محمد بنطلحة، أحد أعمق الأصوات التي جعلت الشعر المغربي يتكلم لغته الخاصة، لغة تحفر في اللغة نفسها،
منذ بداياته، ظل بن طلحة يستفز ّالأشياء والكلمات لتتكلم شعرا.
إنه الشاعر الذي لا يتعامل مع اللغة كمادةٍ جاهزة، بل كـ»كائنٍ حيّ» يتنفّس، يمرض، ويُشفى داخل القصيدة. ولذلك، حين نقرأه، نشعر أننا لا نقرأ «قصيدة»، بل نُصاب بلوثة الشعر نفسه..
بنطلحة هو شاعرٌ يُدرك أن الحقيقة تتسلّل بين الكلمات. لذلك كتب قصيدته كما يكتب الناسُ اعترافاتهم في الحلم: غامضةٌ لكنها شفافة.. بسيطةٌ لكنها تُخفي عُمقًا لا يُقاس.
محمد بنطلحة هو الزمن الشعري المغربي وهو يكتب سيرته المكثفة عبر الدواوين: من «نشيد البجع» إلى «غيمة أو حجر» ومن «رؤى في موسم العوسج» و»سدوم» إلى «تحت أي سلم عبرتُ»، ومن «بعكسِ الماء» إلى «قليلا أكثر»، ومن «أخسر السماء وأربح الأرض» إلى «قليلاً من الصحراء» و»بعيداً عن الكلام»، كل ديوان هو درجة في سُلَّم التجريد، حيث اللغة تُنقِّي نفسها من الزوائد لتصل إلى الجوهر…
يكتب بنطلحة وكأنه يريد أن يُخلِّص الشعر من التداول المألوف. يكتب ليُعيد للشعر هيبته كفكرٍ للدهشة.
في زمنٍ امتلأ بالضجيج الشعري، يأتي بنطلحة ليُذكّرنا بأن الصمت هو أعلى درجات البيان. قصيدته تُعلِّمنا أن الشعر ليس في كثافة الكلمات، بل في الفراغ الذي يتركه بينها.
هو شاعر يكتب كما يتنفس الناس في الحلم ببطءٍ، بحذرٍ، بشغفٍ خافت، كمن يلمس المعنى بأطراف الأصابع كي لا يجرحه..
ولهذا يظلّ محمد بنطلحة – في عمق التجربة الشعرية المغربية – ضميرًا لغويًا نادرًا، وشاعرًا لا يُشبه إلا نفسه.
* إعلامية بالقناة الثانية
رئيسة تحرير بقسم الاخبار
											
									
									
									
				
