في محاولة لمعرفة الآراء حول الأدب النّسوي من منطلق مقال تم نشره للشاعر والنّاقد الفلسطيني فراس حج محمد بعنوان “ كيف تصبح الشاعرةُ شاعراً كبيراً “، واستعراض لبعض الانتقادات التي وجهت للأدب النّسوي والمرأة الكاتبة والتي من أهمها: أن شعر المرأة ينقصة التجربة، وأنه يتمركز في الأغلب حول الرجل، فلا يُعد أكثر من مجرد نواح عاطفي، أن الشّعر النّسويّ متأخر عن الشّعر الذكوريّ، وليس هناك بصمة واضحة له، كذلك محاولة الإجابة عن العديد من الأسئلة منها: هل هناك مشكلة حقيقيّة تواجه الأدب النسويّ؟ وهل تمثل صفة الأنوثة عائقاً أمام إبداع المرأة؟ كيف تخرج المرأة الكاتبة من دائرة الرجل؟ وأن تكتب الأدب الذي يعبر عنها كأنثى تنافس به الرجل ويكون أيضاً أدباً لا يموت، لذا كان لا بد من البحث حول هذا الموضوع واستعراض لأكثر من وجهة نظر للوقوف على حقيقة هذا الأمر.
في الظهور الأول لمصطلح الأدب النّسوي الذي شاع في القرن التاسع عشر، تذكر فاطمة العفيف في كتابها “لغة الشّعر النّسوي العربي المعاصر» (2.11م , ص 25 ) أنه في ذاك الوقت بدأ النقاد بوضع معايير في تحكيم نتاج المرأة، مختلفة عن تلك التي يحكمون بها نتاج الرجل. لذا، كان على الأديبة أن لا تمس المحرمات، وأن تظل تدور في الخيال السطحيّ، وأن تكتب للجمهور ما يريده من المرأة من تسليّة: قصص الحب والمغامرات والروايات الأخلاقيّة، وهذا هوالمطلوب من المرأة إن هي أرادت أن تقتحم عالم الكتابة، فلا تخرج عن الدور المنوط بها والشرط الأهم أن تظل تمارس الكتابة هاوية، غير ممتهنة لها.
في نفس السياق تسأل الباحثة فاطمة العفيف، فإن كان الأمر كذلك فكيف إذن ستنتج المرأة أدباً خالداً إن كان ثمة شروط ومحددات تتحكم في ما ستكتب، وكيف ستطور ذاتها. فالأدب تعبير عن الذات بخيال مجنح, فما هوالشكل المنتظر من الأدب الذي ستنتجه؟ (وهذا خارج عن نطاق الأدب الواقعي الذي يكتبه الأديب من منظوره هو له، وليس ما يريده المجتمع ويملي عليه الواقع أن يكتب).
وتؤكد أيضاً أن مقولة «الأدب أدب» فليس هناك أدب رجل أو أدب امرأة، هي مقولة أفرزتها البنية التحتيّة الذّكوريّة التي تشكل أساس المجتمع العربي، وهي البنية التي تفرز الأفكار الخاصة بوضع الفرد في المجتمع.
وعن مسألة الكتابة الأنثويّة \ النسويّة يذكر الشاعر والناقد الفلسطيني فراس حج محمد في الفصل الثالث “وهج المرأة الشّاعرة “ من كتاب “ بلاغة الصّنعة الشّعريّة”، وهوكتاب غير منشور، أن مسألة الكتابة الأنثويّة/ النّسويّة أخذت الكثير من النّقاش في الدّراسات الثّقافيّة النّسويّة، وتناولت تحليل الخطاب النّسويّ، وما يكشف عنه من معرفة، أو عن مدى فهم الكاتبة لنفسها، وهل تماهت مع النّظرة الذّكوريّة أم أنّها عملت على أن يكون لها خطاب خاصّ ضمن نظرة تخصّها وحدها؟ وهل كان خروجها عن النّظرة الذّكوريّة مجرّد تمرّد أهوج، ليس له ارتباط بخطاب ثقافيّ يرسّخ نظرة أكثر تطوّرا واستقلاليّة عن النّظرة الذّكوريّة؟ بل لعلّه كما قالت باربارا هـ. ميليتش “تؤكّد النّظريات التّقليديّة عن المحاكاة والتّعبيريّة على الطّريقة الّتي يَعرض بها الأدب الطّبيعة الإنسانيّة الشّاملة، لكن صفاتها بالفحص الدّقيق صفات ذكوريّة أساسا”.
ويضيف فراس حج محمد أنّ قراءة الأعمال الأدبيّة الّتي أنتجتها الأديبات العربيّات بشكل عامّ، والشّاعرات بشكل خاصّ، لا تخرج، غالبا، عن واحد من الاحتمالين السّابقين؛ إمّا التّماهي مع الخطاب الذّكوريّ أو التّمرّد الأهوج على النّسق الثّقافيّ دون امتلاك أدوات الاستقلال الثّقافيّ؛ ليبدو هذا الخروج نشازا قبيحا وفعلا مستكرها. فالخروج عن واحد من هذين الاحتمالين يحتاج إلى أديبة تحرّرت من عقدة المجتمع الّتي أعلت من شأن الثّقافة الذّكوريّة بدءا من استخدام اللّغة، وصولا إلى الخطاب والسّياق الثّقافيّ. وتشير هذه الحرّيّة إلى مدى استقلاليّة الخطاب الثّقافيّ النّسويّ بشتّى أشكاله عن النّمط المعهود في الأدب والثّقافة بشكل عامّ.
وهل معنى ذلك أن يتم فصل الأدب النسوي عن الأدب عموماً أو فصل نتاج الجنسين؛ تجيب فاطمة العفيف عن ذلك (المصدر السابق , ص 33) أن الأمر لا يعني فصل الأدب النسوي عن الأدب عموماً أو قضية فصل لنتاج الجنسين بقدر ماهي قضية تتبع أثر الفروق الجنسية عن نتاجهما الأدبي لأن الأدب نشاط وجداني ذاتي تختلف فيه الأديب عن الأديبة لما بينهما من فروق جوهرية في التكوين والمزاج، والنظرة إلى الكون وكل ما هوعنصر من عناصر الشخصية التي يكون فيها الرجل رجلا، والمرأة امرأة.
وقد ذكر عبد الله الغذامي في كتاب المرأة واللغة (1997 , ص 55) أن طريق الأنثى إلى موقع لغوي لن يكون إلا عن طريق المحاولة الواعية نحو تأسيس قيمة إبداعية للأنوثة تضارع الفحولة وتنافسها، وتكون عبر كتابة تحمل “سمات الأنوثة “ وتقدمها لا على أنها (استرجال)، وإنما بوصفها قيمة إبداعية تجعل (الأنوثة) مصطلحاً إبداعياً مثلما هومصطلح (الفحولة).
يعني ذلك أن هناك سمات ستنفرد بها المرأة في أدبها تجعل نتاجها مختلفاً عن نتاج الرجل ومتميزاً عنه.
وفي حوار لها حول الشعر النّسويّ بعيون الشّعراء في جريدة الرياض ذكرت الشّاعرة السعودية أحلام الحميد أنه من خلال قراءتها للعديد من الردود والتعليقات التي ترد في الشكبة العنكبوتية من شعراء كبار لهم قاماتهم السّامقة في مختلف المواقع والمنتديّات الأدبيّة، فإنها ترى نظرتهم إلى شعر المرأة أيّا كانت وجهته نظرة احتفاء ومشاركة في المغامرة الإبداعيّة, وإن كانت هناك فئة قليلة من الشعراء عدّوا شعر المرأة دخيلاً على مملكتهم, وأنّها مهما أجادت فهناك سقفٌ لا يمكن تجاوزه, كما أنّهم في بعض الأحيان لا يريدونها أن تشاركهم لعبة اللغة, ولا أن تكون لها بصمة, ولا يستبشرون بالذات الأنثويّة كذات فاعلة في النّص, ويرون أيضاً أن الشّعر النّسويّ متأخر عن الشعر الذكوريّ, وأنها ترجّح أن يكون هذا الاعتقاد بسبب العدد والكثرة, فعدد الشاعرات الذي وصلنا منذ بدء العصر الجاهلي وحتى الآن قليل جدا إذا ما قُورن بعدد الشعراء الرجال, وذلك لأسباب عديدة كالقبلية, والعادات والتقاليد التي تعطي الرجل مساحة أوسع وحرية أكبر للخروج على الملأ, أما من ناحية النوعيّة والإبداع, فالمرأة تسير بحذو الرجل وتشاركه في مسيرته حسب خصائصها الأنثويّة وتكوينها الحسيّ.
الأمر لا يقتصر فقط على قلة العدد ولكن قلة حجم التواجد والحضور وعدم ترك بصمة واضحة على الساحة الأدبيّة فيذكر فراس حج محمد في هذا الصدد (المصدر السابق) : أنه من خلال استعراض محطّات التّاريخ الشّعريّ للأسماء المشهورة شعريّا، لا نكاد نعثر على اسم شاعرة مثل هوميروس مجايلة له أو قبله أو بعده، أو شاعرة مثل شكسبير، وعربيّا لا يوجد مثلا شاعرة واحدة من بين شعراء المعلّقات أو شاعرة بحجم المتنبّي وتأثيره أو كبشار بن برد أو أبي نواس، وحديثا لا يوجد شاعرة تضاهي في حضورها وقوّة شعرها الشّاعر أحمد شوقي أو البارودي أو أدونيس وسعيد عقل وأنسي الحاج. ويعزّز كلّ ذلك افتقار السّاحة الشّعريّة الحاليّة لأسماء شعريّة أنثويّة تستطيع منافسة ومزاحمة أشعار الشّعراء الكبار.
وتطرح الشاعرة والناقدة السورية عبير خالد يحيى رؤيتها حول هذا الموضوع فتقول: لا شك أن المرأة الشاعرة أو المرأة الكاتبة لها في الكتابة الأدبية أسلوبها الذي يميّزها عن الكاتب الرجل أو الشاعر الرجل, وأعتقد أن هذا القول سيثير علي العديد من الآراء المعارضة من الجنسين على حدّ سواء (وقد حدث هذا فعلًا) بادعاء أن الإبداع لا يقف عند حدّ جنس المبدع, وأنا لا أنكر ذلك, لكن أي إبداع؟ هل نستطيع أن نوازي بين رجل يكتب الأدب النسوي وبين المرأة عندما تكتبه؟
وتضيف: بغض النظر عن المؤيدين والمعارضين للمصطلح, من وجهة نظري, مجرّد الجدل في هذا الأمر هو إقرار بموقع ومكانة هذا النوع من الأدب, وترسيمه بسماته العامة, مع مطواعيّته لقبول سمات أخرى يفرضها التغيّر المجتمعي بمقتضى التطوّر المتسارع للعالم المحيط. فأنا مِن مَن يقرّ هذا النوع من الأدب, سواء كتبه ذكر أم أنثى, وأميل إلى معقولية أن الكاتبة الأنثى تكتبه بمصداقية أكبر.
فإذا كان الأمر كذلك من أن هناك وجودا لهذا النوع من الأدب لمَ دائما علينا الالتفاف حوله والعمل مرة على عدم اكسابه الشرعية وأحياناً كثيرة التقليل من شأنه والعمل على مزجه في إطار الأدب العام؟
عندما تم توجيه سؤال إلى الشّاعرة السودانيّة روضة الحاج: هل يمكن أن نميز بين شّعر المرأة وشّعر الرجل من خلال قراءة النّص دون معرفة من كتبه؟ أجابت بأن كثيراً من المبدعات ينفرن من الحديث عن هذا التميز وأنا أقدر موقفهنّ هذا وأفهمه من عقليّة تعودت سلفاً على التمييز السلبي ضد المرأة في مواضيع أخرى أما بالنسبة إلى الأدب فأنا من قلة ترى أن القصيدة التي لا تدل على أن كاتبتها أنثى هي قصيدة ناقصة الدسم وتفتقد نكهتها المميزة.
هناك العديد من الأراء التي ترفض هذا الطرح وضد مفهوم الأدب النّسويّ وتؤكد أنه لا فروق بين الجنسين في الأدب نذكر منها رؤية الشّاعر المصري أشرف الجمال حيث يقول إنه لا يعترف بهذه الفوارق الكلاسيكيّة التي تميز بين أدبين: أدب نسائي وأدب ذكوري .. الشعر فن باللغة تمثل اللغة مادته وخامته وتلعب قوالب التقنية وطرق توظيفها وهندسة البناء الدور الأهم في وسم كل منتوج أدبي بملامحه الخاصة ولا خلاف في عدالة الاستخدام هنا والقدرة على التوظيف بين الرجل والمرأة .. وهناك نساء تقدم رؤية شعرية ومعجمية خاصة أفضل من شعراء كثيرين .. والعكس صحيح أيضا .
وتتفق العديد من وجهات النظر النسائية مع هذه الرؤية نذكر منها وجهة نظر الشاعرة السورية ريتا الحكيم حيث تقول إن الوعي الذي تتمتع به المرأة اليوم, والحرية الفكرية يخولانها أن تثبت ذاتها وموهبتها بغض النظر عما قيل أو يقال عن كتاباتها , حتى مفهوم الأدب النسويّ, أراه تسمية يُقصد بها الاتهام المبطّن, الجندرة مرفوضة بالنسبة لها, فهناك نص, إما جيّد أو سيء, بغض النظر عن جنس كاتبه أوكاتبته.
وتوضح ريتا الحكيم وجهة نظرها أكثر حين تقول: إن المرأة قطعت أشواطاً لتكون كياناً مستقلاً وبمنأى عن أيّ انتقاد لموهبتها الشّعرية إن وجدت. وأنها ترفض التعميم فليس كل الكاتبات في سويّة واحدة من الثقافة, والثقافة التي تقصدها هنا, هي الثقافة التي تربّت عليه في بيئتها وما اكتسبته من موروث فكري يجعلها دوماً تابعة للرجل ولا تكتمل وجودها الإ به ومعه. وأن الشّعر ليس محصوراً في شخص الرجل وليس مضغة في فم امرأة لا ترى نفسها إلا من خلال تجربة فاشلة مع الرجل. وأن الكاتب أيّا كان جنسهُ يمتلك من أدواته ليكون كاميرا محترفة تلتقط المشاهد من الحياة والأحداث التي تحيط به. وتؤكد أن التجربة الشّعريّة تنضح حين تكون شاملة في طرح الأفكار, ولا تتوقف عند نقطة محددة, في الشّعر نطرق كلّ الأبواب ولا نختصرها برجل أو امراة.
كذلك تتفق الأديبة والناقدة السودانيّة فتحية دبش مع ذلك فتقول: إن الأدب كوني وليس نوعيًا, ومن هنا تسقط بنظري مقولة النوع وتنتفي كل المصطلحات (الأدب النسوي \ الكتابة النسائية \ الأنثويّة) التي لا فائدة منها سوى تكريس مزيد من تبعية المرأة للرجل , فتجعل أدب الرجل رفيعاً وأدب المرأة وضيعاً. وأنه إذا تبنينا مصطلح الكتابة النسويّة علينا حينذاك تبني مقولة الكتابّة الرجوليّة باعتبار أن الرجل أيضاً يعبر في كتاباته عن نوعه واهتمامات نوعه ومشاغل نوعه تماماً كما المرأة, ولكن هذا يتنافى ومسألة الكلية التي يُقرأ بها الرجل والجزيئة التي تُقرأ بها المرأة. وأن الرجل موضوع المرأة فذلك لا يعني قصورها عن موضوعات أخرى وإنما لم تحسم بعد هذه المعركة للتحول إلى معركة أخرى, تماماً كما الرجل حين يكتب المرأة كموضوع. ورغم ذلك فالكتابة عن الحبّ والحرب وعن الفضيلة والرّذيلة لا تقتصّر على نوع معين بقدر ما هي قاسم مشترك بيّن النوعين. أما الفوارق الأخرى اللغويّة والأسلوبيّة فهي لا تتعلق بالنوع, وإنما بطبيعة المحمول النفسي الثقافي والاجتماعي, وبطبيعة الموضوع المراد خوضه, وطبيعة التفاعل الوجداني والفكري معه, وهذه خصائص فرديّة وليست نوعيّة بالأساس.
وتقوُّم الكاتبة هدى بركات كتاباتها بأنها تشبة كتابة الرجال, فتقول: أنا كاتبة مثل الرجال, بل إن كتابتي (ضد نسوية). أيضا ترفض مي التلمساني إدراج أعمالها تحت مسمى الأدب النسوي, لأن فيه فصلا بين الرجل والمرأة, وانتقاصاً من قيمة الإبداع نفسه.(فاطمة العفيف, ص 29)
هذا أدى بطبيعة الحال إلى أنه أحيانا لا ينظر إلى أدب المرأة على أنه أدب حقيقي كما يرى صبري حافظ أنه تتم إحالة كل ما تكتبه المرأة إلى عالمها المعيش, فلا ينظر إلى أدبها على أنه أدب حقيقي, لأنه يخلومن الخيال, ولا يعبر إلا عن الواقع الاجتماعي, ولأن حصار التابو (المحرمات) يحاصرها في كل مكان. (أفق الخطاب النقدي, ص 245)
هذا الطرح يدعم عدم وجود كيان أدبي يخص الكتابة النسائيّة, يكون لها من خلاله ملامح خاصة تميزها عن الأدب الذكوري يمنحها صفة ومميزة في بوتقة الأدب العام, السؤال الآن هذا الانصهار المقصود في ظل الثقافة الرجوليّة المجتمعيّة المسيطّرة على المشهد الثقافي العربي هل يخدم إبداع المرأة؟ وهذا الاتفاق من جانب المرأة نفسها من كاتبات لهنّ رصيد أدبي على الساحة الأدبيّة (تحررنّ من فكرة الرجل بالكتابة, وتناولن الكثير من الموضوع بحرفيّة شديدة تضاهي الرجل وتتفوق عليه) هل لأن الموروث الثقافي عمل على تأصيل هذه الفكرة ومنحها صفة الأبديّة أم لأنهنّ اخترن عدم خوض هذه المعركة مع المجتمع والرجل ليركزن على كتاباتهنّ بعيدا عن معارك وقضايا قد تستنفز الكثير من طاقتهنّ دون فائدة؟
بعد هذا العرض يمكن القول لكي يتم تأسّيس قيمة إبداعيّة للأنوثة تضارع الفحولة وتنافسها والتي خلالها: تصبح الشاعرةُ شاعرةً كبيرةً، وأن تخرج من دائرة الرجل، وأن تكتب الأدب الذي يعبر عنها، الأدب الذي لا يموت يجب الأخذ في الاعتبار ما يلي :
* على الشّاعرات أن يكففن عن الإعجاب بذلك النّموذج (النموذج الذكريّ) ويفلتن من إساره ويخلقن النّموذج الخاصّ بهن ليشكّلن بذلك نموذجا مضادّا نديّا للشّعراء، أو كما قالت (جيرمن غرير): “إن النّساء هنّ اللّواتي عظّمن الشّعراء إلى حدّ كبير….، وهنّ اللّواتي بحثن عن سمات تفوّق البشر في حاجب وردزورث، وتألّمن لحزن العالم المرسوم على وجنتي تينيس”، فما دامت النّساء تنظر إلى الشّعر هذه الرّؤية وتقدّس النّموذج الذّكوريّ الشّعريّ ستظلّ تلك العقبات الواقعيّة والخارجيّة “داخليّة على نحو متزايد”. (فراس حج محمد)
* إن الأدب النسويّ، إذا ما نظرنا إليه بموضوعيّة، وبالطريقة نفسها التي يُحاكم بها الأدب الرجولي, سينتج عنه تقديم رؤيّة جديدة، وغير مألوفة، وحقيقيّة بالقدر نفسه للمرأة في الأدب،وللحياة بمنظور المرأة, وهذا لا بد وأن يتصادم مع الأحكام والرؤى القديمة. إلا أن فريق الأدبيات أنفسهنّ يشكل فئة أخرى رافضة لوسم ما تنتج من إبداع بالأدب النّسوي، وهذه الفئة تُعد من أشُّد المقاومين لتأصيل المصطلح، في الوقت نفسه بعض الكاتبات يتنكرنّ لصفتهنّ (الأنثوية)، وأطلقنّ على أنفسهنّ أسماء أخرى رجوليّة, تهربًا من ملاحقة صفة الأنوثة لهنّ في كل الأوساط, وكي يتم تقبُّل ما يكتبنّ من قبل المجتمع \ المتلقي.
وعليه فإن إعادة الاعتبار لكيان المرأة، تمثل الشأن الأساس لأدب المرأة, وهذا عصي على التحقيق، على المستوى الفردي، ويحتاج إلى تكاتف الكتلة النسائيّة الجمعيّة. (صوت الأنثى: دراسات في الكتابة النسوية العربية ، نازك الأعرج ، 1997 ، ص 24 -29)
* تكتب المرأة شعرًا لا يموت عندما تكون حرّة، خارج المدارات التي تتمركز حول مفهوم واحد هو من يناصفها أساسًا, عندما تؤمن أن عليها أن تكون في مكانها اللائق بغض النظر عنه، ليس مطلوبًا منها أن تكون في مواجهته، ولا في إثره، ولا حتى في مجاراته، هي حيث يحتّم عليها النجاح أن تكون، عندها ترى العالم من منظار كبير, ترى كلّ قضاياه ومشكلاته مادةَ كتاباتها, تتقمّص كلّ شخصياته دون وجل, وتكتب برسالة مجتمعية راقية بعيدًا عن الإسفاف…
والأدب النسوي تحديدًا هو ساحتها, إن صالت وجالت فيه لن يجاريها كاتب أو شاعر, لكن دون أن تقصر مداد قلمها عليه فقط, بل لها أن تناوش به في ساحات الأدب كافة لتخطّ به وفيها عملها الخالد. (عبير خالد يحيى)
* إن المشكلة ليست في تمركز الرجل في النص الإبداعي الذي تكتبه المرأة ولكن المشكلة أن يكون تمركزه معبرا عن فلسفة وجود تتقاطع مع ما هو إنساني واجتماعي وديني ووجودي وليس مجرد أيقونة للتغني بمشاعر رخوة ومترهلة لا تقدم معرفة حقيقية بالذات والعالم .
ببساطة، الشّعر لا بد أن يحمل فكرة ورؤيّة وعاطفة ومعجميّة لغويّة وتخييليّة خاصة، وأن يقدم خطابًا عرفانيا بالمعنى الواسع للمعرفة الذي يتضمن الفكر والحدس والشعور والخيال والنبوءة.. إذا تحقق ذلك في النّص فهذا يعني أن النّص جميل وهادف ويقدم جديدا لا مجرد إعادة استهلاك وتدوير للراسخ والمستقر في الوعي . (أشرف الجمال)
* إن الأدب النسويّ هو ذلك الأدب الذي يسعى للكشف عن الجانب الذاتيّ, والخاص في المرأة، بعيداً عن تلك الصورة التي رسمها لها الأدب، لعصور طويلة خلت. فهو أدب يعبر بصدق عن الطابع الخاص لتجربة المرأة الأنثويّة في معزل عن المفاهيم التقليديّة فهو أدب يجسد خبرتها في الحياة. (خصوصية الإبداع النسوي, إيجلتون Mary Eaglton, 1993,pp 155,156)
ولذا فإن لهذا الأدب خصوصيّة وميزة تُمكن المرأة من أن تكتب نفسها والحياة من خلال زواية معينة لا يجيد التقاط الصّور فيها غير عدسّة قلم أنثويّ وحدها تمتلكه دون الرجل.
أن تصبح الشّاعرة شاعرا، لا بدّ لها من أنْ تحصل على كلّ امتيازات الشّاعر الممنوحة له، عرفا ولغة وواقعا وقانونا ثقافيّا واجتماعيّا. ولا بدّ من أن تمارس “فحولتها” وتمرُّدها، وتعيش حرّة، تمارس نفسها شعرا، وتتيح لكلّ تلك العوالم الّتي تمور داخلها أن تتفجّر لتغرق كلّ من حولها، وتخرج كما ينبغي لها أن تخرج دون أن تفكّر بالشرّ والنّكد اللّذين أشار لهما الأصمعيّ، ودون أن تستسلم لنظريّة جايمس فنتن الّتي تعيق الإبداع فطريّا لدى المرأة، ودون أن تفكّر النّساء كذلك إلّا شعريّا، بعيدا عن حُجُب المجتمع والأفكار الحاجزة، العاجزة عن صنع الشّاعرة كما ينبغي أن تكون، ولا تفكّر لا خيرا ولا شرّا، فليس مطلوبا منها أن تكون مريم العذراء، ولا فاطمة الزّهراء. ولا تفكّر بالتّعب، ولا بالرّاحة، أو تعديل أمزجة الرّجال حولها. (فراس حج محمد).
* «أما أعمالي الإبداعية فتحمل بصمتي كامرأة .. وتحمل بصمتي كهذه المرأة الفريدة التي هي أنا .. وما يصدق عليّ, يصدق على كل امرأة عربية مبدعة.» (لطيفة الزيات)
* شاعرة مصرية
محاولة واعية نحو تأسيس قيمة إبداعية للأنوثة تضارع الفحولة وتنافسها
الكاتب : بقلم سمر لاشين *
بتاريخ : 29/06/2018