أحمد سيجلماسي
حلت الذكرى الأربعينية لرحيل الفنان محمد الشوبي الذي غادرنا إلى دار البقاء فجر يوم الجمعة 2 ماي 2025 بالمستشفى العسكري بالرباط، عن عمر ناهز 62 سنة، وذلك بعد مرض عضال لم ينفع معه علاج.
وبمناسبة تجمع أصدقائه وأهله ومحبيه وعشاق فنه، مساء الخميس 12 يونيو 2025 بقاعة الفن السابع بالرباط، لتذكره والترحم عليه واسترجاع بعض الذكريات الجميلة معه، في حفل تأبيني، نقترح هذه الورقة التعريفية بمساره الفني الذي تجاوز أربعة عقود من البدل والعطاء:
تميز الفنان المشاغب محمد الشوبي، المزداد بمراكش يوم 3 دجنبر 1963، عن كثير من الممثلين المغاربة بشغفه الكبير بالقراءة واهتمامه الجدي بالآداب والفنون وقضايا الشأن العام، وبحضوره الإعلامي الفاعل من حين لآخر في الصحافة الورقية والإلكترونية والسمعية والبصرية مبدعا أدبيا أو معبرا عن رأي أو مدافعا عن قضية أو مساجلا مع المخالفين له في الرأي…
انطلقت تجربته في التشخيص المسرحي بمراكش منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي، وكان وقتها لا يزال يافعا في مرحلة المراهقة، واحتك بتجارب مسرح الهواة إبان عصره الذهبي قبل أن يلتحق بشعبة التشخيص بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط ويتخرج من هذا المعهد، الذي فتح أبوابه سنة 1986، ضمن أول دفعة من دفعاته سنة 1990.
انفتح الراحل الشوبي ابتداء من سنة 1988 على المسرح الإحترافي، تشخيصا وإخراجا، بفضل تكوينه الأكاديمي النظري والعملي داخل معهد الرباط المذكور وخارجه. ومن بين المسرحيات التي شخص أدوارا متنوعة فيها نذكر: «العازب» للراحل جمال الدين الدخيسي و»صوت ونور» للراحل الطيب الصديقي و»بوحفنة» و»أولاد البلاد» ليوسف فاضل… أما المسرحيات التي أخرجها أواخر التسعينات فمن بينها: «هيستيريا» و»المدينة والبحر» و»مرتجل» و»رسائل خطية»…
كانت بداية انفتاحه على التلفزيون سنة 1999 في الفيلم الفرنسي «المسيح» من إخراج سيرج مواتي ومسلسل «أولاد الناس» للمخرجة المغربية فريدة بورقية… وبعد ذلك تتالت أعماله التلفزيونية والسينمائية إلى أن تجاوز عددها رقم المائة.
من بين أفلامه السينمائية الروائية الطويلة الأولى نذكر على سبيل المثال: «عطش» (2000) لسعد الشرايبي و»لعبة الجواسيس» (2001) للأنجليزي طوني سكوط و»عود الريح» (2001) لداوود أولاد السيد و»ألف شهر» (2003) لفوزي بن السعيدي… ومن آخر أفلامه السينمائية الطويلة نشير إلى العناوين التالية: «أنوال» (لم يعرض بعد) لمحمد بوزكو، «الممثلة» (2025) لحسن غنجة، «الهاربون من تندوف» (2024) لعبد الحق نجيب، «فندق السلام» (2024) لجمال بلمجدوب، «مطلقات الدار البيضاء» (2023) لمحمد عهد بنسودة، «الثلث الخالي» (2023) و»أيام الصيف» (2022) لفوزي بن السعيدي… هذا بالإضافة إلى أعمال أخرى من بينها الفيلمان القصيران: «كتاب اليوم» (2024) لوليد لمحرزي العلوي و»مندرين» (2024) لهبة البوشتاوي…
أصدر محمد الشوبي سنة 2014 مجموعة قصصية بعنوان «ملحمة الليل» تناولت قصصها الأربعة والعشرون نماذج بشرية نسائية وحكايات بعض المهمشين داخل المجتمع. كما أصدر سنة 2023 ديوانا شعريا بعنوان «وطن على حافة الرحيل» مزج فيه بين الشعر والنثر وضمنه مرثيات لرموز فنية وسياسية وتعبيرا عن قيم إنسانية ظل يدافع عنها إلى آخر رمق. هذا فضلا عن كتابته لمسرحة «حر الغرام» ونشره ورقيا وإلكترونيا لمجموعة من مقالات الرأي في قضايا فكرية وفنية وغيرها.
صدر عنه ضمن منشورات مهرجان الأيام السينمائية لدكالة بالجديدة كتاب جماعي سنة 2018 في 83 صفحة بعنوان «محمد الشوبي.. الممثل الملحاح»، نسق مواده خالد الخضري وشارك فيه إلى جانبه كل من أمينة بركات وعبد الكريم واكريم وحسن نرايس ومصطفى النحال والحبيب ناصري وأحمد سيجلماسي وحميد زيد وإدريس الروخ ومبارك حسني وعبد العزيز بنعبو.
في تدوينة من تدوينات الراحل الكثيرة على صفحته الفايسبوكية عرف بنفسه على الشكل التالي:
«أنا محمد الشوبي، مشخص مسرحي وسينمائي وكاتب، درست بالمدارس العمومية بمدينة مراكش.. أنا إبن حي باب آيلان وترعرعت بحي سيدي أيوب.. حاصل على بكالوريا آداب عصرية خولت لي إكمال دراستي بجامعة القاضي عياض ثم بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي.. حاصل على دبلوم في التشخيص وهو معادل للإجازة في الآداب.. أنا إبن بار للمسرح، هو مدرستي في الحياة، هو مورد أفكاري، تعاطيت لفنونه منذ صغر سني، نهلت منه الفكر والفلسفة والحياة منذ الهواية.. تركت الدراسة الجامعية الأدبية في السنة الثانية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية لألج المعهد العالي للفن المسرحي بالرباط منذ أن سمعت بافتتاحه.. درست به أربع سنوات.. تخرجت منه بعدها ممثلا عن جدارة وعلم.. عينت قسرا في وزارة الداخلية بقسم الجماعات المحلية.. تركت الوظيفة من أجل هذا العشق الأبدي للمسرح وعدت بقوة إلى الخشبة وتعلقت بكواليسها وعملت بجد واجتهاد… «.
حظي محمد الشوبي قيد حياته في السنوات الأخيرة بالعديد من التكريمات من بينها بالخصوص تكريمه في حفل افتتاح الدورة 24 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة مساء يوم 18 أكتوبر 2024 وفي اختتام الدورة 22 للمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة مساء السبت 4 يونيو 2022… رحمه الله.