محمد الناصري.. حكاية جندي مغريى تعرض للاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف لأزيد من 24 سنة / يتيم حرم من ثدي أمه و رضع من عصا والده 01

محمد الناصري قصة متشعبة لدروب الحياة الشائكة. لم تمهله التفاصيل الشاردة مع سيولات الزمن متسعا من الوقت ليتنفس هواء الحب و المتعة لترمي به في قلب مغامرة اختبر فيها معنى القسوة و الألم، و العذاب و الألم..
قدر عليه أن يكون يتيما أُم وهو رضيع، قبل أن يُمْنَعَ من ممارسة شغبه الطفولي .. وبين حضن الجدة في الجبل وزوجة الوالد، قساوة عنوانها عصا الوالد بدل دفء الأُبوّة.. تم امتهان الشقاء بعيدا عن جحيم البيت..
قصة محمد الناصري، حكايات تتشعب بين الاحتجاز القسري بمعتقلات تندوف، حيث كان نصيبه أزيد من 24 سنة من التعذيب خلف الاسوار المظلمة التي غيبته عن أسرته و محبيه، مغيبة معها أيضا أزهى أيام شبابه، لكنها أيضا قصة بليغة لملحمة فردية من الصمود و الأمل و الإيمان الصادق …

اسمي الناصري محمد ولدت بدوار أيت ويرانَ بتنانت بإقليم أزيلال سنة 1957.. عشت يتيم الام حيث توفيت والدتي وأنا لم أتجاوز بعد ثلاثة أشهر.. فاحتضنتني جدتي من أبي..
تزوج والدي من امرأة أخرى وهي من أقاربه.. أنا وحيده من أُمي، لكن له خمسة أبناء من زوجته الجديدة..
ولأن والدي جندي بتاوريرت ناحية وجدة ، تكفلت بي جدتي بالدوار إلى أن بلغت سبع سنوات، حيث اخذني والدي الى تاوريرت، وسجلني في مدرسة ابتدائية.. وبقدر ما فرحت للالتحاق بوالدي والخروج من الدوار حيث الحياة محدودة في منطقة جبلية تنعدم فيها الكثير من الشروط التي كانت حلمي كطفل يروم فضاء أوسع وأرحب بعيدا عن الحصار بين فجاج الجبال، بقدر ما صدمت من المعاملات القاسية من زوجة والدي حيث كانت تحرضه ضدي ما يجعلني دائما عُرضة للضرب المبرح من طرفه وأحيانا لأكثر من مرتين في اليوم الواحد.. ورغم أنني كنت تلميذا نجيبا غير أنها كانت تفتعل قصصا وسيناريوهات منها انني أتهاون في دراستي، وهو ما يجعل عصاه تجد دائما طريقها الى جسدي الفتي.. والدي كعسكري ليست له لغة حوار.. لغته هي العصا، وحرماني من نفس الحقوق التي يتمتع بها باقي إخوتي.. كنت أشعر بالتمييز خصوصا ان أمهم كانت تعتني بهم وتُجمل صورتهم لوالدي بينما تُلْصِقُ بي كل ما هو قبيح..
لم أر يوما والدي يبتسم في وجهي أو يضمني إلى صدره كما يفعل مع إخواني.. كنت أحلم أن أري يوما الابتسامة مرسومة على محياه وهو ينظر إلي..
فكرتُ في غير ما مرة أن أهرب وأتخلص من جحيم أسرة تفتقد للدفء الأسري.. لكن الذي حصل هو أنني وضعت حدا لمواصلة دراستي بقسم المتوسط الثاني أي الشهادة الابتدائية.. كان ذلك سنة 1969 لأُغامر في امتهان الشقاء من خلال العمل في مخبزة.. عذابها أهون بكثير من جحيم أسرة تنظر إلي كيتيم يعيش عالة ثقيلة عليها.. كنت أشتغل في المخبزة ونيران فرانها أهون بكثير من أسهم كشهاب من زوجة والد تتمنى لي الموت في أية لحظة.. أشتغل من الرابعة بعد الزوال الى غاية السادسة صباحا.. أُرتب الخبز خسب نوعيته في الحاويات ثم أقوم بعملية التنظيف..
كان أجري لا يتجاوز 10 دراهيم في اليوم، أسلمها لوالدي بالكامل.. وما يؤلمني حقا أن الأجر الذي أبدل من أجله عرق جبيني يوزعه بين إخواني دون أن أتسلم منه سنسا واحدا..
لكن رغم ذلك كنت أكثر ارتياحا خصوصا أنني تخلصت من العصا التي رسمت اثرها في جسدي كل يوم..


الكاتب : محمد المبارك البومسهولي

  

بتاريخ : 03/07/2017