بعد أن كان حكرا على الدول، بات السباق نحو الفضاء، من الآن وصاعدا، واحدا من انشغالات أصحاب الملايير الذين يصنعون ثروتهم رهن تجسيد هذا الحلم الأقرب إلى النزوة أكثر منه إلى الآفاق الاقتصادية المأمولة. ثلاثة رجال يتصارعون لكي يطبعوا تاريخ البشرية : الرائد “ ريشارد برونسون / Richard Bronson “ مؤسس ماركة “ فرجين / virgin “، والذي يخوض تصديا شرسا ضد “جيف بيزوس” مؤسس امازون، بشأن إرسال أول سائح الى الفضاء عند متم نهاية سنة 2020.
أما بالنسبة إلى “ ايلون ماسك”، مؤسس “تيسلا /Tesla “ فهو يرى الى ما هو أبعد من ذلك،عاملا على استيطان كوكب المريخ، وليس في جعبته غير مهمة أولى، السكن على سطح الكوكب في أفق سنة 2024.ثم انه أعلن،أيضا، رغبته في أن تكون وفاته على ظهر الكوكب الأحمر، مدققا استبعاده الاستسلام لحظة الاصطدام!
جميع هؤلاء المقاولين من حساسية الليبرتارية، قاسم مشترك مهم يتعين تحديده لكي نفهم، جيدا، تطلعاتهم الاستراتيجية. مرة أخرى يتعلق بأمر بالخروج من معقل الدولة الحصين لتعزيز خوصصة الفضاء، وهو مسعى يتعارض مع النصوص القانونية الأولى.سنة 1967، سنتان قبل خطوة “ أرمسترونغ” الأولى على سطح القمر،نصت “ معاهدة الفضاء الخارجي “ التي صدقت عليها الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفياتي، آنذاك، والمملكة المتحدة برعاية من هيئة الأمم المتحدة، على أن الفضاء الخارجي “ ملكية مشتركة / Res Communis” “ موقوف على الإنسانية برمتها “، تكرس المعاهدة الدولية حرية الاستخدام و الاستكشاف مع تثبيت قاعدة عدم التسلط الدولي بإقرار السيادة .مع ذلك، رفضت الدول الكبرى الفاعلة، سنة 1979، التصديق على “ معاهدة القمر “ التي تقر مبدأ حماية هذا النجم بإدراجه ضمن إرث الإنسانية المشترك.
يبدو أن نزاهة الدول الرئيسة المرتادة للفضاء لم تكن بمستوى احترام طبقة الغلاف الجوي العليا كفاية. أكد ذلك باراك أوباما، سنة 2015، باعتماده قانون الفضاء الخارجي العام (space Act) الذي يسمح للمواطنين الأمريكيين بمباشرة استكشاف واستغلال الموارد الفضائية لأغراض تجارية. انه أول تشريع وطني من شأنه أن يدخل في صراع مع مبادئ القانون الدولي العام، والمنصوص عليها في معاهدة 1967.
فتح الرئيس الأمريكي، إذن، بوابة الفضاء في وجه الشركات الخاصة القادرة على التخطيط لمشاريع هناك.
بعض الدول، كالمملكة العربية السعودية واللكسمبورغ، ستستغل هذه الفجوة لتحاكي باراك أوباما على مستوى النصوص، إنه شكل جديد للغزو الفضائي، يظهر أنه، الآن، قيد التنفيذ، ويمكن للدول، بموجبه، استئجار شركات خاصة، تقريبا، على طريقة البحارة الإسبان والبرتغاليين الكبار، خلال القرن السادس عشر، آن استكشافهم العالم الجديد بمؤازرة من زعماء ذلك العهد، لكن في إطار عمليات خاصة مع التعهد بإمكانية تملك ثروات الأراضي المستكشفة “كما يحلل ذلك رجل القانون “ ليونيل موريل/ lionelmouirel” اخصائي في قضايا الملكية الفكرية بالمجلة الجامعية الرقمية “the conversation” .
يتعين الاعتراف، أيضا، أن الجميع يفيد من هذا الانفتاح. كانت وكالة الفضاء الأمريكية (la Nasa) بحاجة إلى نفس جديد لكي تستعيد نشاطها من بين جملة أمور أخرى، ستأتي “سبيس اكس/space x “ شركة تقنيات استكشاف الفضاء التي أنشأها “ايلون ماسك” سنة ،2002 وهي مقاولة أثبتت أن بمقدورها التقدم أسرع من الوكالة الحكومية الأمريكية، عبر صناعة صواريخ فضائية أرخص ثمنا. بعد بدايات غير موفقة، أصبحت “سبيس إكس” مقاولة لا غنى عنها بفضل صواريخها الفضائية التي يعاد استخدامها جزئيا، وانتهت إلى تحصيل عقود مع وكالة الفضاء الأمريكية (la Nasa).
خلال شهر فبراير من سنة 2018، حققت مقاولة “ايلون ماسك” سبقا بفضل إنجاز تقني قدر ما هو إشهاري. تمكن الآلاف من مستخدمي الانترنت من معاينة عملية إقلاع الصاروخ “فالكون هيفي/Falcon heavy” عبر البث المباشر الحي، هكذا أضحت المقاولة منصة مختصة في الإطلاق الفضائي الأكثر قوة في العالم.
استغل ذلك “أيلون ماسك” ليضع، على رأس الآلة سيارة كهربائية “Tesla”، وعلى متنها دمية تستمع، على نحو متكرر مرارا للأغنية “غرائب الفضاء/spaceoddity” لصاحبها “دافيد بووي/david Bowie”. وموسيقى تصويرية لمغامراته القادمة يتعين، بالفعل، أن يفكر “إيلون ماسك” في عنوان آخر للفنان البريطاني “دافيد بووي”، “الحياة على المريخ/life on mars”.
في 30ماي من سنة 2020، مجددا، طبعت التاريخ مركبة “سبيس إكس” بأن أصبحت أول من يحقق الإنجاز في ما يتصل بالرحلات البشرية الخاصة إلى الفضاء الخارجي. “طاقم التنين/Crew Dragon”.
إذا كان “أيلون ماسك” يعتزم أن يجعل منا نوعا عابرا بين الكواكب، فلكي يعثر، كما يقول، على مخرج للكارثة التي تترصدنا، رجل الأعمال هذا متشائم جدا حيال حالة كوكبنا. ويخطط، جديا، للمريخ كأرض للمنفى حتى يؤمن للإنسانية بقاءها، على الأقل بالنسبة إلى أولئك الذين ستكون بحوزتهم الإمكانات المادية لأن يستقلوا سفينته الفضائية. طبعا، سيكون استيطان المريخ مناسبة لتشييد حضارة جديدة، وفقا للنزعة الليبيرتارية، وسيكون ذلك مؤشرا على التفوق الذي تحرزه المقاولات على حساب الحكومات، مانحا، بهذا، فرصة غير متوقعة للبدء من جديد على أسس يتخيلها هؤلاء الأثرياء، أصحاب الملايير الذين يتقاسمون نفس الرؤية إلى العالم.