محور الرباط – القاهرة يعيد ترتيب أوراقه الاقتصادية .. الاستثمارات المتبادلة لاتزال ضعيفة والرهان معقود على القطاع الخاص

في ضوء اللقاء الأخير بين وزير الخارجية ناصر بوريطة ونظيره المصري الدكتور بدر عبد العاطي، تبدو العلاقات المغربية المصرية وكأنها بصدد الدخول في دورة جديدة من التنشيط، لكن القراءة المتأنية للمعطيات الرقمية تكشف عن فجوة بين طموح الخطاب السياسي وحجم المبادلات التجارية والاستثمارية الفعلي بين البلدين. فعلى الرغم من أن المغرب ومصر يمثلان قوتين اقتصاديتين إقليميتين في شمال إفريقيا، إلا أن حجم التبادل التجاري بينهما ظل متواضعا، لا يتجاوز 780 مليون دولار سنويا، أي ما يعادل أقل من نصف مليار أورو، وهو رقم أقل بكثير مما تسمح به القدرات الإنتاجية والسوقية للبلدين.
ما يعاب على العلاقات الاقتصادية بين الرباط والقاهرة هو افتقارها لآليات تنفيذ فعالة تترجم الاتفاقيات إلى شراكات إنتاج ملموسة. فمنذ توقيع اتفاقية أكادير سنة 2004، التي تمنح إعفاءات جمركية كاملة للبضائع بين أربع دول عربية (المغرب، مصر، تونس، الأردن)، لم تسجل أي قفزة نوعية في المبادلات أو في إنشاء مناطق صناعية مشتركة أو سلاسل إنتاج إقليمية، على غرار ما نجحت فيه دول آسيوية مثل فيتنام وتايلاند وماليزيا.
كما أن غياب الربط البحري المباشر بين موانئ البلدين، واعتماد المصدرين على موانئ وسيطة في إسبانيا أو إيطاليا، يعكس اختناقا لوجستيا يجهض أي طموح للرفع من التبادل التجاري أو تدفق الاستثمار. فتكلفة النقل وحدها يمكن أن تمتص ما يصل إلى 15-20% من هامش الربح، مما يجعل المنتجات أقل تنافسية في أسواق الطرف الآخر. ومن هذا المنطلق، فإن الحديث عن إنشاء خط بحري مباشر لم يعد مجرد خيار، بل شرط أساسي لأي إقلاع اقتصادي حقيقي في العلاقات الثنائية.
ثم إن البنية المؤسسية للعلاقات الاقتصادية تبدو، حتى الآن، متأخرة عن طموح الفاعلين الاقتصاديين. فبينما تحتفظ الرباط باتفاقيات نشطة مع بروكسيل وواشنطن ولندن، وتملك مصر قنوات تنسيق مع دول الخليج والصين والهند، تفتقر الشراكة الثنائية إلى لجان متابعة قوية تضم القطاع الخاص، قادرة على التقييم والمساءلة الدورية لما تحقق، وليس فقط إصدار بلاغات حول «عمق العلاقات».
ما يمكن البناء عليه في هذه المرحلة، هو الإرادة السياسية التي عبر عنها الطرفان عبر إحداث لجنة مشتركة للتنسيق والمتابعة على مستوى رئاسة الحكومتين، وهي سابقة في تاريخ العلاقات بين البلدين. إذا ما تم تفعيلها بشكل منتظم ومقترن بجداول زمنية ومؤشرات أداء، فإنها يمكن أن تشكل منصة لتحويل التصريحات إلى استثمارات. غير أن الأمر يتطلب أيضا توافقا على تحديد القطاعات ذات الأولوية، وفق منطق التكامل وليس التنافس.
فالمغرب يملك بنية صناعية متقدمة في قطاعات السيارات والطيران والأسمدة، بينما تملك مصر سوقا استهلاكية كبرى وخبرة في الصناعات الدوائية والكيماويات، وهو ما يشكل قاعدة منطقية للتصنيع المشترك والتصدير نحو إفريقيا. ويمكن توجيه هذه الشراكة نحو إنتاج سلاسل ذات قيمة مضافة موجهة نحو دول الساحل وغرب إفريقيا، مع توظيف آلية التراكم الإقليمي في اتفاقية أكادير لتسهيل النفاذ إلى السوق الأوربية، ما دام الطرفان يرتبطان باتفاقات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي.
أما على مستوى التمويل، فإن نجاح هذا التعاون رهين بإشراك القطاع البنكي والمالي، من خلال توفير آليات ضمان الاستثمار، وتعبئة الصناديق السيادية، وربما التفكير في إحداث آلية تمويلية مشتركة أو بنك مغربي-مصري للاستثمار في إفريقيا، على غرار النماذج التي اعتمدتها تركيا والهند والبرازيل مع شركائها في الجنوب.
وفي هذا السياق ، عقد الوزير المصري لقاء بالرباط مع عدد من رجال الأعمال ورؤساء البنوك المغربية، جرى خلاله استعراض فرص الاستثمار المتبادل في ضوء الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها مصر وتسهيلاتها الضريبية والجمركية. اللقاء شكل مناسبة للتأكيد على أهمية تفعيل الاتفاقيات الثنائية، خاصة تلك المنبثقة عن ملتقى الأعمال المصري المغربي الذي جمع 148 شركة بالقاهرة في 4 ماي، وكذا على ضرورة مواصلة اللقاءات بين الفاعلين الاقتصاديين لتطوير مشاريع مشتركة موجهة نحو السوق الإفريقية.
في المحصلة، اللقاء الوزاري يمثل خطوة إيجابية على الصعيد الدبلوماسي، لكنه لن يكون له أثر اقتصادي ملموس ما لم يرفق بخارطة طريق محكمة تعالج نقاط الاختناق وتوفر تحفيزات حقيقية للقطاع الخاص، الذي يظل الفاعل الحاسم في أي شراكة اقتصادية ناجحة. المطلوب اليوم ليس إعادة إنتاج نفس الخطابات حول «العلاقات التاريخية» و»الروابط الأخوية»، بل التقدم نحو منطق النتائج، عبر استثمارات مشتركة، تبادل صناعي، وتكامل في الأسواق، يقاس بالأرقام لا بالنيات.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 30/05/2025