تسعى هذه المقالات التي ستنشر في عمود فسحة رمضان إلى التعريف ببعض رجالات الجنوب المغربي ممن لقبوا بالزعماء المحلين بحكم ادوارهم الطلائعية التي مارسوها إلى جانب المخزن بشكل مساند او مناوئ أو بطريقة تحكمها الحيطة والحذر البليغين، وقبل التطرق إلى سيرة ومناقب هؤلاء لابد من وضع القارئ في سياق سيمكنه من تتبع واستيعاب هذه الحلقات اليومية لهذا اقترح في الحلقات الأولى مايلي:
بالعودة دراسة «محمد مفتاح» سنجده خص الشيخ بمبحث خاص فعمل على تأصيله وبرهن على ذلك بآراء من يدافعون عن وجوده في الطريقة الصوفية، كما رد ببراهين دامغة على الذين ينفون الشيخ كشرط للارتقاء إلى الذات الإلهية، وأشار كذلك إلى أن الرغبة في تسلق الهرمية المخزنية كان من دواعي الدفاع عن انتفاء الشيخ.( مفتاح محمد، الخطاب الصوفي : مقاربة و ظيفية ، مكتبة الرشاد ،الدار البيضاء , 1997 ،ص:151.) وحسب المرحوم الشاذلي عبد اللطيف فإن أقطاب الصوفية «نظروا إلى مسألة الشيخ كوسيلة انتقالية تؤدي إلى كشف الذات الإلهية مادام كل سالك للطريقة محتاج إلى مرشد عارف وناصح». وقد تم التأكيد على الشيخ كمسلمة من المسلمات البديهيات ومردهم في ذلك أن السلف الصالح قد أجمع أن «من لم يصح له نسب في القوم فهو لقيط لا أبا له في الطريق.» وقد استدلوا على ذلك بالمقولة الشهيرة والتي مضمونها: «من لا شيخ له فالشيطان شيخه ومن لم يمت تحت بيعة شيخ مات في الترهات والضلال. وكل سالك للطريق محتاج فيه إلى دليل مرشد عارف ناصح». وهو ما جعل أقطاب الصوفية يلحون على ضرورة النسبة إلى الشيخ. فالشيخ بهذا المعنى ضرورة كونية، فمن تعلق بحبل الله -أي الشيخ- فقد وصل. (الفاسي محمد المهدي، ممتع الأسماع في أخبار الجزولي والتباع ومالها من الاتباع، تحقيق.وتعليق،عبد الحي العمراني، وعبد الكريم مراد، مطبعة محمد الخامس الرباط. ص:21.) فالشيخ إذن شرط للتوبة؛ وبالتالي لابد للتائب أن يقتدي به شريطة أن يكون هذا الأخير عالما ومتمكنا من الظاهر والباطن.
المريد قد يطلق على فرد الجماعة المنقطعة لشيخها، وقد تم تناوله في الأدبيات الصوفية في إطار علاقات وموضوعات متعددة، أهمها تلك التي شبهت بعلاقة «الزوج بالزوجة» أو «الأنثى بالذكر» حيث يذوب المريد في كينونة الشيخ ولا يتحرر منه إلا بعد الإذن له بالطريقة، وقد بالغ الأستاذ «عبد الله حمودي» لما أسقط هذه العلاقة أو الثنائية على القطاعات المنتجة في المغرب و باتالي يكون قد أسقط حقلا خاصا هو «الحقل الصوفي» على حقل عام وشاسع يجمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي أفقد الزاوية شخصيتها المستقلة. ومن بين الموضوعات التي تربط بين الشيخ والمريد نجد في مقدمتها الإذن والنصح والتوجيه… أما فيما يخص المكانة التي يوليها الشيخ لمريده فتختلف بحسب أخلاق المريد التي يشترط فيها أن تكون مبنية على الإخلاص والاحترام لشيخه. وقد يمكن أن تحدث قطيعة نهائية بين الطرفان إن اختلت أسس العلاقة بينهما ويمكن أن نستشف ذلك من رسالة بعث بها الحاج «علي الدرقاوي» إلى مريده «محمد بن مسعود المعدري» ومضمونها:
« …قد كان شرع القوم أن لا تتبدل المحبة بتبديل الصفات، ولا يمكن للشيخ أن يتبدل المريد عنده، ولو عمل ما عمل، ولذلك قالوا لا يظن المريد أنه ينقص عند شيخه بنقص ظهر معه، فإن ذلك سوء أدب منه، بل يتحقق منه أنه يقبله و يحبه على أي حال. لأن المريد لا يدعي لنفسه إلا الضعف والنقصان أبدا في كل شيء، فكل ما ظهر منه من الضعف لا يبعده شيخه، بل يقربه منه أبدا على التحقيق…»(رضى الله عبد الوافي، النور المبغي، م.س، ص:34)
بعد التحديد الدلالي لمفهومي الشيخ والمريد نتساءل هل هناك حالات محددة يمكن فيها للمريد أن يستغني عن شيخه ؟ ( القادري، محمد بن الطيب بن عبد السلام ، نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر و الثاني، تحقيق محمد حجي، وأحمد التوفيق، منشورات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر،طبعة 1982، ص:50.)
الجواب سيكون بنعم، فهناك حالتين يمكن للمريد أن يصل إلى مكاشفة الذات الإلهية بدون حبل الله المتمثل في الشيخ وهي :
حالة المريد المجذوب فهو في غنى عن الشيخ .
حالة الأخذ المباشر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كحالة الشيخ «عبد المجيد» يقول: «والله ما لأحد علي منة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطاني كأسا مغمورة فشربت حتى رويت وما بقي أدفقته على رأسي وبدني.». أما «محمد بن مبارك الزعري» فيكشف لنا بأنه: «جاءه النبي (ص) في رؤياه فقال له: لن تقرأ ولكنك شيخ. «.
متى نكون بصدد الشيخ وهل هناك صفات محددة له ؟
لقد حدد أقطاب الصوفية الأوائل الصفات التي بدونها ينتفي الشيخ وهي :
أن يكون عالما بدون حدود وأن يكون متفقها ومتبحرا في : « أصول الدين حتى يفرق بين الخالق والمخلوق، وبين النبي والمدعي… وأن يكون عالما بأحكام الشريعة نقلا وفهما ليكتفي بنظره عن التقليد في الأحكام الشرعية.»، وهو شرط تحقق مع شيوخ الزوايا الكبار ومع ذلك لم يستغنوا عن شيوخهم كما هو الشأن بالنسبة للحاج علي بن أحمد الإلغي.
أن يكون زاهدا في الدنيا لا طامعا فيها، وهذا لن يتأتى له إلا عن طريق قدوته الأخلاقية ومكارم الأخلاق والاتصاف بالحق عن طريق الرضا بقضاء الله والنصح لعباده، (الشاذلي عبد اللطيف، م.س، ص:137.) وهذا الشرط نجده مغيبا لدى كل الشيوخ ماعدا «الحاج علي الدرقاوي» وإن كانت إستراتيجيته مبنية على الحياد والخديعة.