بعدما صمدت أكثر من 15 شهرا
03
عاشت مدينة الفنيدق، الجمعة 05 فبراير الجاري، على وقع الاحتجاج والغضب، بعدما قرر بعض من شيبها وشبابها الخروج للاحتجاج والتظاهر على تنامي مظاهر الفقر والعوز والتجاهل وطول انتظار خروج مشاريع التنموية والاقتصادية العاجلة، واجهتها سلطات عمالة المضيق الفنيدق، بالمنع والاعتقال.
فمدينة الفنيدق، التي يصل تعداد سكانها إلى حوالي 80 ألف نسمة، وفق آخر إحصاء رسمي أُجري سنة 2014، وتصل البطالة بها 18.2 في المئة (أي أكثر من المعدل الوطني الذي يصل إلى 9 في المئة)، كانت إلى عهد قريب فردوسا وقبلة لجميع المغاربة الباحثين عن لقمة العيش، بفعل ما تتيحه أسواق مدينة سبتة المحتلة من فرص للكسب السريع، إذ كانت توفر الشغل لأكثر من 25 ألف شخص، أغلبهم يقطنون بمدينة الفنيدق، غير أنه ومنذ أكثر من 15 شهرا لم تعد كذلك، بل وزادتها جائحة كورونا فقرا وركودا.
بل وقبل الجائحة سارت الحكومة في إقرار مخطط سيادي لتقنين التهريب القادم من أسواق الثغر المحتل، خاصة بعدما كشف تقرير اللجنة الاستطلاعية البرلمانية لسنة 2018، عن قيمة البضائع المهربة سنويا من معبر باب سبتة التي تتراوح مابين 6000 و 8000 مليون درهم من السلع المهربة سنويا من باب سبتة، إذ يفوت على خزينة الدولة ما بين 2000 و 3000 مليون درهم سنويا كضرائب ومكوس، مما جعلها تقرر تشديد الخناق عن معبر سبتة منذ سنة 2017، غير أن جائحة كورونا كانت حاسمة في تنزيل المخطط السيادي بعدما فرضت كورونا إغلاق المعابر البحرية والبرية والجوية في شهر مارس 2020، مما أثر بشكل جلي على حركة واقتصاد المنطقة ككل.
غير أن تأخر إنجاز الشطر الأول من منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، التي تصل تكلفتها الإجمالية حوالي 200 مليون درهم، زاد من تأزم الأوضاع بمدينة الفنيدق وجعل الإحباط واليأس يتسلل لنفوس أبناء المنطقة، سيما بعد تزامنها مع تأثيرات جائحة كورونا، وهو ما دفع بأبناء المنطقة إلى الإستجابة لدعوات التظاهر التي أطلقها نشطاء في منصات التواصل الاجتماعي، خاصة بعدما تم تسجيل في الفترة الأخيرة موجة من الهجرة إلى مدينة سبتة المحتلة بحرا بوسائل وطرق بدائية، كان مصير أغلبها الغرق والموت.
تأخر البدائل الاقتصادية زاد من مؤشرات الاحتقان
أمام تأخر البدائل الحقيقية والواقعية لمعالجة ظاهرة التهريب المعيشي، وفي غياب محاور جاد وواقعي، وفي ظل تغييب الفاعلين السياسيين، مما ضاعف من مؤشرات الاحتقان خاصة بين الشباب، وهو الشيء الذي دفع بالبعض إلى إطلاق دعوات، على مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل التظاهر والاحتجاج على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بمدينة الفنيدق، والتي تفاعل معها جمهور من الشباب والشيب المكتوي بنار الأزمة الاقتصادية التي ضربت أطنابها بالمنطقة.
دعوات واجهتها سلطات عمالة المضيق الفنيدق بالمنع حيث قال بلاغ للعمالة، أن عددا من الأشخاص قاموا، الجمعة 05 فبراير، بتنظيم وقفة احتجاجية غير مرخصة وفي خرق لمقتضيات حالة الطوارئ الصحية، بشارع محمد الخامس بمدينة الفنيدق، مع تعمدهم قطع الطريق العام، مما اضطرت معه السلطات العمومية للتدخل في امتثال تام للضوابط والأحكام القانونية لفض هذا التجمهر. وأوضح البلاغ، أنه خلال هذا التدخل، قام بعض المحتجين برشق أفراد القوات العمومية بالحجارة، مما أسفر عن إصابة 6 عناصر، تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية، كما تم نقل 10 أشخاص إلى المستشفى أيضا، على إثر تسجيل حالات إغماء نتيجة التدافع وسط المحتجين.
وبحسب مصادر الجريدة، فقد تم اعتقال في بداية الوقفة الاحتجاجية أكثر من 15 شخصا، من بينهم عضو الكتابة الإقليمية للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعمالة المضيق الفنيدق الأخ الخليل الجباري، الذي كان يمارسه دوره كفاعل سياسي في الإنصات إلى هموم أبناء المنطقة والإطلاع عن قرب على مطالب أبناء المنطقة، ليتم إطلاق سراحه لاحقا بمعية مجموعة من الموقوفين، ليتم الاحتفاظ فقط 4 موقوفين.
مسؤولو باشوية الفنيدق غابت عنهم الرزانة والمسؤولية في إحتواء الأحتقان
فقد يتفق الكثير أن لجوء مسؤولي عمالة المضيق الفنيدق إلى تطبيق القانون مع هكذا دعوات للاحتجاج والتظاهر، خاصة وأنها لم تصدر عن أي تنظيم أوجهة معلومة، التي من المفروض أن عمل على طلب الترخيص لهذا الفعل السلمي، فإن تنزيل قرار المنع، على أرض الواقع، من طرف مسؤولي باشوية الفنيدق، وعلى رأسهم باشا المدينة، لم يكن يكتسي طابع الرزانة والمسؤولية والحكمة، بل ارتكز على منطق القبضة الأمنية وحصد الأخضر واليابس، وهو ما جسدته واقعة اعتقال فاعل سياسي، كان يراقب وينصت إلى حناجر الشباب التي كانت تنادي ببديل اقتصادي حقيقي وواقعي ينتشلهم من الفقر والتهميش والعوز، هذا مع تعامله الفج مع وسائل الإعلام التي كانت تمارس دورها في الإعلام ونقل الخبر.
إن خروج أبناء مدينة الفنيدق للتظاهر يسائل المسؤولين المركزيين والجهويين والإقليميين، وكذا منتخبي العمالة، عن مدى فعالية وسرعة تنزيل البرامج والمشاريع التي تم التهليل والتطبيل لها، من أجل مواجهة تداعيات إغلاق معبر باب سبتة، مما سيزيد من بروز دعوات أخرى للتظاهر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وستنضاف، لا قدر الله، مدينة الفنيدق وأبناءها إلى جروح المغرب العميق التي لم تندمل، في كل من الحسيمة وجرادة.