لم يقف اضطراب عسر القراءة والكتابة، أو المرض المعروف علميا باسم الديسليكسيا، حاجزا أمام ابن مدينة أصيلة، محمد الشدادي، لتحقيق الخطوة الأولى في مسيرته الدراسية بنيل شهادة البكالوريا بميزة.
هي خطوة مهمة في مسار دراسي شاق، تجاوز خلاله، بدعم غير محدود من عائلته وأطره التربوية، عدة عوائق نفسية وذاتية، لكنه توج بفرحة عارمة بعد نيله البكالوريا بمعدل 13.8 نقطة من 20، في مسلك الآداب بالثانوية التأهيلية وادي الذهب بمدينة أصيلة.
لم يخف محمد الشدادي، في حديث مع وكالة المغرب العربي للأنباء، فرحته الكبيرة بالنجاح في امتحانات البكالوريا، قائلا «أنا فرح جدا بحصولي على البكالوريا، لقد تحديت بالفعل نفسي وتجاوزت قدراتي من أجل الحصول عليها».
وتابع «لقد سهرت الليالي، وبذلت مجهودا كبيرا، وبفضل المحيط العائلي، لاسيما أبي وأمي اللذين سهرا معي، والإعداد الجيد للامتحان، وبذل مجهود مضاعف مقارنة بأقراني، تمكنت من الحصول على الشهادة».
النجاح في البكالوريا كان بمثابة نجاح لكل أفراد العائلة والأطر التربوية، بل لكل من دعم وآمن بقدرة محمد الشدادي على تجاوز إضراب الديسليكسيا، وعلى تحويل هذا العائق إلى حافز، بفضل العزيمة والإصرار.
ويقول عبد الله الشدادي، والد محمد، إنه «رغم الصعوبات والعراقيل، لمسنا كأسرة الرغبة والقدرة لدى محمد على التحصيل، وقفنا بجانبه وساندناه طيلة فترة دراسته، وعملنا على مواكبته من أجل الحصول على شهادة البكالوريا»، مضيفا «نحن فرحون بهذا الإنجاز هو تتويج لجهدنا من أجل تخطي كل الصعوبات والعراقيل التي اعترضت طريقنا».
وأضاف عبد الله الشدادي أن «مسيرته لم تكن طبيعية ولا عادية، بصبرنا نحن، وبفضل عزيمته ورغبته في التفوق، تجاوزنا كل الصعوبات»، مضيفا لقد «كان يعاني من صعوبة في التعرف على الحروف والأرقام وفي الحفظ، ما اقتضى منا بذل جهد أكبر في مواكبته ومساعدته على متابعة الدراسة».
تم تشخيص محمد الشدادي باضطراب الديسليكسيا وهو تلميذ في السنة الثانية ابتدائي، ومنذ ذلك الوقت حرصت عائلته على متابعة مرضه مع دكاترة متخصصين، بالمغرب وبالخارج، وتمكينه من مواكبة خاصة ضمن المؤسسات التربوية التي درس بها.
لسنوات عديدة، كانت دعاء الشدادي، أخت محمد، تذهب معه إلى المدرسة كمرافقة تربوية بحكم الصعوبات التي يواجهها في القراءة والكتابة، موضحة أنه خلال السنة الثانية من البكالوريا وجد محمد نفسه وحيدا بالفصل الدراسي تنفيذا للقواعد المعمول بها في السنوات الإشهادية، لكنه تفوق بالفعل على مرضه وحقق حلمه في نيل شهادة البكالوريا بميزة مشرفة.
عزيمة محمد على تحقيق حلمه، خيبت توقعات محيطه، بمن فيهم أولئك الذين رجحوا أن ينقطع عن الدراسة في السلك الإعدادي على أبعد تقدير، وعزيمته ترسم الآن له الطريق نحو الحصول على شهادة جامعية عليا.
ويقول عبد الله الشدادي إن «طموحنا الآن صار أكبر، وإن شاء الله سيحصل على الشهادة الجامعية. لن نستسلم، وسنظل إلى جانبه وندعمه ونشجعه لغاية بلوغه المستوى الذي يريده».
هي قصة ملهمة لعدد من التلاميذ الذين يعانون مع اضراباتهم في صمت، بل بسببها يغادر عدد منهم فصول الدراسة لجهل بوضعهم النفسي أو لفشل في التشخيص المبكر له، ما يقتضي زيادة المتخصصين التربويين في المدارس العمومية والخصوصية القادرين على رصد حالات «الديسليكسيا» ومواكبتها بفعالية ضمانا لحق هؤلاء الأطفال في التعليم.
بكلمات قوية، يدعو محمد الأطفال والتلاميذ الذين يعانون من عسر القراءة والكتابة إلى «عدم الاستسلام، بل إلى العمل على تجاوز مشاكلهم، والتشبث بحلمهم للوصول إلى المبتغى».
يذكر أن عدد المرشحين في وضعية إعاقة الذين نالوا شهادة البكالوريا على مستوى المديرية الإقليمية للتربية الوطنية بطنجة-أصيلة، والذين استفادوا من تكييف اختبارات امتحان الدورة العادية، بلغ 39 ناجحا، 11 من بينهم من الإناث.
محمد الشدادي، حينما تنتصر الإرادة والمثابرة على مرض الديسليكسيا

بتاريخ : 17/06/2025