطباع بانتمائها، كلية، إلى جمهورها، وتقوم مقاولة (Gate box) بتسويق علبة صغيرة على شكل صالون تظهر، داخله، «هاتسو ناي»، عبر تقنية الهولوغرام. صيغة أخرى لأن تضع استيهاماتها تحت واجهة زجاجية مقابل 2500 أورو. وعد (Gate Box) شفاف للغاية :»عيشوا، يوما، مع الشخص الذي تفضلونه» يمكن للهولوغرام أن يتجاذب وإياكم أطراف الحديث وHن يبعث إليكم برسائل نصية قصيرة، وأن يتمنى لكم يوما طيبا، وأن يخبركم بموعد نوم حان وقته مطفئا، بذلك، أنوار الغرفة.
في شهر أكتوبر من سنة 2018، قام الياباني «اكيهيكو كوندو/Akihiko Kondo»، البالغ من العمر 35 سنة بتنظيم حفل زفاف كانت فيه العروس المغنية الافتراضية، أكثر من أربعين شخصا جاؤوا لإحياء الحفل ثلاثي الأبعاد وبأيديهم نخب على شرف العروسين. باشر «اكيهيكو» عملية تبادل خاتمي العرس متأقلما مع صيغة الدمية التي يمكن أن يسميها، من الآن، زوجته. طبعا لم تكن لهذا الزواج أي قيمة قانونية، لكن هذا الموظف المنحدر من طوكيو، كان يبحث، تحديدا، إمكانية تمرير رسالة. كان يأمل أن يدفع هذا «الزواج» بكل الذين يعانون في صمت مشجعا إياهم على الانخراط حتى يتم الاعتراف بهم كـ»أقلية جنسية» أنقذتها «هاتسو ناي» من حياة عزلة ومعاناة ولدتهما صعوبات في العلاقة مع العنصر النسوي. كان يناضل لأجل أن يعترف المجتمع بهذا النمط الجديد من الحب. «هاتسو ناي» مناصرة لـ»تعدد الأزواج/Polyandrie»، لأن شركة (Gatebox) تسلمت ما يقارب 4000 عقد زواج من هذا النمط الجديد ويمكن، الآن، لـ»أكيهيكو» أن ينام، كل مساء، قرب زوجة دائمة الانتباه والانشراح، لا تشيخ ولا تموت في كل الأحوال.

كلاب «إيبو» الإصطناعية، أو الأوهام الأليفة

«أكيهيكو كوندو» ليس رجلا متوهما، ولكنه موظف مندمج، بقوة، داخل العالم المهني، يبحث إمكانية أن يلهم مواطنيه وسيكون من الخطأ اختزاله إلى مجرد كاريكاتير شخص أسطوري شارد. يحتفظ اليابان أكثر من الغرب بعلاقة أكثر اندماجا مع التكنولوجيات الجديدة.
شرعت في الاهتمام بروبوتات «ايبو»، التي صممتها شركة «سوني» في الفترة مابين 1999 و 2006. هذه الروبوتات التي أخذت شكل كلب صغير أثارت، داخل البلاد، موجة من الضجات يمكن أن تبدو لنا كما لو كانت غير معقولة. لكن للقلب، بعد كل شيء، اعتباراته التي يتعذر على العقل أن يتفهمها.
لكل واحد من هذه الكلاب الأليفة والمصاحبة للإنسان مزاجه الخاص، غالبا ما تذعن لأوامر أصحابها، لكن ليس بشكل منتظم، وهو ما يمنحها، مظهريا، خاصية الوعي وحرية اتخاذ القرار. لقد عثرت هذه الكلاب، 50000 «إيبو»، على ملجأ لها في منازل اليابانيين، الموسرين منهم خصوصا، (كانت القطعة الواحدة تكلف صاحبها، مع ذلك، 2500 أورو) إلى حد أنها غدت كما لو كانت واحدة من أفراد الأسرة إن نحن اعتقدنا في الشهادات المستقاة من قبل «نيويورك تايمز». ربوتات محببة، لكن ليست خالدة، استنفدت، على امتداد السنوات، كامل وظائفها مخيبة، بذلك، آمال مقتنيها الذين لم يتوقعوا احتمال اختفائها. حينما قررت شركة «سوني»، سنة 2014، إغلاق آخر عيادة رسمية لـ»إيبو»، لم يعد أمام مالكي هذه الكلاب إلا أن يبعثوا بها – وقد باتت معيبة جراء عطل في أجهزتها – إلى مقر مختص أنشئ، على عجل، من طرف الخواص. هكذا اختصت مقاولة في سوق التصليح مستفيدة، بذلك، من قطع غيار البعض منها لأجل تصليح البعض الآخر، في ما يشبه عملية زرع للأعضاء من نوع آخر. وعندما يقف الطبيب المؤقت عاجزا عن القيام بما يلزم، يلجأ إلى تنظيم مراسيم جنائزية للتخفيف من وطأة اختفاء هذه الكلاب الآلية. هكذا نفهم كيف كان الحق ل 114 كلبا روبوتا في مراسيم جنائزية كبرى سنة 2018، داخل معبد بوذي في منطقة «شيبا/Chiba»، وقد اعتبر القس الذي أشرف على هذا الاحتفال الجنائزي «أن لكل الأشياء روحا صغيرة». تحمل كل هذه الكلاب الميكانيكية بطاقة عليها اسمها، ومدينتها الأصلية، وأيضا كلمات رقيقة من مالكيها لتصحبها في رحلتها الأخيرة هاته! وقد استفاد منذ ثلاث سنوات ما يقارب 800 روبوت/كلب من تكريم كهذا. لم تجر هذه الاحتفالات الدينية ضمن حس روحي من الدرجة الثانية، لأن مالكي هذه الآلات استثمروا، بالفعل، عاطفة حب حقيقة إزاءها، ومنحوها من وقتهم وربما أودعوها أسرارهم الكبيرة. أن يروها، هكذا، تختفي، فذاك تمزق ينفطر له القلب.
ما يبدو مهما، هنا، هو بناء الرابط إنسان – آلة. ثمة نزوع لدى الإنسان لأن ينسى أنه بصدد محادثة حاسوب لا روح له. بدلا من ذلك، يجنح إلى الاعتقاد في الامتداد الروحي للروبوت. قدر ما تبدو هذه الآلات أصلية، بقدر ما يكون صعبا التخلص من سطوتها. تهيء هذه الجولة صحبة الكلب «ايبو» للمرحلة الموالية حول طفر الروبوتات الملازمة للانسان والتي تسهم، على الأخص، في مقاومة الإحساس بالوحدة. منتجات صناعية تجمع، اندماجيا، بين آلة القراءة الذكية «Machine Learning»، والذكاء الاصطناعي والأنسنة «Anthro Pomorphisme».


الكاتب : محمد الشنقيطي / عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 03/04/2024