«مجهول الحال» والتداوي بالذاكرة : سعيد بنسعيد العلوي يستعيد أعطاب الزمن الديمقراطي في السبعينات

بعد خماسية روائية «مسك الليل»، و»الخديعة» و»ثورة المريدين»، «سبع ليال وثمانية أيام»، «حبس قارة»، صدرت عن المركز الثقافي للكتاب، رواية جديدة للروائي والأكاديمي سعيد بنسعيد العلوي، بعنوان «مجهول الحال».
تعود بنا الرواية الجديدة إلى «لحظات الاحتدام الإيديولوجي والسياسي في مغرب سبعينيات القرن الماضي»، ومنها انتفاضة»مولاي بوعزة» المسلحة الفاشلة بالمغرب العميق زمن «سنوات الرصاص».
وفي حوار سابق أجراه الملحق الثقافي في أكتوبر الماضي 2023، صرح لنا الروائي سعيد بنسعيد العلوي أن روايته «مجهول الحال»: «اشتغلت فيها أيضا على التاريخ الراهن للمغرب وبالضبط في السبعينات، حيث أعود فيها إلى أحداث سنة 1973 في مولاي بوعزة. هي فترة حارقة في تاريخنا المغربي الراهن، بما صاحبها من اعتقال وتوقيف الزمن الديمقراطي مع فرض حالة الاستثناء».
«مجهول الحال»عمل روائي تحركه ثلاث شخصيات رئيسية تمسك، رمزيا، بالرواية وتوظف بطريقة رمزية شخصيات دون كيخوطي المحيلة على العبث، وشخصية إيراسموس عبر تيمة الجنون، ثم أخيرا شخصية ابن الجوزي، بحيث أن النصوص الثلاثة الأخيرة (دون كيخوطي، مديح الجنون، أخبار الحمقى والمغفلين) تبدو كما لو كانت نصوصا موازية، أو نصوصا تتقاطع مع النص الروائي.
تخيم على الرواية أجواء ما قبيل الكوفيد « لمّا سيعود إنسان بعد اغتراب أربعة عقود في فرنسا، أعقب رحيله سنة 1973 إثر الثورة المسلحة الفاشلة بمولاي بوعزة. وفي الرواية انتقال بين الحاضر وذلك الإبّان».
اختار السارد في هذه الرواية الكاتب أن يسلك أسلوبين، الأول أن الشخصية الرئيسية ليس لها اسم في الرواية؛ مثقف، تشير إليه الشخصيات الأخرى التي تتقاطع معه بما يدل عليه. والأسلوب الثاني أن السارد يمسك بكناشة، سجلٍ، يعود فيه إلى النص الروائي الكبير (دون كيشوت) لسرفانتس، برمزيته المعروفة من محاربة طواحين الهواء، والعبث»
الشخصية الثانية هي سليمان الهبطي، المسؤول السابق في البوليس السياسي وعميد الشرطة، الذي اختطفَ مجهول الحال، وبطريقة فانتاستيكية سيفلت هذا الأخير من يد زبانيته ويختفي، وهو ما يوقع العميد في مشكل، ليصاهر بعد ذلك الجنرال الذي من منطقة سيدي قاسم والغرب، وهو ما يوقعه في استغلال وتملّك، لينتهي مريضا مقعدا يتذكّر الهزائم.
أما باقي الشخصيات فـ»مثقف اسمه محمد رضا الهواري منتم للحزب الاشتراكي ومناضل في المنظمة الطلابية في الكلية وملتزم بالحزب، وحامد بن علي المنتمي أيضا إلى الحزب الاشتراكي، لكنه سينتسب إلى تنظيم مواز سينشق عن الحزب الاشتراكي، يديره (زعيم) من خارج المغرب هو العقل المدبر للثورة المسلحة، وسينكشف في نهاية الأمر لعبه مع الجنرال الذي من جهة الغرب».
وجاء في تقديم الرواية: « يختار سعيد بنسعيد العلوي البحث في منطقة أخرى من مساحات التخييل المغربي، للتعبير عن لحظة حوار مع ما عاق ويعيق التقدم من الأعطاب المزمنة. كما تتأطر الرواية في البدء، باستهلال، وفي الختام بانصراف، وما بينهما ثلاث عشرة فقرة تنوب عن الفصول، تستعيد بعضًا من لحظات الاحتدام الأيديولوجي والسياسي في مغرب سبعينيات القرن الماضي. ومن هذه الأحداث التي تقف الرواية عندها ثورة «مولاي بوعزة» المسلحة في المغرب العميق، بعيدًا عن المدن المركزية، وبعد فشلها تعرّض كثير من قادتها والمشاركين فيها إلى الإعدام والسجن، بينما فرّ بعض آخر إلى المنافي الأوروبية. تضيء الرواية تجارب مختلفة في حياة واحدة، يسِمها الفشل بعد المبادرة، وانقيادها إلى دائرة ظلت حبيسة داخلها، فبات الحاضر لا يستحق أن يُعاش إلا بالتذكر، والتداوي بالذاكرة، وبفترة الطفولة، والأحلام غير المقيدة.


بتاريخ : 09/02/2024