محمد بوجبيري ضيف بيت الشعر والمعرض الجهوي للكتاب بالرباط : «سيد العشيرة» يعلمنا حكمة الهدوء الشعري

حلّ الشاعر محمد بوجبيري، يوم الاثنين 27 أكتوبر 2025 ، بفضاء ساحة المكتبة الوطنية بالرباط، ضيفا على بيت الشعر في المغرب ضمن فعاليات الدّورة 15 للمعرض الجهوي للكتاب الذي تنظمه المديرية الجهوية لقطاع الثقافة بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، تحت شعار «القراءة، مسيرة متجددة» يوم الاثنين 27 أكتوبر 2025 ، بفضاء ساحة المكتبة الوطنية بالرباط.
اللقاء كان مناسبة للاحتفاء ب»سيد العشيرة»، «عاريا يحضن الطين» في رحلة « العبور» الى عوالم تبدو فيها «الحياة كما لو كانت تصفق».
شاعر بتجربة شعرية عميقة في الإنصات لتحولات القصيدة المغربية والعربية ، في تعالقها مع التجربة الشعرية الكونية. أحد الأصوات اللافتة في المشهد الشعري بالمغرب منذ ثمانينيات القرن الماضي، وإحدى التجارب التي طبعت مسار تشكل القصيدة المغربية الحديثة.
رسم بوجبيري لنفسه طريقه الخاص الى القصيدة، تلك التي يراها تنتقل من «الشيء البسيط لتحوله من العابر في اليومي الى المقيم في اللانهائي..»، ورسخ تجربته الشعرية الخاصة، من معين ذاكرته وبملمس طفولي وروحي.
تكشف تجربة الشاعر محمد بوجبيري عن حرص على تذويت الكتابة من خلال استعادة الأمكنة والشخوص والأحداث، واستثمار الذاكرة والانتصار للطفولة، كما تكشف عن تنويع في صيغ الإبداع بين الشعر والنثر واعتماد في كل منهما أساليب مختلفة تنبئ باطلاع واسع على الآداب والثقافات العالمية.
قراءة عميقة ومفتاحية للاطلاع على تجربة ومسار الشاعر بوجبيري، قدمها الشاعر نبيل منصر في هذا اللقاء، من خلال كلمة موسومة بـ» حكمة الهدوء الشعري»، لفت فيها إلى فرادة قصيدة الشاعر وهي تنشد التحرر من القوالب النمطية، ومن الارتهان الى أفق آخر غير أفق الشعر والانتصار إلى الجمالي والمطلق والإنساني، منتميا الى شعراء يشتركون في مدونة حقبتهم، لكن «فرادتهم، يقول منصر، «تَخُطُّ بِقُوَّةٍ لما يُميِّزُهُم في بِناءِ الخيالِ والممارَسة النَّصيِّة».
وفي حديثه عن هذه التجربة قال الشاعر والناقد نبيل منصر، إن» اسم الشاعر المغربي محمد بوجبيري يطلع مِن مُدوَّنة شعر الثمانينيات، التي تَصرَّفَتْ بِحُرية أكبر في مَوروث الحداثة العَربِية بِالمَشرِق والمَغرب، دون أن تكون غَير مُنتَبِهة، في نماذِجها الجيِّدة، لقصيدة العالَم، التي كانَتْ تَجِدُ طريقَها إلى العَربِية الحديثة في مَجلات أساسية مِثل: «شِعر» و»مواقف» و «الثقافة الجديدة».
إن اسم الشاعر بوجبيري» يصعد مِن هذه المُدوَّنة، ومِنْ هَواجِسها، بِوَصفِها وارثةِ نَماذجِ التَّحديثِ، ولكنْ المُتحرَّرة أيضا مِن جاذبية التنظيراتِ والأطرِ الثقافية القوْميةِ التَّموزية، وَمِن قُوَّةِ الهالة الوَطنية، التي تَنشَدُّ لِلمَغربِيِّ في الخَط والكتابة والتحديث».
لقد أثرى جيل الثمانينيات المدونة الشعرية المغربية، وساهم في سيرورة تحديث الشعر المغربي المعاصر، على صُعد اللغة والمعنى والإيقاع والبناء النصي والرؤية الفنية للذات والعالم، كما تمايزت أساليب كتابتهم وممارساتهم النصية ومرجعياتهم الفكرية والجمالية، وضمنهم برز اسم الشاعر محمد جبيري، منتميا «لِلشَّخصِيِّ في شِعْرية هذه المُدوَّنة. يَنتَمي إليها، مانِحاً، في سُلوكِه ومُمارَسَتِه النَّصية، الانطباعَ بِالنَّأي، وكأنَّه يَنخَرطُ فيها مُكْتَفِيّاً، في آن، بِأن يُطِلَّ عَليها مِن بَعيد»، مضيفا أنه «لَم يَكُن الاِسْم الحركِيَّ لهذه المُدوَّنة الشّعرية، لكنَّ دَماثتَه والنَّسيجَ الإنسانيَ المُرهَفَ لِصلاتِه، أعطى لِزُهْدِه ولِنصِّهِ الشعري حِكْمَةَ التّأثيرِ والنّفاذِ مِن غَير مقاوَمَةٍ تُذكَر».
إن هذا الشعر الثمانيني، وهو يقرأ تحولات محيطه، امتلك، يقول منصر، «حِكْمَةَ الهُدوءِ الشِّعري. خَيطُ الاِلتزام اتَّجَهَ، في نَماذج شِعرية واعية، نَحو الرَّهافَة والاِشتِباك بالشَّرط الإنساني المُفعَم بِالمَعاني الوُجودية»، ومنه فقد كانت «قصيدة محمد بوجبيري جُزءا صميما مِن هذا الهُدوء، الذي يَعي أعباءَ اللُّغة الشِّعرية ويَحْرُصُ على الوفاءِ بها، حتَّى وإن كَلَّفَه ذلك نوعاً خاصا مِنَ المُشاركَة الصّامِتة في مَشْهَدِيَّةِ الشِّعر. مُشاركَة صامِتة، لأنها تُقدِّرُ الصَّمتَ في الكتابة «. وأضاف صاحب «أغنية طائر التم» أن «صمت بوجبيري يَتواصَلُ، حتَّى وإن كان يُوحي أحيانا بِغيابِ التوَتُّر.. هذا النَّوْعُ مِن الصَّمتِ، هو الذي يَجعَل قصيدة بوجبيري مُتقَتِّرة، زاهِدَة في ما حَوْلَها وفي نَفْسِها أحيانا، لكنَّها كريمَة في سُنوحِها الإنساني الكبير ومُضمَراتِها الوُجودية، التي تكشِفُ، في المُقابِل، عَن توَتُّر خاصٍّ في العبارة والتَّركيب والمُفرَدَةِ والوعي الشِّعريّ»، وهو التقتير الذي سيفيض في ديوانه الأخير «كما لو أن الحياة كانت تصفق»، عابرا سيرة الجسد، روحًا وقصيدةً .
الشاعر المحتفى به محمد بوجبيري قرأ خلال هذا اللقاء، نصا شعريا موسوما ب» من في الظهيرة كفن الوقت؟».
صدرت للشاعر بوجبيري دواوين: «عاريا أحضنك أيها الطين» سنة 1989 بتقديم من الشاعر الراحل عبد الله راجع، «لن أوبخ أخطائي» 2006، «كما لو أن الحياة كانت تصفق» 2016 و «سيد العشيرة» 2010وكتاب «العبور».


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 30/10/2025