“مجتمع اللاَّتلامُسَ”: سيلفي لعالم آيل للانهيار» لفرانسوا سالتييل -08- كاميرات، لاسْتِبَانَةِ عواطفنا

سنة 2019، تَوَدَّدَت المقاولة الفرنسية «Two-i» إلى المجلسِ البلديّ لمدينةِ نيس ، لتقترحَ عليه برنامجاً ثوريّا قادراً على كشفِ الاختلاجاتِ العاطفيَّة، التي تُرْتَسَمُ على الوجوهِ المُسَجَّلَةِ صُوَرُها بكاميراتِ المراقبة.
فحسَب مُوَقِّعِ هذه المقاولة المَسِينِيَة، ( نسبةً إلى ميسينيا بإيطاليا )، « يضيئُ الرَّسم الخرائطيُّ للانفعالاتِ في الزَّمن الفِعليّ، وضعيات إشكاليَّة احتمالاً، بل وحتَّى خَطِرَة، فتوزيعُ رجال الأمن بفعَّالية في المَواقِعِ الَّتي نَسْتَشْعِرُ داخلَها توتَّراً وضغطاً، إنَّما يَكون في الغالب، إجراءاً بسيطاً لتفادي أيّ اضطرابٍ».
ببساطة، تستطيع الكاميرات عبر تحليلِ التَّعابير، وأشكالِ التَّجَهُّمِ، وَرَفَّةِ الأجفانِ، وفي بعض الحالاتِ، حتَّى عَبْرَ تحليلِ إيقاعِ خفقانِ القلبِ، أن تُحدِّد في ما إذا كان الشَّخص يعتزمُ القيَّامَ بما قد يتسبَّبُ في بعض المتاعب. يُنذِر الجهاز إذاً قوَّاتِ الأمن، الَّتي لَمْ يَبْقَ أمامَها سِوى أن تُسَارِعَ إلى إِلقاء القبضِ على الشَّخصِ المشبوه.
اهتَدَتِ المقاولة إلى المكانِ الصَّحيح حينما طرقَت باب «نيس»، المدينة الَّتي افْتُتِنَتْ سريعاً بهذا الابتكار، معتزمةً تطبيقَه على خطِّ الترامواي رقم (1) ( Tramwey ).
تَبَلْوَرَت لدى مسؤولي المدينة فكرةٌ مَفادُها أنَّ جهازاً استِشْعارياً كهذا، كان بمقدوره دون شكٍّ تَجَنَّبَ الهجوم بالسِّلاحِ الأبيضِ، والَّذي راح ضحيَّتَهُ ثلاثة عسكريِّينَ، سنة 2015، في قُمْرَةِ الترامواي.
كان باستطاعةِ المقاولة « Two-i « أَنْ تَلْمَحَ التَّحَفُّزَ للقتلِ في وجه «موسى كوليبالي/ Moussa Coulibaly»، الشَّاب المتطرِّف، البالغِ من العمر34 سنة.
تأْكيدٌ يستحيلُ بالطَّبع اختبارُهُ وإِثْبَاتُه، لأنَّنا هنا نَلِجُ منطقةً خَطِرَة، ترتبطُ بالعدالة الإستباقيَّة.
يَنْحَدِرُ مؤسِّسو المقاولة النَّاشِئة «Two-i»، مِنْ «تجارة التَّسويقِ اللُّوغاريتمي /Trading Algorithmique «، بمعنى قدرةَ الرُّوبوت «التَّاجر» على مباشرةِ استثماراتٍ في الوقتِ المناسبِ، وتحديداً وِفْقاً لتحليل الانفعالاتِ النَّاجِمِ عن فَكِّ شيفرة مواقعِ التَّواصل الاجتماعيّ. ليس أمام مهندسي المقاولة غيرالإسراع إلى صَقْلِ حِسِّهِمُ الفَنِّيّ، الرَّقميّ و التَّوقُّعِي، ذاك الذي يمارسونه في عالم الماركوتينغ، عبرتطويرِأدواتٍ تحليليَّةٍ لأَنْمَاطِ التَّلَقِّي، أي تلك التي يواجه المستهلِكُ بمقْتضاها مجموعَ الإعلاناتِ الإشهاريَّة.
لقد أثارَ مشروعُ الكاميراتِ الحسَّاسةِ إزاءَ المشاعرِ والعواطفِ، والمُثَبَّتَة داخل الترامواي، استنكاراً واحتجاجاً حادَّيْن لدى الرَّأي العامّ.
فانفعالاتنا الأكثر حميميَّةً سَتَغْدُوعُرْضَةً للاقْتِنَاصِ والتَّشْرِيحِ والتَّخْزِين، وهو ما يُمْكِنُ أنْ يُسْفِرَ عنه تنفيذٌ كهذا.
مِنْ إحساسٍ بالخيبةِ عَقِبَ تجربةِ حُبٍّ فاشلة، إلى فرحةِ اللِّقَاء أثناءَ مُوَاعَدَةٍ أُولَى، مِنْ حُزْنٍ على فُقدانِ عزيزٍ، إلى الانتشاءِ بفرحةِ مولودٍ جديدٍ، تُسْرَقُ مِنَّا أحاسيسُنا سعياً وراءَ وَعْدٍ افتراضيٍّ بتحقيقِ المزيدِ من الأَمْن.
هل تتصوَّرون هَوْلَ خَوْصَصَةِ مثل هذه التَّجربة، أَنْ يتعذَّرَ عليكَ استشعارُ أحاسيسَكَ، لا لشيءٍ آخر إِلاَّ من أجل نفسِك؟ هذا، دُونَ التَّغَافُل عنِ الالْتِبَاسَاتِ وأخطاءِ سُوءِ الفهم الَّتي يُمْكِنُ أن تَتَسَبَّبَ فيها كُلُّ تكنولوجيَّا من هذا القبيل.
حَسْبَ ما بحوزتِنا من معلومات، فالمشروعُ لازالَ في انتظارِ المناسبةِ المرتقَبَة، والنَّافذةِ الاختباريَّة الممكنة.
فالسيِّد «إستروزي» ما فتِىءَ يواصِلُ طريقه على دربِ» أوفرتون / Overton «، فها هو يصرِّح قائلًا : «بحوزتي برنامجٌ، يتيح بدءاً من صباحِ الغَدِ إمكانيَّةَ تنفيذِ تقنيَّة التَّعرُّفِ عبر الوجه، وتحديدُ هوِّية الأشخاصِ ذوي السَّوابق حيثما كانوا داخل المدينة. ما المانعُ من استخدامِه؟ هَلْ نُخَاطِر برؤية النَّاس يموتون بِاسْمِ الحريَّاتِ الفرديَّة، والحالُ أنَّ لدينا التِّكنولوجيَّات الَّتي تسمح بتفادي ذلك؟».
سَأَسْتَعِينُ بالصِّين لتقديم مُوجَزٍ تركيبيّ : داخل مؤسَّسة تعليمية ثانويَّة، تُدْعَى «هانغزوا / Lycée D’hangzhoi»، في شرقِ البلاد، تَمَّ اختبارُ نظامٍ نموذجيٍّ مع استخدامِ تقنيَّة التَّعرُّف عبر الوجه لِرَصْدِ مستوى الانتباه لدى التَّلاميذ، وكذا لِتَرَصُّدِ أفعالِ الشَّغب الَّتي قَدْ تَتَحَاوَمُ داخل أرجاءِ قاعةِ الدَّرْسِ.
تَخْضَعُ أَبْسَطُ الوقائِعِ والحركاتِ الصَّادرة عن التَّلاميذ لتحليلٍ آنيٍّ، تماماً كما هي الحالُ أيضاً بالنِّسبة إلى حالاتِهِمُ العاطفيَّة : من خوفٍ، وسعادةٍ، وغضبٍ، فضلاً عَنِ الآثارِ النَّاجمة عن َالعمليَّة التَّعليميَّة. كُلُ ذلك، تُفَكُّ شيفرته ويُخَزَّن داخل ذاكرةِ البرنامج.
لا تقتصرُ هذه المراقبة على التَّلاميذِ فَحَسْبْ، بل تَنْسَحِبُ أيضاً على الأساتذة، لأنَّ مَنْ لاَ يَتَوَلَّى التَّحَكُّمَ في انتباهِ تلاميذِهِ، فمَصِيرُهُ الطَّرْد.
لديكمُ الآنَ فكرة عمَّا ينتظرُنا. وبالفعل، أرى حتَّى دون كاميرا العواطفَ الَّتي تدفعُكم إلى قراءةِ هذه السُّطور.

*تطبيق « روبورتي / Reporty «، أو عندما نتحوَّل جميعاً إلى رجالِ أَمْنٍ بالقوَّة.
خاضَ نحو ألفا شخصٍ، خلالَ شهر يناير من سنة 2018، بتعاونٍ مع رجالِ الأمنِ بمدينةِ «نيس»، تجربةً فريدةً من نوعِها.
بعضُ أعوان البلديّة وأعضاءٌ في مجموعاتِ «الجيران اليَقِظِينَ»، أو في لِجَنِ الأحياء، كان لهم حظُّ اختبار تطبيقِ «روبورتي / Reporty». طِبْقاً لِلْقَصْدِ، تَمَّ تعميمُ هذا التَّطبيق على مقاسِ الأمنِ البلديّ. تطبيقٌ، نَدِينُ به بالمناسبة لمقاولة إسرائيليَّة أسَّسها «إيهود باراك/Ehud Barak»، الوزيرالأوَّل السَّابق لإسرائيل، القلقةُ أكثرَ من فرنسا بشأْن أمنِها الداخليّ، يُمْكِنُكُمْ مع هذا التَّطبيق، تشغيلُ كاميرا الهاتف «الذَّكيّ» لفضحِ مخالفةٍ ما، بدْءاً من مخالفاتِ المرورِ، وصولاً إلى الهجماتِ الإرهابيَّة.
الصور يَتِمُّ نقلها مباشرةً إلى المصالح الأمنيَّة ،الَّتي يمْكِنُها بفضل نظامِ التَّحديدِ المَوْقِعِيّ مباشرةَ تدخُّلٍ ميدانيٍّ دقيق.
« روبورتي/Reporty « إذنْ، ضمانٌ لأنْ نجعلَ من المواطنينَ، رجالَ أمنٍ بالقوَّة، تقنيَّةٌ تسمحُ بتعزيزِ المراقبة بالفيديو بفضلِ» كاميراتٍ راجلةٍ «، وكذا بالرَّفْعِ دُونَ كُلْفَة من نسبةِ التَّعزيزات في صفوفِ قوَّاتِ الأمنِ، فضلًا عن إشاعةِ جَوٍّ من الحَذَرِ الدَّائِمِ، حيث يغدو الهاتف «الذَّكيّ» سلاحاً للفضْحِ.
يُمْكِنُ للمواطن بتطبيقِ «روبورتي» أنْ يُصْبِحَ امتداداً لسلاحِ رجلِ الأمن. لكن، كيف يمكن ألاَّ نخشى مِنْ أنْ تَحِيدَ هذه الأداةُ عن مَقْصِدِهَا، لتتحوَّلَ إلى وسيلةٍ لتصفيَّةِ الحساباتِ الشخصيَّة مِنْ قِبَلِ «حُرَّاس زوايا الشَّارع»، بما يُمْكِن أن يعنيهِ ذلك مِنْ وضعٍ لحياةِ هؤلاءِ الأمنيِّينَ الجُدُدْ مَوْضِعَ خطر،ٍ عَبْرَ تعريضِهِم لأعمالَ انتقاميَّةٍ جديدة؟
جهازُ الأمن، مهنةٌ يُتَعَيَّنُ ألاَّ تُفَوَّضَ لمواطنينَ عادييِّن.
ثُمَّ إِنَّ «روبورتي» يهدِّدُ أيضاً الحريَّاتِ الفرديَّة، لأنَّ كاميراتِهِ الجويَّةَ تلتقطُ وتسجِّلُ بسرعةٍ فائقةٍ، أصواتَ وصورَ الخواصّ الَّذين يَذْرَعُون ذهاباً وإيَّاباً الشَّارعَ العامّ.
بعد مرورِ شهريْن على اختبارِ هذا التَّطبيق، اعتبرتِ اللَّجنة الوطنيَّة للبيانات والحريات (La CNIL ) التجربةَ أكثرَ تطفُّلاً، وطالبت بمَنْعِها، في حين يرغب «إستروزي» في توسيعِ نطاقِ هذا الجهاز، ليشملَ مجموعَ مُوَاطِنِيه.
أشخاصٌ يتجسَّسونَ على بعضهِمُ البَعْضَ، ويفضحُ أحدُهُمُ الآخر، هنا أيضاً نرى تأثيراً صينيّاً بصددِ تحقيقِ نموذجٍ أمنيٍّ من نوعٍ آخرَ.


الكاتب : محمد الشنقيطي و عبد الإله الهادفي

  

بتاريخ : 20/03/2024