يأبى امبارك بودرقة (عباس) إلا أن يضرب موعدا جديدا مع القراء بمناسبة المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الثلاثين ، وذلك بإصدار الجزء التاسع من موسوعة محمد باهي حرمة الموسومة بـ « يموت الحالم ولا يموت حلمه» الصادر عن منشورات باب الحكمة، وهو الجزء الذي يضم سلسلة مقالات نشرت بجريدتي التحرير والمحررخلال سنوات 1959 و1962 ثم 1964 وأخيرا سنة 1965.
هذا الجزء يصدر بعد الأجزاء الخمسة الأولى التي تضمنت جزءا من تراث باهي الفكري «رسالة باريس» والتي صدرت سنة 2016 بمناسبة الذكرى العشرين لرحيل محمد باهي ثم بعدها صدرت الأجزاء 6 و7 و8 على التوالي سنوات 2022 و 2023 ثم 2024؛ وقبل ذلك صدرت عن حلقة أصدقاء محمد باهي أشغال الندوتين المنظمتين بكل من مدينتي مراكش ومكناس (2004 و2006) في موضوعي: محمد باهي وقضية الصحراء المغربية ثم الحداثة وتحرير الإنسان؛ وأخيرا كتاب الصحراء الي يضم سلسلة مقالات كانت قد نشرت في جريدة الاتحاد الاشتراكي.
الجزء التاسع من هذه الموسوعة يقع في 395 صفحة من الحجم المتوسط، ويضم علاوة على التقديم ستة محاور أو تيمات تحوي مجموعة من المقالات نشرت بجريدتي التحرير والمحررموزعة -كما جاء في الكلمة التقديمية لهذا الجزء- على الكثير من المجلات والجرائد في كل من المغرب والجزائر ولبنان وسوريا والعراق ومصر؛ هذا بالإضافة إلى ملحق يتضمن الكلمة التي ألقاها المرحوم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في ذكرى العشرين لوفاة محمد باهي حرمة، وذلك بمناسبة صدور الأجزاء الخمسة من مشروع إعادة نشر تراث باهي «يموت الحالم ولايموت حلمه»، والتي تضم جزءا من تراثه الفكري «رسالة باريس».
ومن بين الأشياء التي يمكن التوقف عندها في هذا الجزء هو المقالات (16) التي كان المرحوم قد خصصها عن السودان أوكما عنونها بـالسودان: في البحث عن الزمن الضائع. فعند وصوله إلى السودان سنة 1965– كما جاء في تقديم هذا الجزء- لاحظ وجود صراع بين قوتين متعارضتين: ما يُعرف بالبروليتاريا وقوة الجيش التي نحت لها اسما على نفس الوزن «العسكرتاريا»، قائلا: «إن ظاهرة تولي العسكريين مسؤوليات الحكم والسياسة، ليست أمرا جديدا على مسرح تاريخ ما اصطلح الناس على تسميته بالعالم الثالث وليست غريبة بصورة خاصة عن المشرق العربي. بل إن طبعات الانقلاب، والانقلاب المضاد، والانقلاب الفاشل، وضربات الحكم التي تحولت إلى ثورات تقدمية ذات مضامين اجتماعية وفكرية عميقة، والثورات الشعبية التي انقلبت إلى أنظمة عسكرية أو نصف عسكرية هي من الكثرة والتنوع في العالم الثالث، وفي المشرق العربي بالذات، لدرجة أنه لا من باب التجديد في المصطلحات أو ابتكار العبارات، التحدث عن طبقة جديدة، هي «العسكريتاريا» التي يبدو أنها طامحة في بعض الأحيان لأن تقوم في بعض الدول المتخلفة بالدور الذي قامت وتقوم به البروليتاريا في الدول الصناعية. وسيكون على خبراء علوم السياسة والاقتصاد وفقه القانون الدستوري، وأصحاب النظريات الاجتماعية أن يدرسوا هذه الطبقة الجديدة المختلفة تماما عن الأصناف التي تعرض لها ماركس ولينين وملوفانجيلاسوماوتسي تونغ ودافيد رسمان وجورج غورفيتش (Georges Gurvitch)، وغيرهم من الدارسين القدماء والمعاصرين».
كما خصص ست حلقات ضمن مقالاته عن السودان لـ»ثورة المثقفين»، من منطلق الوعي، كما جاء في التقديم:»أن فهم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأي شعب من الشعوب، وخاصة المتخلفة التي يكون فيها للعوامل النفسية دور كبير يكون ناقصا، ما لم نراجع مجموع التراث الفكري (قصة، شعر، تاريخ) الذي يتناول حياة هذا الشعب. إن فهم وضع أمريكا اللاتينية لا يستقيم مثلا بدون قراءة كاتب مثل جورج أمادو (Jorge Amado)، ومعرفة أعماق الثورة الجزائرية مستحيلة بدون قراءة ديب وياسين وحداد، والتعرف إلى ملامح المجتمع الجديد في الجمهورية العربية المتحدة لا يتم دون دراسة مؤلفات الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس. الوثائق والإحصاءات والأحداث العادية لا تكفي لإعطائنا صورة دقيقة لوضع من الأوضاع. إن القصة الواحدة تصل أحيانا إلى مستوى من الواقعية، ودرجة من الدقة في التصوير، تكون فيها أصدق وأوفى في التاريخ لمجتمع من المجتمعات من عشرات المجلدات التاريخية والإحصائية».
والقارئ وهو يتصفح هاته المقالات عن السودان سنة 1965 أي منذ ستين سنة خلت، يستنتج أن الباهي كان سباقا ومتنبئا بما يقع في السودان اليوم، أي سنة 2025.
ولعل إحدى علامات السبق والتميز التي يختص بها باهي عن غيره من الكُتاب والصحافيين هي قدرته على الانتباه إلى ما لا ترصده بصائر الآخرين، يكفي أن نستحضر في هذا الباب أنه كان الوحيد الذي كتب سنة 1965 مقالة تفاعلية مع كتاب طريف صدر بالولايات المتحدة الأمريكية باللغة الإنجليزية سنة 1964، لكاتب مغربي شبيه بمحمد شكري وسابق عنه في الآن نفسه.
يتعلق الأمر بإدريس بن أحمد الشرادي، واسمه الحقيقي العربي العياشي، الذي عاش حياة التشرد والتسكع في مدينة طنجة، بعدما غادر بيت الأسرة في سن مبكرة، إثر وفاة أبيه وزواج أمه من رجل آخر أمعن في إذلال الصبي وزج به في الشارع…
هذا جزء من كل من تراث باهي الفكري ويستمر ورش تجميع المقالات من أجل إعادة بناء/إحياء تراث فكري في شكل هرم شاهق المعمار، يليق بهرم عصامي اسمه الباهي، كما جاء في تقديم امبارك بودرقة (عباس) لهذا الجزء،ويستمر التفاعل المثمر والاحتضان البناء لهذا المشروع، حيث الباحث الشاب محمود الزاهي لا يكل ولا يمل من اقتفاء أثر المرحوم باهي بكل شغف وحماسة، مُجمعا لتراثه وما يزخر به من نفائس. بينما دعم رئيس حلقة أصدقاء محمد باهي الأستاذ مولاي عبد الحفيظ أمازيغ لم يفتر، بل يزداد ويتقوى، إسهاما منه في صون تراث وذاكرة صديقه الباهي.
أخيرا لابد أن نشير إلى المستوى الأكاديمي والدورالهام والبناء الذي يقوم به – في هذا الباب- المؤرخ الدكتور الطيب بياض واهتمامه بتراث الباهي، باعتباره منجزا فكريا يستحق تشجيع الطلبة الباحثين على استثماره في أبحاثهم العلمية، ولا أدل عن ذلك تلك الندوة الفكرية المنظمة بمدينة تطوان في شهر يونيو 2024 تحت عنوان « التراث الفكري لمحمد باهي في مرآة الخلف» وهو اللقاء الذي ساهم فيه، إلى جانب الدكتور الطيب بياض، مجموعة من الطلبة الباحثين في سلك الماستر والدكتوراه ليتحدثوا عن تراث وفكر محمد باهي أو محمد باه حرمة، الرمز المغربي الذي مات جسدا لكنه يستمر حيا فكرة وحلما.
هذا وستعرف قاعة حوار بالمعرض الدولي للكتاب والنشرغدا الأربعاء 23 أبريل الجاري من الساعة 11 إلى 12 صباحا، تقديم وتوقيع الجزء التاسع من موسوعة محمد باهي تحت عنوان : في الحاجة إلى استحضار المنجز الفكري للكاتب الصحافي محمد باهي حرمة بمشاركة الأساتذة امبارك بودرقة (عباس) ومحمود الزاهي والطيب بياض، وتنسيق عبد الحميد المودن، وهو نفس اللقاء الذي سيحتضنه رواق المقاومة وجيش التحرير يوم السبت 26 أبريل في الساعة الرابعة والنصف بعد الزوال برواق A02، علاوة على رواق منشورات باب الحكمة جناحC26الذي سيعرف بدوره توقيع الكتاب من حين لآخر طيلة أيام المعرض.