الفصل VI
سفر! ماذا لو مكان هاتفنا “ الذكي” smartphone “ المدجج بتطبيقاتنا اليومية أكبر عدو للمغامرة في الأراضي الغريبة؟
مع ذلك، ما نبحث عنه في السفر، هو هذه الرغبة في أن نكون مختلفين، هذه الرحلة التي تنقلنا بعيدا عن سياقنا المعتاد معززة لدينا روح الاكتشاف عبر تقويض قناعاتنا.
السفر الذي يدعونا لأن نفكر ضد أنفسنا سعيا وراء اكتشاف الآخر. وعد جميل على الورق، بابتهاج، ندعكه ونحن نفعل تشغيل كوكل ماب ( google maps ) عند أول تجوال. ولئن كنا نعلم، جيدا أن الضياع، أحيانا، أفضل وسيلة لأن نعثر على ذواتنا، فلن يكون لدينا، بعد، صبر لأن نظل في حيرة من أمرنا. بدلا من الانطلاق للتسكع محتاجين الأزقة والممرات المجهولة،نشهر نظام التحديد الموقعي الجغرافي (GPS) لكي نعثر، بالدقة العالية، على الوجهة السليمة. سحر التسكع وغموض وجاذبية الصدفة، كل ذلك، يمحى أمام جهاز الضبط ذاك. الهاتف “الذكي”،بتطبيقاته المطمئنة، حبل إرشاد يعيدنا، دوما، صوب نطاق للراحة.في المدن العملاقة، نستقل سيارة أجرة خاصة “uber” ونحن نطالع ايمايلاتنا.مساء، نجري مكالمات مع العائلة عبر تقنية “facetime “، وفي الغرفة، داخل شقة مستأجرة “air bnb “،نشاهد مسلسلا تلفزيونياعلى قناة “NETFLIX “ قبل أن نخلد الى النوم.خلف الشاشة تمحي المسافة.أما بالنسبة الى العازب، أيا كان موقعه في العالم، فيمكنه أن يغازل عبر تطبيق “Tinder” ليكتشف “ الفرص المحلية”، “opportunités locales”. العملات النقدية لم تعد، بعد،حتى أجنبية حالما نؤدي بعملة “ البتكوين “، “Bitcoin “، وتنطمس الحواجز اللغوية بفضل آليات الترجمة الأوتوماتيكية التي تتجنب،عبر سماعة الأذن، لعنة بابل الإلهية، ثمة نزوع لأن يتشابه وسط المدينة في كل الدول المصنعة. بدءا من متاجر “ آبل “ للوجبات السريعة،مرورا بالمزلاجات الكهربائية التي تترقب مترصدة، عند كل لحظة،شخصا مارا، يغدو الهاتف “ الذكي “ مفتاحا كونيا في متناول اليد الثقافية. الكل يعمل في اتجاه يوتوبيا “قرية عالمية” حيث تدفع الأدوات الرقمية نحو نوع من التنميط المعياري والتوحيد الاتساقي لأنماط الحياة،و هو ما يطمس،جزئيا،الخصوصيات، ستكون لكل واحد نفس التطلعات.اختفاء الدولة النظامية لفائدة احترام مطلق للحريات الفردية تلك هي فلسفة الليبيرتارتيين الذين يستفردون،داخل منحى الانسانية الفائقة، بوادي السيليكون وبجزء من الكوكب. “بيتيرثيال/”peter theiel” مؤسس باي بال/Pay Palو المستثمر الناجح في مجال التقنية، سفير متحمس لهذه الفلسفة. التكنولوجيات الجديدة، بالنسبة إلى هذا الملياردير، هي في الوقت ذاته إسمنت وأوكسجين هذه الفضاءات المشتركة التي يتعين ابتكارها مجددا. فضاءات أماكن ستنفلت من قبضة الدولة المهيبة.من الجزر العائمة،وحتى غزو الفضاء ، انطلقوا ساعين وراء اكتشاف أراض للمنفى، هاته التي يفترض أن تكون سلام إنسان تحدق به الأخطار والتهديدات.
حالة الطوارئ المناخية: أنا، ومن بعدي الطوفان
“ إن نحن أردنا أن نتفادى فقرا إنسانيا مذقعا، فضروري أن نجري تعديلا عميقا في نمط تدبيرنا للأرض وللحياة التي نوفرها ملاذا آمنا.” تلك كانت، بالفعل، صرخة إنذار، سنة 1992، قدمها 1700 عالم مستقل، جميعهم يساورهم القلق بشأن، مسيرة العالم، بمن فيهم العديد ممن حاز جائزة نوبل، وذلك خلال انعقاد أشغال اتحاد العلماء المعنيين ( union of concerned scientists ) .الاحتباس الحراري، والتصحر الغابوي،وشح المياه العذبة، وتدمير التنوع البيولوجي، آفات مناخية عميقة.سنة 2017، استنكر تجمع ل 15364أخصائي علمي من أصل 184 دولة، عدم الالتفات إلى نداء عام 1992، وبحسرة، لاحظ هذا التجمع تدهور الحالة المناخية، وأكثر من ذلك على نطاق واسع. لقد أثرنا فضلا عن ذلك، ظاهرة الانقراض الجماعي، هو السادس من نوعه على امتداد ما يقارب 540 مليون سنة، والذي يمكن، بموجبه أن تختفي، كلية، أشكال حياتية عديدة، أن تكون، في كل الحالات، على حافة الانقراض، منذ الآن وحتى نهاية القرن”. تم استنفاد موارد الكوكب والإنسانية، فقط تعيش على قرض ائتمان: “ يتعين أن ندرك، سواء في حياتنا اليومية أو في مؤسساتنا الحكومية،أن الأرض، بكل ما توفره من حياة،مأوانا الوحيد.
منذ سنة 2018، باتت الشابة السويدية “ كريتا ثانبرغ /Greta thunberg” الوجه الأبرز في معركة الطوارئ البيئية ضد الرأسمالية المتوحشة،بحماسها، وجراءتها، وبحسابها على تويتر،ناضلت كيما يفتح الإنسان عينيه جيدا،ويعدل سلوكه جذريا.
لقد كسبت موضوعة البيئة المجال الإعلامي. نظمت العديد من التظاهرات العالمية في محاولة لإضاءة الوعي بالقضية. تعبئة للمواطنين، بالكاد وجدت لها، مع ذلك، صدى سياسيا حقيقيا، بعيدا، عن صناديق الاقتراع التي تكون لها الغلبة داخل البرغماتية الاقتصادية على كل ما يتصل بالبيئة.
على نحو سافر، يستريب بعض قادة الدول العظمى في الأزمة المناخية، كدونالد ترامب، وفلاديمير بوتين، أوجيربولصوناور.التلوث الرقمي، والذي ظل، زمنا طويلا، طي الخفاء، هو اليوم، في مرمى الأضواء الكاشفة: “ من الصعب أن نأخذ بالحسبان الحد المادي لأداة نعتبرها سحرية “ “ كما يسطر ذلك، مدققا، واحد من واضعي تقرير “Think Thank”، (مختبر الأفكار / laboratoired’idées) في “the shift Project “، مفسرا هذا الصمت النسبي إعلاميا. نعلم أن (مراكز البيانات /Les data centres) تشكل فجوات طاقة،طبعا، بسبب التهوية التي يقتضيها انشغالها. وطبقا للتقرير فالرقمي مسؤول عن 4% من انبعاثات الغاز ذات التأثير في الاحتباس الحراري عالميا،بما في ذلك 1% بالنسبة الى كل فيديو واحد على البث الحي.
انه أكثر من الأضرار الناجمة عن حركة الطيران.تعادل الإيمايلات المهنية لمائة عامل أجير ثلاثة عسر رحلة،ذهابا وإيابا ، من باريس الى نيويورك.
يدعو “ the shift Project” إلى نوع من الاتزان الرقمي، ونتساءل في هذا السياق: ما الذي ستكون عليه ردود أفعال الجهات الفاعلة في وادي السيليكون، مهندسو حضرتنا الرقمية، حالما يعلمون بشأن إسهامهم في استنفاد الموارد؟
محتشمة، هي، على الأقل، ردود أفعال كوكل، وآبل، وفايسبوك، ومايكروسوفت، وفقا (لائتلاف عمال التكنولوجية / latech workers coalition).التعبئة تأتي، تحديدا، من المستخدمين الذين يضغطون على الإدارة.هكذا،وكما هي الحال لدى أمازون، على سبيل المثال،تخلى ألاف المستخدمين عن واجب التحفظ ليفضحوا، في رسالة مفتوحة،أوجه القصور، بيئيا،في مقاولتهم، وأيضا، الخطاب المزدوج ل “جيف بيزوس”،محتجين على الاتفاقات المبرمة بين أمازون و مجموعات بترولية كبرى، ومتحسرين على التباطؤ في خطة المقاولة إزاء مشروع تحييد الكربون، و متذمرين حيال تمويل مؤسسة “ جيف بيزوس “ لمركز “ الأبحاث “ في “ معهد المقاولة التنافسية للتشكيك في المسألة المناخية ، “Think Tank climatosceptiquecompétitiveentrepriseinstitute”.
من جهة أخرى، قدمت أمازون سنة 2018،هبات لفائدة “68 عضوا من أعضاء الكونغرس الذين صوتوا ضد النصوص التشريعية المتعلقة بالمناخ “كما يذكر بذلك أعضاء التجمع. أمام هذا الضغط الصاعد من أسفل، أعلن “ جييف بيزوس” ، في مفتتح سنة 2020،إنشاء صندوق لإنقاذ الأرض “ صندوق بيزوس للأرض/ le Bezos EearthFund : “ستمول هذه المبادرة العالمية الأخصائيين العلميين والناشطين والمنظمات غير الحكومية (ONG) وكل مجهود يقدم إمكانية حقيقية للمساعدة في الحفاظ على الطبيعة و حمايتها،يمكننا إنقاذ الأرض “ كما صرح بذلك “ بيزوس “ الذي تقدر ثروته، وفقا لفوربيس، ب 130 مليار دولار ، سخر منها،لأجل المشروع ، عشرة ملايير من الدولارات. نصفق لإحسان “ جيف بيزوس”، لكن اليد الواحدة لا يمكنها أن تعيد ما تأخذه اليد الأخرى “ كما صرح مستخدمو أمازون أمام “ العدالة المناخية/ (L’AECJ): “هل سيواصل “ بيزوس “ تواطؤه في تسريع الأزمة المناخية متظاهرا بمحاولة تقديم المساعدة؟”. بالنسبة إلى واضعي تقرير”The shift Project “،وحده القانون التنظيمي،يمكنه الحد من الخسائر.تدخلا للدولة في الاتجاه المعاكس للفلسفة الليبيرالية التي يروج لها “ جيف بيزوس”،و”ايلون ماسك” و”بيترثيال”. هذا الأخير الذي يفضل، بالمناسبة، كباقي الأباطرة الآخرين،التحصن داخل أحياء الأثرياء، والاستثمار في الخطة البديلة المفترضة أكثر مما يفضل الحفاظ على كوكبنا الأزرق.
بالنسبة إليهم، أضحت نيوزيلندا،في الآونة الأخيرة،جنة عدن الجديدة هروبا من بؤس العالم،”بيتيرثيال” يلقبها ب “اليوتوبيا”.احتماء من تبعات الاضطرابات المناخية،اشترى،داخلها،ملكية رائعة سنة 2015، وبسرعة التحق به العديد من الأطر الكبرى العاملة في فايسبوك أو “لينكدن/linkedin”، بمن فيهم مؤسس هذا الموقع “ريدهوفمان/reid Hoffman “ الذي يرى في انعزال هذا البلد الضمانة الأمثل لبقائهم.وحسب جريدة “le new yorker”،فان العشرات،ان لم يكن المئات،ساروا على نفس الدرب.
نيوزيلندا،واحدة من الأراضي التي تعرف عليها الإنسان حديثا. مناخ معتدل،وديمقراطية مستقرة،بعيدا عن البؤر الساخنة على امتداد أرجاء المعمور، وهجرة منتقاة. واحة يمكن الوصول إليها،خلال ست ساعات على متن طائرة خاصة انطلاقا من الساحل الكاليفورني.السلطات هناك، تمنح وضعية المقيم الدائم للمقاولين الذين يستثمرون،عبر ثلاث سنوات،ما يعادل،على الأقل، سبعة ملايين دولار.أن تحوز جنسيتك، فذاك أمر ممنوح مقابل بضع دولارات.وقد حازها “بيترثيال”، سنة 2015، في تكتم كامل، دونما استيفاء لشرط الإقامة الفعلية في البلد.إجراء ولد بعض الانتقادات، لاسيما من قبل وزير الشؤون الخارجية الأسبق “ وينستون بيتر / Winston Peters “ الذي أثار مسألة “ تسليع” المواطنة المقلق.لذلك، فأقل ما يثير السخرية والقلق معا، رؤية هؤلاء الذين يبتكرون عالم الغد، يتهيؤون للأسوأ، للانهيار الذي كانوا،هم أنفسهم، من جملة صانعيه.