محللون عرب وأجانب يشيدون بالمواقف الحازمة والشفافة لجلالة الملك

أثنوا على الخطاب «المتبصر» الذي يجعل المغرب ينخرط في مسار الإصلاح

 

أكد المدير العام لمرصد الدراسات الجيوسياسية بباريس، شارل سانت برو، أن جلالة الملك محمد السادس، وجه بمناسبة الذكرى الـ 23 لعيد العرش، خطابا «متبصرا» يجعل المغرب يتموقع ضمن مسار إصلاحي طويل الأمد.
وأوضح سانت برو في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الخطاب الملكي المخلد لذكرى عيد العرش «غني دائما ويتم انتظاره بفارغ الصبر»، مضيفا أن جلالة الملك تطرق ضمن خطابه لثلاثة مظاهر رئيسية.
وأشار إلى أن صاحب الجلالة، ومن خلال تطرقه للمدونة، فقد قرر القيام «بخطوة إلى الأمام» بكيفية تمكن قانون الأسرة من الاضطلاع بدور متزايد، مضيفا أن الأمر يتعلق بمظهر «مهم للغاية».
وفيما يتعلق بالشق الاجتماعي -يضيف المدير العام للمركز- فقد قرر جلالة الملك جعل الآليات المعتمدة أكثر فاعلية من أجل تعزيز الجانب الاجتماعي للمؤسسات.
وبخصوص العلاقات مع الجزائر، شدد الخبير الجيوسياسي على أن «المغرب بذل جهودا وسيواصل القيام بذلك وهو يمد يده (…). لقد حان الوقت للتعاون حتى يتمكن البلدان المغاربيان المهمان من الاضطلاع بدورهما في خدمة التنمية والسلام في المنطقة».
وأشار إلى أن هذه المظاهر الثلاثة «المهمة للغاية» تظهر اهتمامات جلالة الملك، وتشكل محورا لتطوير «سياسة ملكية رائعة تظهر بوضوح أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس هو ملك يتمتع برؤية مستنيرة».
وتابع سانت برو قائلا «هكذا، فإن جلالة الملك محمد السادس يلتزم بشكل أساسي على المدى الطويل، سواء من حيث مدونة الأسرة أو العائدات الاجتماعية الموحدة أو الجزائر. إنه يعلم بأن بناء مستقبل المغرب والمغاربة سيتم على المدى الطويل».
وبحسبه، فإن «هذا دليل على أن جلالة الملك ينخرط تماما في سياق النهج الإصلاحي، على غرار والده جلالة المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني وجده المغفور له جلالة الملك محمد الخامس».
من جانبه، قال الكاتب الصحفي اللبناني خير الله خير الله، إن ما ميز خطاب جلالة الملك محم د السادس في الذكرى الـ23 لإعتلائه العرش ، هو كونه تجسيد للثوابت التي تمس ك بها دائما جلالته ، وفي مقدمتها الاهتمام المستمر بالمواطن المغربي وهمومه.
وسجل الكاتب الصحفي اللبناني في مقال بجريدة «العرب» اللندنية اليوم الاثنين تحت عنوان «ثوابت محمد السادس التي يتقدمها المواطن» أن جلالة الملك خصص جانبا مهما من خطابه لموضوع الأسرة والمرأة بالتحديد، موضحا أن «الأمر هنا، لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية».
وتابع أن خطاب جلالة الملك «لم يترك موضوعا يهم المواطن المغربي ويشغل باله، في هذه الأي ام بالذات، إل ا وتطر ق اليه، وهو ما يعكس مدى قربه من الشعب المغربي ومدى قرب الشعب المغربي منه».
وأضاف أن جلالة الملك تطر ق إلى مرحلة ما بعد الأزمة الناجمة عن جائحة «كوفيد – 19» وما خلفته من اضرار، واستعرض ما قامت به الدولة من جهود جبارة، وما تحملته من تكاليف باهظة، لمواجهة آثار هذا الوباء، موضحا ان جلالته لم يخف كذلك وجود صعوبات واجهت الوضع الاقتصادي المغربي في ضوء ما يشهده العالم من أزمات وفي ظل حالة الجفاف التي اثرت على القطاع الزراعي المغربي.
وإزاء هذا الوضع، يضيف كاتب المقال، حرص جلالة الملك على التمسك بالتفاؤل مشيرا إلى وجود حلول لا بد من اعتمادها بدل الإستسلام للصعوبات.
وأشار إلى أنه «كان لافتا أن الموضوع الخارجي الوحيد الذي تطر ق له الملك محم د السادس، إذا استثنينا إشارته إلى المبادئ العامة للسياسة المغربي ة والمحافظة على وحدة التراب الوطني، هو الجزائر».
مر ة أخرى ، يضيف خير الله خير الله، «كانت هناك يد مغربي ة ممدودة إلى الجزائر حيث لم يعد سرا أن النظام في حالة هروب مستمر ة من أزمته الداخلي ة إلى شن الحملات على المغرب. وصل الأمر بالنظام الجزائري إلى قطع العلاقات مع المغرب قبل سنة، مستندا إلى أسباب واهية واوهام، فيما الحدود بين البلدين مغلقة منذ العام 1994 من دون أي سبب منطقي لذلك».
وأوضح أن جلالة الملك شدد، في رهان واضح على الشعب الجزائري والوعي الذي يمتلكه، على أن «الحدود، التي تفرق بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لن تكون أبدا، حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما. بل نريدها أن تكون جسورا، تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر».
وذكر أنها ليست المر ة الأولى التي يدعو فيها جلالة الملك إلى علاقات طبيعية بين بلدين شقيقين يواجهان تحديات مشتركة عد ة.
إلى ذلك، قالت يومية (الدستور) الأردنية إن الملك محمد السادس جدد في خطابه الدعوة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع الجارة الجزائر.
وأبرزت الصحيفة تطلع جلالة الملك إلى العمل مع الرئاسة الجزائرية « لإقامة علاقات طبيعية «، وتأكيد جلالته على الرغبة « في الخروج من هذا الوضع «.
وأوضحت أن صاحب الجلالة قال في خطابه السامي « إننا نتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية ، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد لإقامة علاقات طبيعية ، بين شعبين شقيقين تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية والمصير المشترك «.
وأضافت اليومية أن جلالة الملك « شدد مرة أخرى بأن الحدود التي تفرق بين الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري لن تكون أبدا حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما ، بل نريدها أن تكون جسورا تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر «.
وتابعت أن صاحب الجلالة اعتبر في خطابه ، أن « ما يقال عن العلاقات المغربية الجزائرية ، غير معقول ويحز في النفس « ، مؤكدا « بالنسبة للشعب المغربي ، فنحن حريصون على الخروج من هذا الوضع ، وتعزيز التقارب والتواصل والتفاهم بين الشعبين «.
وذكرت الصحيفة بأن جلالة الملك سبق أن دعا ، بمناسبة خطاب العرش العام الماضي ، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى « تغليب منطق الحكمة «، والعمل في أقرب وقت على تطوير العلاقات بين البلدين الجارين.
وأشارت إلى أن جلالة الملك سبق له أيضا أن اقترح أواخر العام 2018 تشكيل « آلي ة سياسية مشتركة للحوار « من أجل تجاوز الخلافات القائمة بين الجارين ، داعيا إلى فتح الحدود البرية المغلقة منذ العام 1994 . لكن الاقتراح لم يلق استجابة.
من جهته، أكد الكاتب الصحفي الكويتي أحمد الجار الله، أنه في كل عام حين يحتفل المغاربة بعيد العر ، يجدد الملك محمد السادس، الثبات على الموقف الشفاف والصادق الذي يخاطب به شعبه، ويضع أمامه كل ما تحقق خلال العام المنصرم، وكذلك الخطوات التي يعمل عليها الحكم في السنة التالية.
وأضاف الإعلامي الكويتي في مقال بجريدة «السياسية» الكويتية، نشرته اليوم الاثنين أنه «في هذا الخطاب السنوي يشعر الجميع كم هي كبيرة الأثقال التي يعيشها هذا الملك الذي أسر قلوب شعبه بتلك المواقف الحازمة، البعيدة عن أمنيات لا تتحقق، لأنه يدرك جيدا أن الحكم مسؤولية وأمانة كبرى».
لهذا ، يضيف كاتب المقال، «خطت المملكة وطوال عقدين خطوات كبيرة في طريق التنمية، التي أطلق في سبيلها الملك محمد السادس هذه السنة دعوته المغاربة إلى العمل بروح المبادرة ومقومات الصمود لتوطيد الاستقرار الاجتماعي الذي استطاعت بلاده خلال السنوات القليلة الماضية، ورغم التحديات الكبيرة، أكان خلال جائحة كورونا أو التطورات الدولية التي انعكست على الدول كافة، التغلب عليها والمضي في طريق التطور».
وأوضح أن جلالة الملك «لا يوارب الأبواب في الصراحة مع شعبه، فإذا كانت سنة عجفاء، أظهر له المعوقات التي أدت إلى ذلك ووضع الحلول لتلافيها في العام التالي، أما إذا كانت سنة دسمة بالأعمال والإنجازات حدد المعالم الواجب اتباعها من أجل استكمال البناء على ما تحقق».
ولفت إلى أنه بفضل تضافر جهود الدولة والقطاعين العام والخاص، تمكن الاقتصاد المغربي من الصمود في وجه الأزمات والتقلبات، وحقق نتائج إيجابية، في مختلف القطاعات الإنتاجية، «لأن ثمة قيادة تعمل على التوجيه الأمين لاستمرار النهوض والتمكين، وها هي ثمار ذلك تظهر يوميا في شتى القطاعات».
وبهذه الشفافية أيضا، يقول الإعلامي الكويتي «يأتي حرص الملك على أفضل العلاقات مع الجيران الأشقاء في شمال إفريقيا، والقارة السمراء والعالم العربي، لإدراك الملك محمد السادس أن التكامل أساس النهوض والقوة والصمود».
وسجل أنه «من هنا تتجدد دعوته الصادقة إلى القيادة الجزائرية للعمل على أن يضع المغرب والجزائر يدا بيد لإقامة علاقات طبيعية بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، ومصير مشترك»، مؤكدا أن العلاقات الطبيعية بين المغرب والجزائر تعود بفوائد كبيرة على البلدين والشعبين وتعزز صمودهما بوجه التطورات الدولية، وهذا موقف مغربي ثابت لم يتغير.
في السياق نفسه، أكد المحلل السياسي التونسي، محمد نجيب ورغي، أن الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 23 لعيد العرش هو خطاب «حكمة وتبصر وحقيقة».
وقال إن هذا الخطاب، «من خلال الرسائل الكثيرة التي تضمنها، يبني رؤية ونموذجا ويقدم مسارات عمل وإصلاحات من أجل تقوية التضامن الاجتماعي ووحدة البلد وتعبئة كل الإرادات لتمضي المملكة قدما على طريق تعزيز مكتسباتها وموقعها».
ووفق المدير السابق لوكالة الأنباء التونسية، فالخطاب يظهر بجلاء عزم جلالة الملك الأكيد على مواصلة زخم الإصلاح الشامل لإرساء أسس التنمية المستدامة والشاملة والمشتركة .
ويتعلق الأمر ، حسب ورغي، بتطور تستفيد منه جميع شرائح المجتمع، ويمكن الفئات الهشة ، المتأثرة بآثار وباء كوفيد – 19 وآثار السياق الدولي المتقلب ، من الاستفادة من شروط حياة كريمة.
ويتميز الخطاب الملكي، ويضيف، بحمولة اجتماعية واقتصادية قوية، حيث يعلن بوضوح عن أولويات العمل الحكومي للفترة المقبلة، مسجلا أن هذه الإجراءات ترتكز، بشكل أساسي، على إصلاح مدونة الأسرة لصالح حقوق النساء، والحماية الاجتماعية، ومراقبة الأسعار، وتعزيز أسس التضامن.
ووجب التسجيل، وفق ورغي، وبشكل جلي، ومرة أخرى، اليد التي مدها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الجزائر.
وجدد جلالة الملك التعبير عن الأمل في أن يتمكن البلدان من تجاوز الصعوبات وطي صفحة فترة طويلة من سوء التفاهم الذي لم يخدم بأي حال من الأحوال مصالح الشعبين.
وتميزت الدعوة الملكية بإخلاص كبير وتطلع واضح ، حيث جاء فيه: « إننا نتطلع، للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين».
أما فيما يخص الادعاءات، التي تتهم المغاربة بسب الجزائر والجزائريين، أكد جلالة الملك أن من يقومون بها، بطريقة غير مسؤولة، يريدون إشعال نار الفتنة بين الشعبين الشقيقين. وعلى صعيد آخر، وفي مواجهة أوضاع داخلية ودولية صعبة ، أكد جلالة الملك على ثقته بقدرة المغرب على تجاوز هذا السياق.
وبحسب هذا المختص في العلاقات المغاربية و الأورومتوسطية ، فإن هذا التفاؤل ينهل من التلاحم الدائم بين جلالة الملك والشعب، من جهة، والإحساس القوي بالوطنية المتجذرة في المغاربة أكثر من أي وقت مضى، الملتزمون بالحفاظ على أمن بلادهم ووحدتهم الترابية، من جهة أخرى.
وينبع تجديد التأكيد الرسمي على دور المرأة في المجتمع، ودعوة جلالة الملك لتحديث الآليات والتشريعات المخصصة للنهوض بحقوق المرأة والأسرة، من قناعة راسخة والطموح الذي يعني أن تنمية البلاد لا يمكنها إلا أن تكون عملية دينامية ينخرط فيها الرجال والنساء.
وتشهد دعوة جلالة الملك لتعميم محاكم الأسرة على كل المناطق، وتمكينها من الموارد البشرية المؤهلة، ومن الوسائل المادية، الكفيلة بأداء مهامها على الوجه المطلوب، على اهتمام واضح بإعطاء فعالية لهذا الإصلاح المهم.
وقال إن جلالة الملك، وفي السياق الحالي ، أكد على الاهتمام الذي يوليه للجانب الاجتماعي للتنمية.
وأوضح أن ذلك يؤكده تنفيذ المشروع الكبير، لتعميم الحماية الاجتماعية، وتأهيل المنظومة الصحية، وإطلاق مجموعة من المشاريع، الهادفة لتحقيق السيادة الصحية، وضمان أمن وسلامة المواطنين.
وأبرز أن هذا الاهتمام الخاص سيترجم نهاية 2023 بتعميم مشروع التعويضات العائلية التي سيستفيد منها حوالي سبعة ملايين طفل،وثلاثة ملايين أسرة بدون أطفال في سن التمدرس.
وأشار ورغي إلى أنه وبموازاة التصدي للمضاربات والتلاعب بالأسعار، ستترجم الجهود المبذولة في مساعدة الفئات الأكثر هشاشة بمضاعفة ميزانية صندوق المقاصة، لتتجاوز 32 مليار درهم،.
وخلص ورغي إلى أن خطاب العرش يؤكد، مرة أخرى ، أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس ينصت لشعبه وأن جميع الإصلاحات التي يحرص على تنفيذها بسرعة وحيوية ، تشكل حجز الزاوية الذي يعزز الرابط الذي يجمع بين الملك وشعبه.


بتاريخ : 02/08/2022