تلقى مذكرات المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل التي تحمل عنوان «الحرية: مذكرات 1954-2021» صدى واسعا في عالمي السياسة والأدب، حاليا. فالكتاب، الذي يمتد على 736 صفحة، أثار حماسة الجمهور قبل إطلاقه. فقد نفدت جميع تذاكر الأمسية الأولى لتقديم الكتاب التي أقيمت في المسرح الألماني في برلين، في 26 نونبر الماضي، خلال دقائق معدودة من طرحها عبر الإنترنت قبل أسابيع. .
يتناول الكتاب الصادر عن دار نشر «كيبنهوير آند فيتش» جميع الأزمات والقرارات المهمة التي واجهتها ميركل خلال فترة حكمها مستشارة لألمانيا، مثل أزمة اللاجئين في عامي 2015-2016، وأزمات أخرى مثل الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة اليورو وأزمة أوكرانيا.
كما تسرد ميركل تجاربها مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (2017-2021)، وتتحدث عن هيمنة الرجال على الساحة السياسية الألمانية، إلى جانب قرارها المثير للجدل بشأن استقبال اللاجئين. كما تناولت بشكل مفصل سياستها تجاه روسيا وأوكرانيا ورؤيتها لفلاديمير بوتين، وهو الموضوع الذي أصبح محط انتقادات واسعة في الأوساط السياسية في برلين.
ينظر كتاب ميركل “ذكريات 1954-2021” إلى حياتها منذ طفولتها وشبابها في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية سابقا)، وإعادة توحيد ألمانيا، والصعود السياسي في ألمانيا الاتحادية حتى نهاية فترة مستشاريتها التي استمرت 16 عاما في أواخر خريف 2021 ، وسيتم نشره دوليا ككتاب وكتاب صوتي.
من النقاط التي يقف عندها الكتاب:
خلفيتها الشيوعية
ميركل التي تبلغ من العمر الآن 70 عاما كانت قد قضت السنوات الــ35 الأولى من حياتها في جمهورية ألمانيا الديمقراطية الاشتراكية، وانضمت إلى حركة الشباب في الحزب الحاكم، بل تولت منصبا رسميا صغيرا عندما كانت عالمة شابة.
وعلى مر السنين، ظل منتقدوها يدّعون أن ذلك ترك بصمة “سيئة” على شخصيتها السياسية؛ تجلت في مسحة من الاستبداد والتعاطف الخفي مع الدكتاتوريين.
لكن ميركل تروي في مذكراتها عكس ما ذهب إليه منتقدوها تماما. فعنوان كتابها مستمد من تعلقها الشديد بالحرية الذي طوّرته بحساسية، في رد فعل تجاه الدولة القمعية التي نشأت فيها، حيث كانت تضايقها الشرطة السرية بلا هوادة وتطاردها من قاعات المحاضرات لعدم التزامها بمبادئ الماركسية اللينينية. وهي تؤكد أن العقود الأولى من حياتها جعلتها أشد إيمانا بالنموذج الغربي للديمقراطية الليبرالية من عديد من السياسيين الذين تربوا في كنفها. *إحباطها الشديد إزاء التمييز ضدها على أساس الجنس
عانت ميركل من التعليقات الساخرة على تسريحة شعرها والتنانير الفضفاضة والسترات الملونة التي كانت ترتديها عندما كانت وزيرة في الحكومة، ومن محاولات السياسيين الذكور الذين سعوا إلى إزاحتها من القيادة العليا في حزبها. ومن الواضح أن كل تلك الأمور أثارت حفيظتها. وعندما صعدت إلى الصدارة في بيئة كانت لا تزال ذكورية إلى حد كبير، درجت على الرد على ذلك عمليا، وليس بدافع شخصي أو أيديولوجي.
فقد بدأت بارتداء بذلة نسائية مميزة بعد أن كسرت ساقها وقلقت بشأن كيفية التعامل مع التنورة والعكازات في الوقت نفسه. وبعد أن ظلت ترفض وصفها بأنها مناصرة للمرأة، خلصت في النهاية إلى أن المساواة بين الجنسين هي الطريقة الوحيدة المناسبة لمناهضة التمييز على أساس الجنس. وتعترف قائلة: “نعم أنا نسوية بطريقتي الخاصة”.
الاعتراف بالذنب فضيلة
قطعت ميركل وعدا بأن تكون صادقة عندما تتحدث عن نفسها، ومن بينها الإقرار بالذنب. فهي تلوم نفسها على هفوة شهيرة عندما وصفت الإنترنت بالأرض المجهولة بعد أن كشفت تسريبات إدوارد سنودن عام 2013 بأن الولايات المتحدة كانت تتنصت على هاتفها المحمول.
وفي واقعة شهيرة أخرى، أبكت فيها لاجئة سورية تبلغ من العمر 14 عاما خلال أزمة الهجرة عام 2015، وتمنت لو أنها طلبت من الفتاة أن تكتب لها رسالة بدلا من أن تلقي عليها محاضرة حول عدم قدرة ألمانيا على استيعاب كل جموع العالم المحتشدة (المهاجرون). وبالنظر إلى الوراء، تتمنى لو أنها ندمت على التصويت ضد تشريع زواج الشواذ عام 2017.
أخطاء تافهة
يلاحظ القارئ ذو العين الثاقبة أن تلك كلها كانت أخطاء تافهة نسبيا في السياق العام للأمور؛ فقد تجاوزت الخلاف مع الولايات المتحدة، ودخل السوريون إلى ألمانيا على أي حال.
ومع ذلك، فهي غير نادمة على الإطلاق في ما يتعلق بكل قضية مهمة، فقد كانت تتجاهل الذرائع ضد قراراتها أو ترفضها.
وفي إحدى فقرات كتابها، تصف خطاب بوتين الذي ألقاه في لقاء جرى بينهما في ميونخ عام 2007 بأنه “عدائي ومشين”. وتقول “يمكنك أن تجد كل هذا صبيانيا ومستهجنا، ويمكنك أن تهز رأسك، ولكن كانت روسيا لا تزال هناك على الخريطة”.
ولم تكن ميركل تتوقع أي شيء جيد من بوتين، ولكنها لم ترَ أي فائدة من إغضابه. فبالنسبة إليها، كانت روسيا مجرد قوة عدوانية في جوارها تجب إدارتها بالطرق التقليدية للدبلوماسية.
ميركل وترامب
تكثر القصص حول أول لقاء لميركل مع ترامب. ويُقال إنها استعدت له بمشاهدة حلقات قديمة من مسلسل “ذا أبرينتس”، (المتدرب)، الذي يتناول مسيرة دونالد ترامب المهنية بصفته قطب عقارات في نيويورك. غير أن ترامب كان جالسا في صمت مطبق في أثناء عرضها المتخم بالصور عن الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، قبل أن يشير بأصبعه إلى سلوفينيا على الخريطة، ويلتفت إلى زوجته السلوفينية المولد ويقول لها: ميلانيا، هذا أنت!”.
لكن ميركل لم تأت على ذكر هذه الحادثة في كتاب “الحرية”، بل كتبت عن انطباعها عن الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا أن ترامب “كان يريد أن يبدي الشخص الذي يتحدث معه إعجابه به”.
ميركل غير راضية عن توجهات حزبها
تتحلى ميركل بأدب جم تجاه فريدريش ميرتس، الذي حاربها ذات مرة دون جدوى للسيطرة على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
وعاد الرجل الآن ليصبح رئيسا للحزب منذ يناير 2022. لكن ذلك لم يمنعها من توجيه نقد ضمني في الفصول الأخيرة من الكتاب، بسبب الخط الذي انتهجه الحزب، وقضائه على كثير من إرثها، خاصة في ما يتعلق بالهجرة.