مسكوناً برغبة الانتماء إلى هذا الوطن كان .. وينظر بعمق الإحساس إلى هذه الحياة الفانية .. من مواليد برج القوس بالمدينة الحمراء، وأسخف ما نحمل هي الأبراج، أنا من برج الثقافة والإبداع والنضال، كان يقول، رسم طريقه بتواضع وتفاؤل وطموح ..فنان إنسان كان ينتمي إلى أحلامه وطموحاته بعيداً عن خشبة الأوهام الزائفة والإدعاءات الأكثر زيفا وتزييفا.
أنا هو.. أنا محمد الشوبي ..أنا مشروع «ضخم» ما أحوجه إلى مستثمرين كبار يعشقون الفن والحياة .. بين اليوم والأمس، كان للصوت، وكانت الصورة .
رجل لم يكن يضبط إيقاعات الحياة، فالحياة موشومة بالحفر و المنعرجات…ثقافة واسعة، واهتمام بالآداب والفنون وقضايا الشأن العام.. إنه لم يكن يخشى الأحلام المملوءة بالسكاكين ، ولم يكن يتفادى كلمة « التزام» فهي جزء من ذاته من كينونته ، من مساره الفني و من مسيرته في دروب الحياة ..وما بدل تبديلا، كان النضال جزءاً من حياته اليومية، يترك بصماته على الجسد والعقل والأعصاب و الباقي – عرفته، صاحب النفس الأمارة بالخير والإخاء والمحبة.. عرفته يتحسس أوجاع وهموم البسطاء ومعاناة الشرفاء . ومواجهة الدخلاء.
حياة مددتها خطوات، الألم والأمل.. والأفراح والأحزان . فالزمن، بالنسبة لصديقنا، يخترق بالزمان ، وسط وفوق المكان ..بين البركان والبرهان .
والحياة، ليست سوى عواصف تلو الأخرى، نواجهها بالالتزام والثقافة والأدب والفن والإبداع.. وانتهى الكلام ، وعلى الدنيا السلام.
كم كان معاتبا للمسؤولين عن النفوس المشحونة..وأصحاب الحقوق المهضومة ، كانت الجلسة معه متعة ومؤانسة وأيضا نرفزة حين يضيق البحر بالأسماك في أجواء تلتهب فيها النجوم، وتتساقط الشهب ويغيب القمر..
لا… فهو لم يكن جديراً ببلاد يكون المرور إليها جواز سفر.. فهو كان جديرا ببلاد جوازاتها أن تحب الفن والقمر..! على حد تعبير الشاعر عبد الله راجع الكبير.
حول عزيزنا الشوبي الهامش، بفضل الكفاءة الموسومة بالإرادة والطموح والصبر والتحدي، حوله، قلت، إلى مركز للإشعاع، وأحياناً بالتضحية ونكران الذات.
هو كما هو، لو لم يكن فنانا مثقفا، لكان فنانا مثقفا، هو لم يكن مهمشا ، بل كان فناناً مناضلاً يُدير ظهره للكذب، والإدعاء والبهتان – هو لوحة زيتية بالألوان – وكفى من النفاق والعصيان ! .
من شيمه السخاء والكرم والعطاء كلما استطاع إلى ذلك سبيلا.
والشوبي، نهر يتدفق في أعماقه وطن بأكمله, من حدود الروح إلى حدود القلب، تأخذه الأقلام إلى ما يريد المنطق والعقل ولا تغويه الوعود الكاذبة التي لا تتحقق فوق الأرض ، يحب الكاميراً، وتحبه الخشبة . يعشق الكتاب نثراً وشعراً و يبادله نفس الشعور والأحاسيس.
كان محمد يحمل دائماً طفولته المرتسمة على الشفتين باليقين، ولا يهمه رياض المعطي ولا الدار الكبيرة ولا ثمن الرحيل … هكذا كان يحتمل الفن نعيما وعذاباً.
قد يقضى صاحبناً ألف شهر دون أن يقترف عملاً في عالم الفوضى والفوضويين، والمتطفلين – والانتهازيين بشعار البيت الشعري القائل: لا خير في ود امرئ متملق … إذا الریح مالت، مال حيث تميل ..
وحين يعود إلى المسرح بعد غياب طويل أوكاد يطول ، حتى الفساتين التي كان قد أهملها … ترقص لعودته .. كرقصته في مسرحية « النشبة» الحسنة العرض.
بالنسبة لسي محمد، لا يهم شَكَلُ الكأس، إذا كانت النشوة تُحرك القلب والفكر و الوجدان – كانت دائماً تحدوه رغبةً عميقة في أن يطفوا حديثة فوق السطح، وتحت شجرة الزاوية ليفكر ما يقول ، ويقول ما يفكر، وكفى المؤمنين شر القتال.. إنه الوديع ، البهي، المستقيم البعيد عن حروف العلة ، إنه الرجل الذي كان يجر الخطوات مسرعاً لتحصين الذات باستقلالية المثقف الذاهب إلى جوهره.
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم وكيف ينام ؟ كيف ينام ملى جفونه … والآخرون يتعذبون .. و المجرمون كثيرون والمتطفلون عديدون
و المدعون حاضرونا.. واللصوص متهافتون … والمحرومون كئيبونا .. والقاصرات مغتصبات .. و المبدعات مهمشات.. وهلم قلقاً وأحزاناً وأحلاماً بين محمد والشوبي.
نم قريرالعين الآن يا صديقي ! ولك أنت عزيزة أم البنين..
أحر التعازي وأصدق المواساة ، فعزيزنا يا عزيرة لم يمت ، وإنما رحل رحلة الشتاء والصيف، بين ملحمة الليل وملحمة النهار وما بينهما .
محمد الشوبي : ملحمة الليل والنهار…. وما بينهما !

الكاتب : حسن نرايس
بتاريخ : 17/06/2025