«في ظل دستور 2011 ومصادقة المغرب على العديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان،حري ببلادنا أن تنتقل من الحق في الدفاع إلى التمكين الفعلي من هذا الحق من خلال إلزامية حضور المحامي إلى جانب كل شخص اعتقل ومنذ اللحظة الأولى لاعتقاله» مارس2025
نقدم هذه المذكرة في سياق عام يمتد منذ سنوات، ويتعلق بتطبيق القواعد الجنائية على المشتبه فيهم و المتهمين، و اعتقالهم و محاكمتهم و إدانتهم بسنوات حبسا نافذا دون حضور دفاع لمؤازرتهم، و يستمر هذا الوضع في ظل دستور 2011 الذي اعتمد مرجعيات حقوق الانسان، و نص على عدد من المبادئ و المقاربات الحقوقية ، و ارتقى بعدد من القواعد الى المستوى الدستوري ، خاصة تلك المتعلقة بالمحاكمة العادلة و قرينة البراءة و التطبيق العادل للقانون.
في هذا الاطار ظل قانون المسطرة الجنائية ينص على حق المشتبه فيه او المتهم بارتكاب افعال جنحية تصل عقوبتها الى سنوات حبسا نافذا، في مؤازرة المحامي .
لكن قد يتيسر له تنصيب محام لمؤازرته و قد لا يتم ذلك، فيحرم من الدفاع بسبب ظروفه الخاصة، و عدم الزامية الدفاع بنص القانون.
و اليوم في سياق تعديل قانون المسطرة الجنائية من خلال مناقشة مشروع القانون 03.23 تطرح هذه المذكرة للترافع عن حق المواطن في الدفاع فعليا عن طريق تمكينه من مؤازرة محام، خاصة حين يكون معتقلا في اية مرحلة من مراحل الدعوى.
و تأتي هذه المذكرة من جهة اخرى في اطار استمرار قطاع المحامين الاتحاديين في اداء دوره كفاعل مهني و حقوقي، و كقطاع حزبي تبنى دائما قيم الحداثة و الديمقراطية و حقوق الانسان،و التي تعتبر المحاكمة العادلة أحد اركانها الاساسية.
لذلك فمطلبنا اليوم بتمكين المعتقل من دفاع يؤازره منذ اللحظة الاولى لاعتقاله، بقدر ما هو مطلب مهني للمحامين، فإننا نقدمه من مدخل حقوقي حري ببلادنا اليوم ان تأخذ به بعد انخراطها في منظومة حقوق الانسان، و اتخادها خطوات مهمة في مسار ملاءمة الترسانة القانونية مع المرجعية الدولية لحقوق الانسان ،و التيلا تظهر آثارها جلية الا بتوفير شروط المحاكمة العادلة التي يمثل التمكين الفعلي من حق الدفاع احد أركانها.
الجهة مقدمة المذكرة:
يقدم هذه المذكرة قطاع المحامين الاتحاديين و الذي هو قطاع حزبي راكم تاريخيا رصيدا حقوقيا محترما عبر سنوات طويلة من العمل المهني و الحقوقي لتجويد النصوص القانونيةو المساهمة في تطوير المؤسسات ذات الصلة.
و كان دائما توفير شروط المحاكمة العادلة احد انشغالاته الاساسية.
لمن تقدم المذكرة:
ان هذه المذكرة الترافعية، اذ تقدم مطلبا مهنيا من مدخل حقوقي، و تروم الترافع من اجل إحداث تعديل ضمن مشروع قانون المسطرة الجنائية ، فقد ارتأينا ان نخاطب من خلالها:
المحاميات و المحامين
الجهات الرسمية ذات الصلة بالتشريع و تطبيق القانونخاصة :
وزارة العدل
البرلمان
المجلس الاعلى للسلطة القضائية
و الجهات ذات الصلة بالدفاع عن حقوق الانسان و الحق في الدفاع و خاصة:
المجلس الوطني لحقوق الانسان
المجلس الاقتصادي و الاجتماعي
جمعية هيئات المحامين بالمغرب
الهـــــدف:
تقدم هذه المذكرة في سياق النقاش الوطني حول تعديل قانون المسطرة الجنائية، و حددنا هدفالها الترافع من اجل الانتقال من حق المعتقل في مؤازرة محام الى الزامية هذه المؤازرة . طالما ان مجرد النص على الحق لم يمكن طيلة عقود من الزمن من التحقيق الفعلي للمؤازرة ؛و هو ما جعل محاكمة المعتقلين تتم بدون دفاع في مئات القضايا التي تنظر فيها المحاكم يوميا.
ان هدف هذه المذكرة هو الترافع من اجل الانتقال من الحق في الدفاع الى التمكين الفعلي للمعتقلين من الدفاع عن طريق مؤازرة محام.
بيان الأسباب:
يعتبر تحقيق العدالة الجنائية هاجسا حقيقيا في كل المجتمعات، و تسعى الدول الى تحقيقه بوضع مقتضيات قانونية تضمن التوازن بين حق المجتمع في الدعوى الجنائية ممثلا في النيابة العامة، و حق المتهم في الدفاع عن نفسه، و هي المهمة التي ثبت انه لا يستطيع القيام بها بمفرده و دون محام، خاصة حين يكون معتقلا.
لذلك اعتبرت مؤازرة المحامي من اهم شروط المحاكمة العادلة. و قد نصت المسطرة الجنائية في الفصلين 66 و 80 على امكانية استعانة المشتبه فيه بمحام في مرحلة البحث التمهيدي وفق شروط و تفاصيل ،و هي نفس الامكانية المنصوص عليها عند تقديمه أمام النيابة العامة بمقتضى الفصلين 73 و 74 في قانون المسطرة الجنائية.
وفي مرحلة متول المتهم امام المحكمةتنص المادة 385 على ان المحكمة تشعر المتهم بحقه في تنصيب محام و الافإنها تسجل تنازله عن هذا الحق.
والملاحظ في كل هذه المقتضيات انها تنص على حق المتهم في الاستعانة بمحام ان هو اراد ذلك.
و معلوم ان هذه الارادة متوقفة على عدة شروط اهمها:
القدرة الماديةلتوكيل محام.
الادراك الحقيقي لدور المحامي في تحقيق المحاكمة العادلة، علما بان الشخص القادر
و الواعي لا يمكنه ان يتنازل عن هذاالحق. لذلك، فانه اذا كان الشرط الثاني المتعلق بادراك اهمية المؤازرة غالبا ما يتوفر، لأنه حاجة انسانية و نفسية في حالة الاعتقال، فان الشرط الاول المتعلق بالقدرة المادية هو الذي يحول غالبا دون تنصيب محام للمؤازرة. و في هذه الحالات يبقى الحق في الدفاع حقا نظريا مادام المعتقل لم يتمكن من ممارسته لظروفه المادية، فتجرى محاكمته و هو غير مدرك لكل جزئياتها و ابعادها من حيث الدفوع و الآجال و الاطراف و الطعون و غيرها.
لأن تنازله عن تنصيب محام ( لظروفه المادية اساسا ) هو تنازل بالتبعية عن حقوقه الاخرى و التي لا يكون له المام بها، لهذا فان الدفاع اذا كان من ضمانات المحاكمة العادلة ، فذلك لأنه حارس للضمانات الاخرى المخولة للمتهم.
و اذ كان المشرع قد ترجم ، هذا التصور حين نص على الزامية مؤازرة المحامي في بعض القضايا و خاصة قضايا الجنايات، او كان المتهم حدثا يقل عمره عن ثمانية عشر سنة، او كان المتهم ابكم او اعمى، و في الاحوال التي يكون فيها المتهم معرضا للحكم عليه بالابعاد( المادة 316 ق م ج )،
و عمق هذا الاختيار فيما نص عليه في المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية من امكانية اتصال الشخص الموضوع في الحراسة النظرية بمحام وفق شروطو اجراءات،و ما جاء في المشروع من توسيع نسبي لهذه الامكانية، فانه رغم كل ذلك، يظل الحق في الدفاع ناقصا ، ما لم تكن مؤازرة المحامي شاملة لكل المراحل،
ولصيقة بحالة الحرمان من الحرية، اذ كلما فقد الشخص حريته نتيجة الاعتقال يصبح في حالة عجز عن الدفاع عن نفسه و تختل شروط المحاكمة العادلة ما لم يتوفر على دفاع.
و ان المذكرة اذ تبني مقترحها على هذه الاسباب ، و على المرجعيات المذكورة، فإنها ترى ان المسار الحقوقي و التطور التشريعي للمغرب ، و التراكم الايجابي للاجتهاد القضائي، كلها عوامل تسمح اليوم بالانتقال الى مرحلة جديدة في دعم المحاكمة العادلة بالتنصيص على الزامية المحامي لكل معتقل و في اي مرحلة من مراحل الدعوى.
بيان المرجعيات:
إن الحق في الدفاع الذي هو اساس المحاكمة العادلة و احد اهم ضماناتها، يصبح اكثر ملحاحية حين يعتقل الشخص، فيفقد قدرته على الحركة و الاتصال للدفاع عن نفسه والبحث عن الحجج و الدلائل، فيختل ميزان العدالة حيث يصبح احد طرفي الدعوى عاجزا عن الدفاع عن نفسه مقابل الجهة التي اتهمته ( النيابة العامة) بما تملكه من سلطات قانونية و امكانات ووسائل توظفها دفاعا عن المتابعة التي سطرتها في حقه، و تضعف بالتالي شروط المحاكمة العادلة ، و تكون الوسيلة الوحيدة لإعادة التوازن للمحاكمة هو تنصيب دفاع للمتهم المعتقل المحروم من حرية الحركة للبحث عن وسائل و حجج الدفاع عن نفسه.
وتجد هذه الفكرة اساسها في مرجعيات عديدة اهمها:
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسيةو خاصةفي المواد 9-15-41.
المبادئ الاساسية بشان استقلال السلطة القضائية كما صادقت عليها الجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 29 نونبر 1985 و تاريخ 13 دجنبر 1985 .
المبادئ التوجيهية بشان دور اعضاء النيابة العامة كما اعتمدها مؤتمر الامم المتحدة الثامن لمنع الجريمة و معاملة المجرمين في هافانا من 27 غشت الى 7 شتنبر 1990.
المبادئ الاساسية بشان دور المحامين كما اعتمدها المؤتمر الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في هافانا من 27 غشت الى 7 شتنبر1990.
مجموعة المبادئ الخاصة بحماية جميع الاشخاص الذين يتعرضون لاي شكل من اشكال الاحتجاز التي اعتمدت و نشرت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 173/43 بتاريخ 9 دجنبر 1988.
دستور المملكة المغربية لسنة 2011 خاصة:
تصدير الدستور
الفصل 23
الفصل 120.
توصيات هيئة الانصاف والمصالحة خاصة:
المحور الثالث المتعلق بتقوية الضمانات القانونية و القضائية.
المحور الخامس المتعلق بتأهيل السياسة و التشريع الجنائيين.
معايير المسؤولية المهنيةو اعلان الحقوق و الواجبات الاساسية لقضاة النيابة العامة والمتابعين المصادق عليها من طرف الجمعية الدولية لقضاة النيابة العامة و المتابعين بتاريخ 23 ابريل 1999 و المصادق عليها من طرف لجنة الوقاية من الجريمة و العدالة الجنائية للأمم المتحدة بتاريخ 18 ابريل 2008.
صلب المقترح:
بناء على ما سبق عرضه، فان هذه المذكرة تسعى الى الدفع في اتجاه الانتقال من المعنى القانوني المجرد للحق، و الذي هو مضمون لجميع المواطنين، الى المعنى المادي الفعلي لهذا الحق، و الذي لا يتوفر الا لمن له الامكانية الفعلية لممارسة الحق بتنصيب دفاع لمؤازرته. اي الانتقال من النص على الحق في مؤازرة محام الى التمكين الفعلي من ذلك الحق.
و يخص هذا المطلب الشخص الذي يعتقل فيصبح في حالة عجز عن الحركة ، وبالتالي الحرمان من تهييئ دفاعه. فتختل بالنسبة اليه شروط المحاكمة العادلة.
و حيث ان توفير شروط هذه المحاكمة من مسؤولية الدولة، فيتعين تنصيب دفاع للمتهم المعتقل في اطار المساعدة القضائية اذا كان معوزا، ولا يقبل تنازله عن ذلك لان شروط المحاكمة العادلة من النظام العام، فهي مرتبطة بالمحاكمة بغض النظر عن الشخص الذي يحاكم. و الذي غالبا ما لا يكون واعيا بتنازله عن تنصيب دفاع ، و الذي يعني بالتبعية تنازله عن كثير من الضمانات الاخرى التي لا يكون عالما بها ( الآجال، الطعون…).
لكل تلك الاسباب ، و في سياق تعديل قانون المسطرة الجنائية، فان هذه المذكرة تطالب بتمكين كل من اعتقل ، و في اي مرحلة تم ذلك، من دفاع يؤازره، منذ اللحظة الاولى لاعتقاله.
و ان هذا المقتضى يستوجب تعديل كل مواد المسطرة الجنائية التي تميز بين المعتقل في الجنايات و الجنح ، و بين الاحداث و الرشداء، او تلك المتعلقة بالتمييز بين مرحلة الحراسة النظرية و التحقيق الاعدادي او المحاكمة.و تجميع هذه المقتضيات في نص واحد يوجب مؤازرة الدفاع لكل شخص اتخذ في حقه قرار الاعتقال،و من لحظة اتخاذ هذا القرار.
* المنسق الوطني
قطاع المحامين الاتحاديين