من كلام الأموات
أنا المَنسيُّ عندَ مقالعِ الأحجارْ
وتحتَ الصَّخرةِ الصَّماءِ
تأكلُ من شَراييني
مَساميرُ الدُّخانِ
أكادُ لاَ أصحو ولا أغفُو
تَجاوَزني الْمَدَى
وانْحلَّ ما بيني وبينَ الله
تَمزَّقَ كلُّ شيءٍ في يَقيني
ما هديرُ المَوجِ
ما الأَنهارْ
وما الأَبدُ الذي يَنأَى
وما الأَزلُ الذي يَجفُو
ومعنى أنْ أَحِنَّ
وأَن أَمدَّ يدي
وأَن أختارْ
وأَن أَمتَدَّ في حُلمٍ
وأن أرتدَّ في تَذكارْ
أنا المَنسِيُّ
يَسمرُ عِند أبوابي نُباحُ اللَّيلْ
ويَرقُص في بصيصِ النَّجمِ
ظِلٌّ من شَياطينِ
تَطاولَ ظلُّ أجنحةِ الصُّقورِ
غَفَا
عَلى بُسُطِ البُحيرةِ طحلبٌ
ومَشتْ على عَيني
سَحائبُ نَشوةٍ بالموتٍ مبلولَهْ
وتَنبُشُ في الترابِ يدي
وأفتلُ في ظلامِ اللَّيلِ حبلاً
رُبّما جَدّلتُ سبعَ ضفائرٍ
لبناتِ أُختي
أو سَمعتُ الفَجرَ أذَّنَ
فاسْتَثَارتْنِي شُكوكٌ،
يا أحبَّائي
مَضَى أبدٌ ولمْ يمتدَّ جَسرٌ
بَيْنَنَا
ما عادتِ الأفراسُ تَجمحُ
أو تصولَ الريحُ
شَدَّ خناجرُ الفُرسانِ في أغمادِها
صدأٌ
سأبقى ها هنا ظلاًّ
على سَفْحِ الجِدارِ
يلُمُّني جزرٌ
وينشرني هديرُ المَوجِ
يا وَيحِي
تَمزَّقَ كلُّ شيءٍ في يَقيني
ما هديرُ المَوجِ
ما الأنهارْ
أنا المنسيُّ عندَ مقالعِ الأحجارْ
*************************
القدس
رأَيتُكِ تَدفنينَ الرِّيحَ
تحت عرائشِ العَتمه
وتلتحفين صمتكِ
خلف أعمدةِ الشبابيكِ
تصبّين القبورَ
وتشربينَ
فتظمأ الأحقابْ
ويظمأ كلُّ ما عتّقتِ
من سُحبٍ ومن أكوابْ
ظمئنا
والردى فيكِ
فأين نموت يا عمّهْ؟.
****
تحزّ خناجرُ الثعبانِ
ضوءَ عيونكِ
الأشيبْ
وتشمخ في شقوق التيهِ
تشمخ لسعةُ العقربْ
وأكبرُ من سمائي
من صفاء الحقدِ في عينيَّ
أكبرُ
وجهُكِ الأجدبْ
أيا باباً إلى اللهِ
ارتمى
من أينَ آتيكِ
وأنتِ الموتُ، أنتِ الموتُ
أنتِ المبتغى
الأصعبْ.
****
مددتُ إليكِ فجراً من حنيني
للردى وغمستُ محراثي
ببطن الحوتْ
فأيّةُ عشوةٍ نبضتْ بقلبي
في دم الصحراءْ
وأيُّ رجاءْ
تَفسَّخ في نقاء الموتِ
أشعل ظلمةَ التابوتِ
في عيني
فجئتُ إليكِ مدفوناً
أنوء بضحكة القرصانْ
وبؤسِ الفجرِ
في وهرانْ
وصمتُ الربّ أبحرَ في جوانب مكّةٍ
أو طورِ سينينا.
****
وتلتفتين لا يبقى مع الدمِ
غيرُ فجرٍ في نواصيكِ
وغيرُ نعامةٍ ربداءْ
وليلٌ من صريف الموتِ
قصَّ جوانحَ الخيمه
تصبّين القبورَ
وتشربينَ
فتظمأ الصحراءْ
ظَمِئنا
والردى فيكِ
فأين نموتُ
يا عمّهْ؟
***************************
الدار البيضاء
لماذا تدور الحروف التي تلفظ اسمك في مهب الريح قبعة
حين أذكر أحباب قلبي
أنثر أسماءهم
واحدا
واحدا
حين أذكر أحباب قلبي
هل أنت سائحة
يستبي الرملُ أحلامك الباريسية،
ها أنا أمسك الريح
أنسج من صدأ القيد رايه
ومن صدأ القيد
مقبرة للحروف
ومحبرة للسيوف
وقيثارة للشجن
وأنت، على شِرْعَة الصمت،
ممدودةٌ
بين قيدي وبيني
وبين حدود الوطن
أسامر فيك رياح الأحبهْ
أسامر أمطارهم
في المنافي
وأشلاءهم في بطون الفيافي
وأنت على شرعة الصمت:
أَغْمَضْتُ عَيْنَيْكِ
قبل الصلاة
وقبل مباشرة الدفن
ثم التقينا على حافة النهر:
وجهك لاَفِتَةٌ في الشوارع
صوتك كان الإشارةَ،
واجهت ثانية مصرعي
كان بيني وبين رُمَاةِ الطّوَارِقِ
صمتُك
حين اكتشفتكِ
خمارة
فاستدار بي الكأس
أبحرت
أبحرت
حتى افتقدتك
كان القطار يفتت وجهي
يرسم في كل شق
هويهْ
تساءلت:
هل أنت عاشقتي
لِمَ لَمْ تزرعيني في رحم الأبديةِ
أو تزرعيني بين الترائب
والصلب
ظلت عيونك شاخصة
كنت حبلى
احتوتني الزنازن
أبصرت أحباب قلبي
أبصرت أحباب قلبي
قتلى
وها أقبل الصيف يطرق بالشمس والدم
أبوابك المقفله
وها أقبل الصيف
فانتعشت في الكهوف الجنائز
والتحمت بالجنائز أنسجةُ
الراية المشتعلهْ
فماذا تقول الخناجر
هل سقط الرأس؟
أم سقطت في الدياجير
أعمدة المقصلهْ..؟
بيوتك ترحل من ذكرياتي
أمد سواد عيوني جسرا
وأنت على الضفة الألف
مبحرة في السعال
وفي عثرات الرجال
ومبحرة
يسقط النهر فيك
وتسقط كل البنادق قتلى
وتدخل كل الدواوين في زمن الصمت
والدمعة المالحة
فيا أخت غرناطة الجوع
شقي قميصي
امسحيه على جبل الريف
واستخلصي من بقاياي شيئا
سوى الخمر
والشهوة النابحة