خرائط الطريق لإدارة منسجمة وفاعلة، مكامن الخلل وأبواب الإصلاح
في حواره مع الاتحاد الاشتراكي قال محمد بنعبد القادر الوزير المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية إن» البرنامج الإصلاحي الذي سبق أن عرضته أمام المجلس الحكومي يرتكز على عدة مداخل إصلاحية، أذكر منها تحسين علاقة الإدارة بالمواطن من خلال الاهتمام بالاستقبال وتبسيط المساطر الإدارية ورقمنتها ومعالجة الشكايات والتظلمات؛ ثم دعم الإدارة الإلكترونية المندمجة والولوج المشترك للمعلومات وجعلها أداة لتحسين الخدمات العمومية وتقريب الإدارة من المواطنين؛ وهناك مدخل يخص تخليق الحياة العامة وتعزيز النزاهة من خلال إرساء خطة شمولية بهدف تدعيم الآليات القانونية والمؤسساتية على المستوى الوقائي والزجري والتحسيسي والتربوي؛ إضافة إلى مدخل متعلق بتطوير منظومة تدبير الموارد البشرية وتأهيلها لمواكبة المستجدات والاضطلاع بمهنية أكثر بمهامها، ورفع المردودية وتحسين الأداء مع التركيز على ملاءمة المؤهلات والكفاءات للمناصب، ومراجعة منظومة التكوين المستمر ودعم مقاربة النوع بالوظيفة العمومية؛ دون أن ننسى إعادة توزيع الاختصاصات والمسؤوليات من خلال دعم اللاتمركز الإداري وجعله أداة فعالة في تعزيز اللامركزية والجهوية وملاءمة الهياكل الإدارية مع مهامها الاستراتيجية؛ وهناك مدخل إصلاحي لا يقل أهمية يتمثل في مواكبة ومصاحبة المشاريع الإبداعية والابتكارية في الإدارة والتشجيع على الانخراط في تفعيل أوراش الإصلاح.» وفي ما يلي نص الحوار:
السيد الوزير، مرحبا بكم في حوار لجريدة الاتحاد الاشتراكي نريد أن نرسم معالمه الأولى انطلاقا من نوعية القطاع الذي تشرفون اليوم على تدبيره والمصحوب بعنوان كبير ممثل في كلمة «إصلاح»، الشيء الذي يؤشر بالفعل على أن هناك مجالا يحتاج إلى تدبير حكيم بعد افتحاص لمكامن الخلل فيه، فكيف وجدتم هذا القطاع وأنتم تحملون برنامجا أكدتم فيه أن إصلاح الإدارة أضحى قضية ذات أولوية بالبلاد، لما لها من تأثير على الاستثمار والاقتصاد الوطني وخدمة المواطن المغربي وتقويم منظومة مجتمعية تنموية واقتصادية بكاملها ؟
هذا القطاع وجدته زاخرا بكفاءات تنتظر من يسهر على تفعيل طاقاتها، وجدته معززا بمهام واختصاصات تحتاج إلى ترجمتها بقوة على أرض الواقع، وجدته منخرطا في مشاريع إصلاحية تحتاج أحيانا إلى تعزيزها وتطويرها وأحيانا إلى تقويمها ومراجعتها.
وبما أن الأمر يتعلق بقطاع ينهض بمهام أفقية تخص مختلف الأجهزة الحكومية والإدارات المرفقية والمؤسسات العمومية، فقد كان من اللازم في البداية الإقرار على مستوى الأغلبية الحكومية بأن الإصلاح الإداري رافعة أساسية لتحقيق تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة ومستدامة، وأنه دعامة قوية لتعزيز دولة الحق والقانون ومجتمع المواطنة.
من هذا المنطلق، فإن وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، التي شرفني جلالة الملك بتعييني على رأسها، تأخذ اليوم على عاتقها إعداد تصور شامل ومتكامل يضع معالم إدارة ناجعة ومنفتحة ومسؤولة، تواكب تطلعات الدولة وانتظارات المواطنين، غايتها إحلال روابط الثقة وتعزيزها بين الإدارة والمواطن من جهة، وإرساء المناخ الملائم للمقاولة لتسريع وتيرة استقطاب الاستثمارات وتوظيفها للمساهمة في الجهود التنموية من جهة أخرى.
بطبيعة الحال هناك عدة إجراءات وبرامج إصلاحية مكنت من تحقيق تقدم لا يستهان به في مجال تقديم الخدمات الأساسية للمواطن. إلا أن الجهود المبذولة في هذا الشأن على الرغم من أهميتها تبقى دون طموح وانتظارات المواطن، كما أنها غير قادرة على مواكبة الأوراش التنموية التي انخرطت فيها بلادنا (لاسيما التنزيل السليم لمفهوم الجهوية الموسعة وسياسة اللامركزية واللاتمركز، وإصلاح العدالة، وتحسين مناخ الأعمال، والحكامة الجيدة ومحاربة الفساد).
وماذا تقترحون في برنامج عملكم لكي تصبح الإدارة قادرة على مواكبة هذه الأوراش؟
البرنامج الإصلاحي الذي سبق أن عرضته أمام المجلس الحكومي يرتكز على عدة مداخل إصلاحية، أذكر منها تحسين علاقة الإدارة بالمواطن من خلال الاهتمام بالاستقبال وتبسيط المساطر الإدارية ورقمنتها ومعالجة الشكايات والتظلمات؛ ثم دعم الإدارة الإلكترونية المندمجة والولوج المشترك للمعلومات وجعلها أداة لتحسين الخدمات العمومية وتقريب الإدارة من المواطنين؛ وهناك مدخل يخص تخليق الحياة العامة وتعزيز النزاهة من خلال إرساء خطة شمولية بهدف تدعيم الآليات القانونية والمؤسساتية على المستوى الوقائي والزجري والتحسيسي والتربوي؛ إضافة إلى مدخل متعلق بتطوير منظومة تدبير الموارد البشرية وتأهيلها لمواكبة المستجدات والاضطلاع بمهنية أكثر بمهامها، ورفع المردودية وتحسين الأداء مع التركيز على ملاءمة المؤهلات والكفاءات للمناصب، ومراجعة منظومة التكوين المستمر ودعم مقاربة النوع بالوظيفة العمومية؛ دون أن ننسى إعادة توزيع الاختصاصات والمسؤوليات من خلال دعم اللاتمركز الإداري وجعله أداة فعالة في تعزيز اللامركزية والجهوية وملاءمة الهياكل الإدارية مع مهامها الاستراتيجية؛ وهناك مدخل إصلاحي لا يقل أهمية يتمثل في مواكبة ومصاحبة المشاريع الإبداعية والابتكارية في الإدارة والتشجيع على الانخراط في تفعيل أوراش الإصلاح.
وفي هذا السياق، أود أن أشير إلى أنه انطلاقا من هذا البرنامج، فقد تم إعداد برنامج استعجالي للمئة يوم الأولى من عهدة هذه الحكومة، يتضمن مجموعة من الإجراءات التي ستعمل الوزارة على مباشرة إنجازها، وذلك موازاة مع فتح حوار وطني لبلورة تصور شمولي ومتكامل لمراجعة منظومة الوظيفة العمومية وفق مقاربة تشاركية تضم مختلف المكونات المعنية.
عرف عليكم السيد الوزير، تحملكم المسؤولية الوزارية في قطاع إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، البحث في أكثر من اتجاه بدءا بالأبواب المفتوحة بإطلاق الرقم الأخضر 37 37، وهو الخاص بتلقي طلبات المرتفقين لتوجيههم وتقديم الاستشارة لهم، وليس انتهاء بإطلاق مشاريع مراسيم، وكأنكم السيد الوزير تواجهون بسيل من الأعطاب والتراكمات التي جعلت من هذا القطاع فضاء مقفلا حرك تساؤلات مؤسسات مختلفة في بلادنا من أجل فتح مكامن الداء فيه لمعالجتها تماشيا مع روح الدستور. فما هي الصعوبات التي تعترض برنامجكم الطموح؟
أعتقد أن أكبر تحد يمكن أن يواجه أي برنامج إصلاحي، يكمن في المقاربة الإجرائية المعتمدة بما يتيح الإنجاز السليم والفعلي للمشاريع الإصلاحية على أرض الواقع، وتتبعها ثم تقييمها وتقويمها، وكذا التنسيق الفعال والناجع بين مختلف الأطراف المتدخلة في ورش الإصلاح، وتحقيق شروط نجاحه. وهو ما يستدعي التأسيس الفعلي لنموذج حكامة يضمن إلتقائية المشاريع القطاعية المندرجة ضمن ورش إصلاح الإدارة، وتنسيق العمليات الإصلاحية للمرفق العام والإشراف عليها وتتبعها وتقييمها وانسجامها، عبر وضع آليات حقيقية وعملية لتنزيل الرؤية الاستراتيجية وتحقيق التحول الإداري المنشود.
ومن أهم الإجراءات المصاحبة التي سيتم اتخاذها لضمان نجاح ورش إصلاح الإدارة، إحداث لجنة لتتبع تنفيذ هذا البرنامج تحت إشراف السيد رئيس الحكومة، ومأسسة وتفعيل الشبكات التنسيقية المشتركة بين القطاعات الوزارية كشبكة الكتاب العامين وشبكة المفتشين العامين وشبكة مديري الموارد البشرية إلى جانب مأسسة وتطوير التواصل العمومي.
بعد عرضكم لبرنامج إصلاح الإدارة وآليات تنفيذه في المجلس الحكومي الأول تقدمتم بمرسومين اثنين يندرجان ضمن خطة الإصلاح ومحاربة الفساد وتحسين علاقة الإدارة بالمواطن واسترجاع الثقة فيها لتكتسب المصداقية المطلوبة، ويتعلق الأول بإحداث اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، والثاني بتحديد كيفيات تلقي ملاحظات المرتفقين واقتراحاتهم وشكاياتهم وتتبعها ومعالجته، ما هي الآلية القانونية التنظيمية المصاحبة للمرسومين، الكفيلة بتسهيل مساطر التطبيق على أرض الواقع في قطاع يحتاج إلى هذه القوانين التنظيمية المصاحبة وإلى المراقبة والمتابعة والتحسيس ؟
خلال الاجتماع ما قبل الأخير للمجلس الحكومي قدمت في إطار تعزيز منظومة النزاهة ومحاربة الفساد وتكريس آليات الشفافية مشروعي مرسومين، الأول يتعلق بإحداث «اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد»، والذي يندرج، كما هو معلوم، في إطار تفعيل وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.
والحقيقة أن هذا الإحداث جاء تفعيلا لأحكام الدستور لاسيما الباب الثاني عشر منه المتعلق بالحكامة الجيدة، ويجسد أهداف البرنامج الحكومي خاصة في المحور المتعلق بتعزيز النزاهة والعمل على إصلاح الإدارة وترسيخ الحكامة. كما ينسجم أيضا مع مضامين الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي تم إعدادها بالتنسيق مع كافة الأطراف المعنية من قطاعات وزارية وهيئات الحكامة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وهنا لابد من التأكيد على أن إحداث «اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد»، كآلية للحكامة، يروم تتبع تنفيذ مختلف التوجهات الاستراتيجية والتدابير والمشاريع والإجراءات الكفيلة بتعزيز النزاهة ونشر قيم التخليق والشفافية، ومواكبة مختلف القطاعات المعنية ببرامج السياسة العمومية المتعلقة بمكافحة الفساد.
وهذه مناسبة لكي أؤكد بأن هذه اللجنة تضم بعض القطاعات الوزارية كحقوق الإنسان، والداخلية، والعدل والمالية، وبعض هيئات الحكامة كالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، ومجلس المنافسة، وتنفتح على ممثلي المجتمع المدني وخاصة «ترانسبرينسي» المغرب، وممثلي القطاع الخاص وفي مقدمتهم الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
وبخصوص منهجية اشتغالها تجتمع بدعوة من رئيس الحكومة على الأقل مرتين في السنة، وكلما دعت الضرورة لذلك، كما يمكن لها إحداث مجموعات عمل موضوعاتية لمساعدة اللجنة الوطنية في إنجاز مهامها وضمان تنفيذ مختلف البرامج والمشاريع المتعلقة بمكافحة الفساد، سواء تلك المحددة في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، أو تلك التي تم اتخاذها في إطار البرامج القطاعية.
وستتولى مهام الكتابة الدائمة للجنة، وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، وسيتم نشر تقريرها السنوي في الجريدة الرسمية الذي سيبرز مستويات الإنجاز والآثار الناتجة عن تنفيذ مختلف التدابير المتعلقة بمكافحة الفساد في إطار مزيد من الشفافية.
أما المرسوم الثاني فيهم إرساء منظومة موحدة لملاحظات وشكايات المواطنين، من خلال تحديد كيفيات تلقي هذه الملاحظات والشكايات وتتبعها ومعالجتها من طرف الإدارة العمومية وكل شخص اعتباري يمارس صلاحيات السلطة العمومية، بحيث تتلقى الإدارة شكايات المرتفقين، الكترونيا، عبر البوابة الوطنية الموحدة للشكايات www.chikaya.ma أو هاتفيا، عند الاقتضاء، عبر مركز الاتصال الخاص بهذه البوابة، مقابل إشعار آني بالتوصل بالشكاية.
وسوف يتم تقديم الشكاية وفق نموذج سنسهر على تحديده، يتضمن البيانات المتعلقة بالمرتفق وتلك المتعلقة بموضوع الشكاية. كما سنحدد لهذا الغرض نموذجا للإشعار بالتوصل.وقد ألزم مشروع المرسوم مختلف القطاعات بإعداد تقارير سنوية تتضمن إحصائيات حول نوعية ومواضيع الشكايات والملاحظات والاقتراحات التي تم التوصل بها والردود التي وجهت للمرتفقين بشأنها، وإحالتها على رئيس الحكومة وعلى السلطة الحكومية المكلفة بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية قصد تمكينها من إعداد تقرير تركيبي سنوي ورفعه إلى رئيس الحكومة.
سبق أن صرحتم في إحدى لقاءاتكم بأن الإصلاح الفعلي للإدارة لا بد أن يحقق نوعا من التصالح بين الإدارة والمواطن، ماذا تقصدون بذلك؟
لا يمكن إغفال هذا المعطى المتعلق بالصورة السلبية التي يحملها المواطن في ذهنه عن الإدارة، المواطن يشكو من بطء الإدارة ويضجر من رتابتها، ويعاني من تعقيداتها، ولذلك فإنه لا يضمر لها أي شعور إيجابي، وهو ما قد ينعكس سلبا على زعزعة ثقة المواطنين في إدارة بلدهم، علما بأن الثقة في المؤسسات تعتبر لدى الخبراء من المؤشرات الأساسية لقياس مدى استقرار الدول وتماسك مجتمعاتها، لذلك فإننا نعتبر موضوع تحسين علاقة الإدارة بالمواطن مدخلا رئيسيا لإصلاح الإدارة، وأحد الأهداف الأساسية التي التزمت الحكومة بالعمل على بلورتها في إطار التجاوب مع مضامين الخطاب الملكي السامي بتاريخ 14 أكتوبر 2016، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، الذي حث على الارتقاء بالعلاقة التي تجمع الإدارة بالمواطن من خلال حسن استقباله والاهتمام بشكاياته والإجابة عنها.
طيب السيد الوزير، كثيرا ما تعرف القطاعات الوزارية داخل الحكومة الواحدة تعقيدات التنسيق بهدف التشارك لحل قضايا تحتاج إلى وحدة التدبير أو التدبير المشترك، فمن هم شركاء القطاع الذي تشرفون على تدبيره، وهل هناك مساطر تنظم العلاقة بين الوزارات، تطبيقا لمفهوم الانسجام الحكومي؟
قطاع إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية قطاع أفقي بامتياز، حيث يتكلف بإعداد السياسة العمومية في مجال إصلاح الإدارات والوظيفة العمومية، كما يضطلع بأوراش عمومية متعددة على رأسها الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، والبرنامج الوطني لتبسيط المساطر الإدارية، والبرنامج الوطني لتحسين الاستقبال بالإدارات العمومية، إلخ. وأهم ما يميز هذه المشاريع هو طابعها التشاركي مع مختلف المتدخلين من قطاعات وزارية وهيئات ومنظمات، دون إغفال الفاعلين الاجتماعيين وفعاليات المجتمع المدني الذين لهم ارتباط بمجال إصلاح الإدارة العمومية.
والحقيقة أن القطاع الذي أشرف عليه لا يمكن إلا أن ينهج مقاربة تشاركية ومنفتحة في توجيه و تأطير مشاريع إصلاح الإدارة لتنسيق الجهود وضمان التكامل بين السياسات القطاعية في مجال الإصلاح الإداري، لاسيما من خلال إحداث اللجان الموضوعاتية المشتركة بين الوزارات، وكذا اعتماد شبكات التنسيق كشبكة الكتاب العامين للوزارات، وشبكة المفتشين العامين للوزارات، وشبـكة مديري الموارد البشرية للوزارات.
وتهدف هذه الشبكات إلى تقديم المشورة والاقتراحات العملية الهادفة إلى دعم وتفعيل القرارات الحكومية في مجال إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، وتوجيه وتأطير الأوراش المتعلقة بالوظيفة العمومية، وكذا تعزيز ثقافة المساءلة المرتكزة على الشفافية والحكامة الجيدة ودعم سياسة الترشيد والعقلنة، وإدراج بعدي التدقيق والتقييم.
في نفس السياق السيد الوزير وبلادنا مقبلة على تفعيل ورش الجهوية المتقدمة، ومن منطلق أن إصلاح منظومة الإدارة والوظيفة العمومية في قلب هذا الورش،ماهي مشاريعكم في هذا الاتجاه تهييئا لممارسة مفهوم الجهوية كما جاء في دستور 2011 والذي ينتظر عرض قانونه التنظيمي على المؤسسة التشريعية؟
جوابا على سؤالك، لا بد من الإشارة إلى أن دستور يوليوز 2011 بوأ الجهة مستوى الصدارة في العلاقات بين مختلف الفاعلين المحليين، وجعلها فضاء للحوار والتشاور ولإعداد برامج التنمية وتتبعها.
لذا أصبح من الضروري مواكبة الإصلاح الجهوي الأخير وإبراز المستوى الجهوي باعتباره الإطار الملائم لانسجام السياسات العمومية ولبرمجة مشاريع مختلف القطاعات الحكومية، تحت إشراف والي الجهة.
ومما لا شك فيه، فإن اتساع مجال الصلاحيات المخولة للجماعات الترابية لاسيما على المستوى الجهوي، وأهمية الموارد البشرية والمالية التي وضعت رهن إشارتها، تتطلب النهوض باللاتمركز الإداري ووضع رؤية جديدة لتدخل الإدارات اللاممركزة للدولة على المستوى الترابي.
وفي هذا الصدد، تنكب الحكومة حاليا، على مراجعة المقتضيات الحالية المعمول بها في مجال اللا تمركز الإداري في أفق إصدار ميثاق للا تمركز الإداري يتضمن الآليات الملائمة لحكامة ترابية ناجعة ولاسيما ما يتعلق منها بالإشراف وتنسيق ممارسة اختصاصات إدارات الدولة وعمل كافة المتدخلين على المستويين الجهوي أو الإقليمي.
تتحدثون السيد الوزير عن ورش المراجعة الشاملة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، بوضع الإطار القانوني الكفيل بتطوير منظومة الوظيفة العمومية ومهنيتها، من جهة، وتطوير أساليب تدبير الموارد البشرية وتثمينها، من جهة أخرى، وذلك بما يضمن الرفع من مستوى أداء ونجاعة الإدارة العمومية وفعاليتها، بدءا بمفهوم مصالحة الإدارة مع المواطن، ماهي مقترحاتكم في هذا الصدد؟
في البداية، لابد من التذكير بأن المراجعة الشاملة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي صدر سنة 1958، تستدعيها ضرورة الملاءمة مع الدستور و مع المفاهيم الحديثة المتطورة في مجال تدبير الموارد البشرية، كما تستند على ثلاثة أسس مرجعية، هي :
الدستور، لاسيما المقتضيات المتعلقة بالحكامة الجيدة والمبادئ والمعايير التي يجب أن تحكم سير المرافق العامة وتؤطر عمل أعوانها.
التوجيهات الملكية السامية، ولاسيما الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك بمناسبة افتتاح هذه الدورة البرلمانية، والذي أكد فيه على ضرورة العمل على إصلاح الإدارة.
البرنامج الحكومي، الذي التزمت فيه الحكومة بمراجعة منظومة الوظيفة العمومية، ضمن المحور الثاني المخصص لتعزيز قيم النزاهة والعمل على إصلاح الإدارة وترسيخ الحكامة الجيدة.
هذه المراجعة تكتسي أهمية بالغة بالنظر لأهدافها الكبرى المتمثلة في التأسيس لوظيفة عمومية مهنية وفعالة ومتطورة ومواطنة، تمارس وظائفها في إطار احترام الدستور والقانون، وفي إطار مبادئ الحياد، والشفافية، والنزاهة، والمصلحة العامة، وتقدم خدماتها للمواطنين وفق مبادئ المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص، ووفق معايير الجودة والشفافية والمسؤولية.
إننا نتوفر اليوم على تصور واضح لهذه المراجعة وسنعمل على فتح مشاورات موسعة بشأنها، قبل عرضها على أنظار المجلس الأعلى للوظيفة العمومية الذي سينعقد قريبا.
في إطار ترسيخ نهج التشاور والحوار، ووضع مقاربة تشاركية وتشاورية مع مختلف المركزيات النقابية لدراسـة ومعالجة القضايا المرتبطة بالحوار الاجتماعي، عقدتم لقاءات مع عدد من الأمناء العامين لبعض المركزيات النقابية، تمحورت حول المنهجية التي ينبغي اعتمادها للتأسيس لحوار اجتماعي بناء ومثمر بشأن الملفات الأساسية المتعلقة بالوظيفة العمومية ولدراسة ومعالجة القضايا المرتبطة بالحوار الاجتماعي، من أجل الارتقاء به إلى المستوى الذي يجعل منه دعامة أساسية لإنجاز الإصلاحات الكبرى. ماهي الآليات الكفيلة بسير هذا الحوار التشاركي، والذي سجل في التجربة الحكومية السابقة تعثرات كادت أن تنسف أهدافها الاستراتيجية في التداول ومعالجة المشاكل العالقة على مستوى المطالب المشروعة للمركزيات النقابية؟
لا بد من الإشارة بأن الحوار الاجتماعي يشكل آلية أساسية لتطوير علاقات التعاون بين الحكومة وشركائها الاقتصاديين والاجتماعيين، ولترسيخ البناء الديمقراطي وإنعاش التنمية الاقتصادية وفض النزاعات الاجتماعية وتحقيق السلم والاستقرار الاجتماعيين، فضلا عن ضمان التوازن بين الحقوق والواجبات.
أما في ما يهم الوظيفة العمومية، فإن مواصلة الحوار الاجتماعي واعتماده كآلية أساسية لتدبير مختلف القضايا المتعلقة بها، يعد بالنسبة لنا توجها استراتيجيا لامحيد عنه في مجال تثمين الرأسمال البشري وتطوير منظومة الوظيفة العمومية، هذه قناعة ثابتة عبرت عنها أثناء مختلف اللقاءات الأولية التي جمعتني بقيادات المركزيات النقابية، لاسيما وأن بلدنا اليوم في أمس الحاجة إلى تضافر جهود الجميع، فرقاء اجتماعيين واقتصاديين وحكومة، من أجل توفير الظروف المناسبة لتسريع وتيرة النمو و تحقيق العدالة الاجتماعية في بلادنا.
وبخصوص الآليات الكفيلة بسير الحوار الاجتماعي، فإنه سيتم السعي إلى مأسسته أساسا بغاية ضمان استمراريته والحرص على انتظام جولاته؛ وكذلك من خلال ضمان نجاعة وفعالية الحوار الاجتماعي العام والحوارات الاجتماعية القطاعية؛ من خلال تأطيرها بشكل دقيق ومنهجي.